عشر سنين مضت كأنها الدهر، والحزن فيها سرمد، والجرح لما يندمل. وجلل المصاب يعصر الوجع فوق الوجع، حتى أن الوجع منه توجع.
عشر سنين مضت ونوره يزداد إشراقاً وبهاؤه يسطع تألقاً حتى أنه لفرط إشراقه وشدة تألقه بهر الأبصار والبصائر، فارتد البصر خاسئاً وهو حسير.
عشر سنين مضت والعقول حيرى قاصرة عن إدراك ذلك العظيم، والألسن خرساء عاجزة أن تصف شيئاً من شموخه وإبائه، كيف ذلك وأنى ذا وهو وريث النبوة وتذكار الإمامة! وما أجمل ما قال الإمام الخامنئي (دام ظله الشريف):
إن شخصية قائدنا وإمامنا الكبير تحتل موقعها والحق يقال بعد أنبياء الله وأوليائه المعصومين، ولا يمكن مقارنتها مع أي من الشخصيات الأخرى.
لقد كان وديعة إلهية بين أيدينا، وكان حجة الله علينا وآيته فينا.
نعم، لقد كان الإمام رضي الله عنه المصداق الأبرز للحديث الشريف: "العلماء ورثة الأنبياء" فالوراثة الحقة توأم العلم الكامل، العلم الكامل: بالله والعلم الكامل بأمر الله، والعمل الصالح الذي يحبه الله ويرضاه لازم ذاتي لهما. وعليه فالوارث الحقيقي هو الذي يمزج العلم الكامل بالعمل الصالح.
والإمام رضي الله عنه جمع الكل، وبزّ الكل في الكل. فآثاره في الفقه والفلسفة والعرفان التي انسابت انسياب الماء الزلال والرقراق الصافي في قلوب المحبين والمتلهفين إلى العلوم والمعارف الإلهية لا تخفى على أحد. لقد حدد الإمام رضي الله عنه في هذه الآثار الشريفة معالم الطريق، ورسم خطوطه العريضة، ورفع الشعار، إنه باختصار: الإسلام المحمدي الأصيل.
ولم يكتف الإمام رضي الله عنه بالإشارة والعبارة، ولا توقف عند التأليف والتصنيف، بل حمل دمه على كفه، ورفع صوته في وجه طاغوت دهره، متعرضاً للسجن والتعذيب، والقتل والتشريد، وكل صنوف الضغط والتهديد، وفقد الأحبة والتضحية بكل غالٍ ونفيس، دون أن يتردد في أداء تكليفه الإلهي لحظة أو يتراجع عن الطَّريق خطوة.
لقد كنا جماعات تقتات على هامش موائد المستكبرين، فجعل منا الإمام أمة إلهية تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ولا ترضى بدون العزة والكرامة والعنفوان وهذا من ثمار تضحيات الإمام. يقول الشيخ الآملي (حفظه المولى):
"إننا وإذ ننظر إلى الإمام نظرة إجلال وإكبار فلأنه طبق الأحكام ولم يكتفِ بطرحها، فطرِّح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شيء سهل، بينما تحويل علاقة الفقيه بالناس إلى علاقة إمامٍ بأمة أمرٌ في غاية العسر، لأنه يتطلب تضحية كي يفهم الناس أنهم أمة وأن الإمام وليُهم..".
ولأنه الوارث الحقيقي للنبوة لم يشأ الإمام رضي الله عنه أن يغادر الدنيا دون أن يوصي الأمة بما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكانت مقدمة الوصية السياسية الإلهية وعنوانها: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي. ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض.
بأبي أنت وأمي يا بن رسول الله، لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك.. خصصت حتى صرت مسلِّياً عمَّن سواك. وعمَّمت حتى صار الناس فيك سواء.
نم قرير العين أيها الإمام، فالأمة على العهد، والوفاء لن تحيد عن نهجك قيد أنملة، كيف ذا وشمس الخامنئي تبعث بالضياء.
والسلام