نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الإمام والاستكبار الأمريكي



الشيخ حسن عز الدين


في رحاب الذكرى السنوية العاشرة لرحيل الإمام الخميني قدس سره نحضر هذه الشخصية العظيمة التي كانت مثالاً رائعاً في سمو الأخلاق والصدق والإخلاص، وجسدت المعنى الكامل للعبودية لله.
إن الإمام الذي هو من صناعة التاريخ الإسلامي وصانع تاريخ الثورة الإسلامية اقترن اسمه بهذه الثورة المباركة حتى باتت كما يقول القائد الخامنئي "إن الثورة بدون اسم الإمام لا تعرف".

هذا الإمام الذي بدأ من العام 1961 إلى انتصار الثورة وما بعد انتصار الثورة إلى وفاته كان قائداً للثورة وموجهاً لها دون منازع لما يمتلك من خصوصيات تفرد بها عن الآخرين، فتحلّى بالجرأة والشجاعة والاستقامة ووقف كالجبل الشامخ في مواجهة أعداء الدين لم يخشَ في الله لومة لائم، نفض غبار الذل والمسكنة عن أمته وكشف حقيقة الإسلام المحمدي الأصيل وأعاد الهوية والذات لهذه الأمة وقاد شعبه في أعظم مواجهة مع الاستكبار وعلى رأسه أمريكا من خلال إحدى أدواته "الشاه" ليحقق انتصار ثورة إسلامية لا مثيل لها في التاريخ ويرسي دعائم جمهورية إسلامية تحكم بالعدل وتنشر القيم الإنسانية وتحارب الظلم وترفع الحرمان عن كاهل المستضعفين.

لقد بدأ الإمام جهاده وحركته ضد أمريكا وأدواتها منذ أكثر من نصف قرن، حيث إننا نجد أن هذه المواجهة قد تجلت بشكل واضح وصريح على أثر إقرار مجلس النواب الإيراني سنة 1964 قانون الحصانة للأمريكان الذي مفاده أن الأمريكي في إيران يتمتع بحصانة دبلوماسية وبالتالي لا يحق للقضاء الإيراني محاكمته مهما ارتكب من مخالفات أو جرائم، في تلك الفترة رسم الإمام ملامح المواجهة الحقيقية وحدَّد آنذاك أوليات الصراع والمواجهة واعتبر أن أمريكا تشكل الهدف الأساس ليس فقط للشعب الإيراني فحسب بل للشعوب الإسلامية والعربية والمستضعفة باعتبارها هي المحرك الأساسي لجميع المؤامرات على هذه الشعوب وهي التي ترسم سياسات الدول التي تسير في فلكها وتعتبر تلك الأنظمة أدواتٍ لها.
"إن جميع مصائبنا من أمريكا ومعضلاتنا من إسرائيل، إسرائيل جزء من أمريكا، نواب برلماننا جزء من أمريكا ووزراؤنا جزء من أمريكا كلّهم عملاء للأمريكان" .

وفي تلك المرحلة أوضح الإمام طبيعة العلاقة القائمة بين أمريكا ونظام الشاه وبين الشاه وإسرائيل وبدأ الإمام مواجهته بشكل صريح من خلال:
1- هجومه على الشاه بشكل مباشر حيث كانت أكثر القيادات السياسية المعارضة للشاه في تلك الفترة لا تجرؤ على تناول الشاه بشكل مباشر إنما كان الانتقاد يوجه إلى الحكومة بمعنى أن كل ما يعانيه الشعب من ممارسات قمعية وظلم كان الشاه بمنأى عنه فجاء الإمام وقال إن الشاه غدة سرطانية يجب أن تزول.
2- هجومه المباشر على العلاقة القائمة بين إسرائيل والشاه وفضح هذه العلاقة حيث كانت إسرائيل تسيطر على اقتصاد إيران التي تقيم علاقات دبلوماسية معها وتدعم الكيان الصهيوني ولم يكن أحد يجرؤ على الاعتراض فوجه الإمام كلاماً مباشراً للشاه.
أيها الشاه تريد أن أقول للشعب بأنك يهودي حتى يطردوك من البلاد.
3- هجومه المباشر على أمريكا مع أن صورة أمريكا في تلك الفترة أنها كانت تساعد إيران على التقدم والرقي وهي تدعم نظام الشاه من أجل تطوير إيران تحت شعارات التقدم والحرية والديمقراطية إلا أن الإمام كان يعي تماماً ما تقوم به أمريكا من دعمها للشاه ولنظامه وتثبيت قوته ليتسنى لها السيطرة على ثروات البلد ونهب النفط وتأمين مصالحها في المنطقة، لقد نظر الإمام من خلال ما يجري في إيران من مآسٍ ومؤامرات تحيكها أمريكا ليؤكد أن ما يعانيه الشعب الإيراني من أمريكا إنَّما تعانيه الشعوب الإسلامية والشعوب العربية والمستضعفة لذلك يعتبر الإمام أن هدف مواجهة أمريكا هدف استراتيجي وأساسي يجب على جميع هذه الشعوب أن تعتبره محور حركتها وينبغي أن لا تحيد عنه وتنشغل بأمور هامشية وثانوية.
"أمريكا هي العدو الأول للشعوب المحرومة والمستضعفة في العالم"(2).
"لتعلم الدنيا أن جميع مآسي الشعب الإيراني والشعوب الإسلامية هي بسبب الأجانب وبسبب أمريكا"(3).
أمريكا إذاً هي العدو الأول وهي سبب المآسي والجرائم. فما هي حقيقة هذا العدو وما هي منطلقاته في عدائه لهذه الشعوب؟ في الإجابة عن هذه التساؤلات نرى أن الإمام يحدد بوضوح ماهية هذا العدو ومنطلقاته العدائية.

1- عداؤها للإسلام
تنطلق أمريكا في عدائها ليس ضد الأشخاص لأن المتآمرين لا يهتمون بالأشخاص لذا فأمريكا لا يهمها الأشخاص حتى تتآمر ضدهم، بل هي تتآمر ضد الأفكار والعقائد التي تؤمن بها الشعوب فهي تتآمر على الإسلام باعتبار أنه يشكل خطراً على مصالحها والشعوب التي تؤمن بهذا الدين تحارب الاستعمار وتسعى إلى قطع أيادي الناهبين، من هنا نجد أمريكا تسعى جاهدة لتحريف مفاهيم هذا الدين الصحيح وتحاول أن تثبت القيم والأفكار التي تحرف من خلالها الناس عن إسلامها ولهذا يشير الإمام إلى "إن العدو الأول للإسلام والقرآن والرسول العظيم هو القوى الكبرى خصوصاً أمريكا وربيبتها الفاسدة إسرائيل"(1).
"إن أمريكا تضررت من الإسلام ومن الشعب الذي ينادي بالإسلام ولم تتضرر مني ولا من رئيس الجمهورية ولا من أعضاء المجلس ولا من الحكومة، إنها لم تتضرر من هؤلاء بل من المستضعفين ومن هذا الشعب"(5).

2 - القضاء على الهوية
تعمل الدول الاستكبارية وعلى رأسها أمريكا على استلاب الهوية الفكرية والحضارية والثقافية لهذه الشعوب بحيث تصبح شعوباً مسلوبة الشخصية وعديمة الذات وتعيش حالة من الذل والشعور بالدونية يؤديان بهم إلى التطلع نحو الآخرين وبالتالي تصبح هذه الشعوب شعوباً تابعة وليست متبوعة وتبقى شاخصة باتجاه الدول الصناعية المتقدمة وتربط اقتصادها بهم مما يسهل السيطرة عليها وإبقائها في حالة من التخلف والفقر لأن الدول التي ترتهن للآخرين من الناحية الاقتصادية يسهل عليها الإرتهان من الناحية السياسية والثقافية وبالتالي تصبح ملزمة بالخضوع لإرادة الدول المستكبرة التي تعمل على إبقائها في دائرة التبعية ولهذا يشير الإمام "إنكم تعرفون أن القوى الكبرى الشرقية والغربية تنهب جميع ثرواتنا المادية والمعنوية، وقد جعلونا في حالة فقر وحاجة سواء من الناحية السياسية أم الاقتصادية أم الثقافية- عودوا إلى أنفسكم واسترجعوا شخصيتكم الإسلامية وافضحوا بذكاء المؤامرات المشؤومة للناهبين الدوليين وعلى رأسهم أمريكا"(6).

3- الطبيعة الإرهابية
إن الحركة العدائية لأمريكا ضد الشعوب والدول المستضعفة والتي تخرج عن إرادتها إنما تعبر عن طبيعة إرهابية كانت التتابع الطبيعي للأزمة التي يعاني منها المجتمع الغربي بشكل عام وهي الأزمة الأخلاقية ونظرة الغرب إلى الإنسان كآلة ماء يريد من خلالها تحقيق مآربه ومصالحه ومنافعه وخاصة عندما يتعلق الأمر بغير الأمريكيين. لأن التربية الغربية سلخت عن الإنسان إنسانيته، هذا ما دفع أمريكا لأن تشعل العالم بالفتن والحروب والتاريخ شاهد على جرائم أمريكا في العالم بدءاً من حرب فيتنام إلى الدعم الكامل الذي تقدمه للعدو الصهيوني وما يرتكب بالأسلحة التي تعطيه إياها من جرائم واعتداءات، ورأينا دعم أمريكا لصدام في حربه ثماني سنوات ضد الجمهورية الإسلامية وما آلت إليه من دمار وخراب فضلاً عن مئات الألوف من الشهداء والأسرى والمعلولين. إلى ما قامت به ضد العراق بعد

غزوه الكويت وما نشهده اليوم من حرب حقيقية تقودها أمريكا ضد يوغسلافيا، مع أننا ندين ما يمارسه الصرب بحق المسلمين في كوسوفا.
وفضلاً عن الحروب العسكرية ما تمارسه أمريكا من إرهاب على المستوى الاقتصادي الذي يعتبر أسوأ من الحروب العسكرية، هذه الممارسات الإرهابية هي جزء من الطبيعة الاستعمارية التي تريد أن تتحكم بمصير هذه الشعوب والدول على العالم. وهذا ما يؤكده الإمام.
"إن أمريكا الإرهابية وبالأخص حكومتها التي أشعلت النار في أطراف العالم وحليفتها الصهيونية العالمية ترتكب في سبيل تحقيق مطامعها من الجرائم ما يأنف القلم عن كتابته واللسان عن ذكره"(7).

بناءً على ما تقدم نستطيع القول إن المواجهة بين الدول الطامحة لرسم مستقبلها ودورها المستقل وكذلك الشعوب التي تسعى للتحرر من التبعية وتقرير مصيرها وتريد العيش بعزة وكرامة وتبني مستقبلها بنفسها وبين أمريكا ستبقى قائمة لأن السلوك السياسي الأمريكي قائم على طبيعة السيطرة والتحكم بالآخرين ومرتكز على ماهية إرهابية عدائية للشعوب، ومن جانب آخر فإن حساسية هذه الشعوب في عدائها ضد أمريكا ستزداد يوماً بعد يوم وهذا يقتضي منا جميعاً دولاً وشعوباً وقوى حشد الطاقات وحل الخلافات والتعاون في ما بيننا، ونحن وقادرون على ذلك كما يؤكد الإمام "أن على المسلمين الاتحاد مع بعضهم لتوجيه صفعة لأمريكا على وجهها وليعلموا أنهم يستطيعون ذلك"(8).

وكلمة أخيرة فإذا ما تأملنا بحركة الإمام "قده" الجهادية والسياسية وكيف واجه أمريكا وعملاءها بالإرادة الصلبة التي لا تلين ولا تساوم وكيف وحَّد الشعب الإيراني بكل فئاته وطبقاته وكيف كانت العقيدة والأيديولوجيا المحرك الحقيقي للتضحية والاستشهاد نجد أن حركة الإمام ومواجهته لأمريكا أثمرت ثورة إسلامية قطعت أيادي الاستكبار وقضت على منافع ومصالح أمريكا وزرعت الأمل في نفوس الشعوب للتحرر.
وكذلك إذا تأملنا بما تقوم به المقاومة الإسلامية في صراعها ضد العدو وما تحققه من انتصارات وكيف قهرت العدو ومرغت صورته العسكرية في التراب واخترقت كل التقنيات والأجهزة وسحقت البنية الأمنية وحققت انتصارات كبيرة في هذا المجال أضف إلى ذلك نضال الشعب الفلسطيني والانتفاضة المباركة وكذلك ما يجري في الوطن العربي والإسلامي من ازدياد لنفوذ الإسلام والإسلاميين لأدركنا صحة مقولة الإمام وصحة رؤيته في فهمه الحقيقي لطبيعة أمريكا وأذنابها وعلى هذا الأساس نستطيع أن نجدد العهد والبيعة في ذكراه العاشرة للاستمرار على نهجه وخطه بقيادة نائبه بالحق آية الله العظمى السيد الخامنئي الذي يقود مسيرة الثورة والدولة نحو التقدم ويواجه القوى الشيطانية بكل كفاءة وجدارة.
 


1- من خطاب الإمام سنة 1964 بعد مصادقة برلمان الشاه على قانون الحصانة للأمريكان.
2- الكلمات القصار/ الوحدة الثقافية/ ص204.
3- الكلمات القصار/ الوحدة الثقافية/ ص204.
4- نفس المصدر، ص205.
5- الإمام في مواجهة الصهيونية ص109 منظمة الإعلام الإسلامي.
6- الإمام في مواجهة الصهيونية- منظمة الإعلام الإسلامي ص141.
7- الكلمات القصار/ الوحدة الثقافية ص205.
8- الكلمات القصار/ الوحدة الثقافية ص206.

 


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع