نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

دور الحج في توثيق عرى الوحدة بين المسلمين‏



الحاج محمود قماطي‏


ورد في القرآن الكريم:  ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيق﴾ٍ  (الحج: 27).
 ﴿جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (المائدة: 97).


كما ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام: عن هشام بن الحكم قال: "سألت أبا عبد الله عليه السلام فقلت له: ما العلة التي من أجلها كلف الله العباد الحج والطواف بالبيت؟ فقال: إن الله خلق الخلق.. وأمرهم بما يكون من أمر الطاعة في الدنيا، ومصلحتهم من أمر دنياهم، فجعل فيه الاجتماع من الشرق والغرب ليتعارفوا، وينتزع كل قوم من التجارات من بلد إلى بلد.. ولتعرف آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتعرف أخباره ويُذكر ولا يُنسى" (الحكمة: ج‏2، ص‏266).

للحج أبعاد اجتماعية جمة تتحقق خلال أداء فريضة الحج، تتمظهر على المستوى الجماعي للأمة بأشكال عديدة لتوحي بكل مظاهر القوة والعزة والتعاضد والوحدة والتنظيم والمساواة والحضارة والتفاعل، وما يعزز الساحة الداخلية للمسلمين ويرمي الكارين والمشركين المعادين منهم والحاقدين بالرعب والخوف والرهبة.

وأهم هذه الأبعاد الاجتماعية لهذه الفريضة المباركة هي:
أ- المساواة بين الناس وإلغاء التمايز بين المسلمين.
ب- التكافل الاجتماعي بين المسلمين.
ج- التعارف بين المسلمين على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم.
د- الوحدة بين المسلمين وتحقيق التفاعل فيما بينهم.
هـ- التنظيم في حركة المسلمين توقيتاً واتجاهاً ومناسك وأعمالاً.

وغير ذلك من الأبعاد الاجتماعية المتعددة الجوانب نلمسها ونكتشفها في موسم الحج، وما أكثرها، غير أننا في هذه العجالة وهذه المقالة اخترنا أن نتحدث عن بعد اجتماعي واحد لفريضة الحج "الوحدة الإسلامية".
كيف تتمظهر هذه الوحدة خلال أداء مناسك الحج المتعددة والمتنوعة وما هي الخطوات اللازم اعتمادها لتحقيقها، كجوهر أساسي مطلوب إنجازه عبادياً وتعبداً للوصول إلى أداء الفريضة أداءاً هادفاً واعياً لتكريس الوحدة بين المسلمين، لما لها من أهمية قصوى على مصير الأمة في حاضرها ومستقبلها.

وهذا ما ذهب إليه الإمام المقدس الخميني قدس سره في وصيته التاريخية كما في جميع خطبه وإرشاداته وتوجيهاته وهو القائل بمناسبة قدوم موسم الحج.
"يجب أن نعلم أن إحدى الفلسفات الاجتماعية لهذا التجمع العظيم من جميع أنحاء العالم، توثيق عرى الوحدة بين أتباع نبي الإسلام، اتباع القرآن الكريم في مقابل طواغيت العالم، وإذا لا سمح الله أوجد بعض الحجاج من خلال أعمالهم خللاً في هذه الوحدة أدت إلى التفرقة، فذلك سيوجب سخط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعذاب الله القادر الجبار".

كما يقول في مكان آخر:
"ومن جملة الوظائف في هذا الاجتماع العظيم، دعوة الناس والمجتمعات الإسلامية لوحدة الكلمة ورفع الاختلافات بين فئات المسلمين حيث ينبغي على الخطباء والعلماء والمفكرين أن يبادروا إلى هذا الأمر الحياتي ويسعوا في سبيل إيجاد وتشكيل جبهة للمستضعفين حيث أنهم يستطيعون بوحدة الجبهة، ووحدة الكلمة وشعار لا إله إلا الله أن يتحرروا من أسر القوى الشيطانية للأجانب والمستعمرين ويتغلبوا على المشاكل بوحدتهم".
من هنا ننطلق لنعالج كيف تحقق هذه الفريضة المباركة الوحدة بين المسلمين كبعد اجتماعي في الأمة.

* الكعبة الشريفة هي المركز:
فضلاً عن أن الكعبة الشريفة هي نقطة المركز جغرافياً بالنسبة للكرة الأرضية (كما ثبت علمياً) فهي النقطة المركز أيضاً لمناسك الحجاج في موسم الحج، وهي المكان الذي يتوحد حوله المسلمون في أعمال واحدة تشعرهم بالوحدة وتملأ نفوسهم بالعزم وتزيل منها الإحساس بالانعزال والتفرقة والتشرذم، فالكل يطوف حول الكعبة الشريفة في اتجاه واحد وفي مسار واحد ولتحقيق هدف واحد وحول نقطة مركزية واحدة وبذلك يتحقق الطواف.
والكل حين يصلي يتجه إلى الكعبة الشريفة من أية جهة كانت، فنرى المسلمين يشكلون فيما بينهم حلقات ودوائر تتواصل وتتوالى لتملأ الصحن الشريف وجوداً واحداً وصلاة جماعة يتجهون في اتجاه واحد ويصلون لرب واحد وهذا ما يعزز الشعور بالوحدة والعزة والقوة والكرامة.

* اللباس الواحد (لباس الإحرام):
إنك لا تنفك تعجز عن التمييز بين شخص آخر إلا عند التدقيق عن قرب، وأما في المشهد العام للحجاج فإنهم أمة واحدة لا وجود فيها لتمايز الأفراد الذي لا إمكانية لتحقيقه، فالأفراد يذوبون في الأداء الواحد، في المكان الواحد، في الزمان الواحد، وفي لباس واحد لا تمييز بينهم ولا تمايز، الأمير والوزير، والغني والفقير، والرئيسي والمرؤوس والحاكم والمحكوم والعالم والجاهل والمثقف والأمي والقوي والضعيف، والصحيح والمريض، كلهم يخضعون لضوابط شرعية دقيقة، تستدعي التجرد عن لباس الدنيا وزينتها والتزام الثوب المخصص للإحرام والذي يذكر بالكفن عن الموت وفراق الدنيا في الطريق إلى الآخرة.
المسلمون في هذا المشهد العام أمة متعاضدة فيما بينها، أفرادها متشابهون، لا تمييز بينهم، يرتدون ثياباً واحدة في اللون والزي متماثلة وكأنهم جيش منظم، في مواجهة عدو متربص، وحدة متراصة هم في التصدي للخطر المشترك والعدو المشترك، للدفاع عن الدين الواحد والمصير الواحد، كذا تتصورهم في موسم الحج ولا يمكنك التفلت والخروج من هذا الشعور أو ذاك التصور.

* السعي بين الصفا والمروة:
نقطة الانطلاق واحدة، الاتجاه واحد، المسار جماعي، الهدف واد، الهرولة أثناء السعي في مسافة محددة واحدة، عدد الأشواط محدد لاكتمال السعي الواحد، كالجسد الواحد تتحرك أعضاؤه بتناسق بديع وقوة وعزم لا يتوقفان، فأنت لا تستطيع إلا أن ترى وحدة صف المسلمين كأنهم بينان مرصوص يشد بعضهم بعضاً.

* في عرفات ومزدلفة ومنى:
الاستنفار الأكبر في عرفة، والحج عرفة كما ورد في الحديث الشريف، فالزمن محدد، والساعات محددة ومحدودة، والجميع ملزمون بالحضور، والغياب ممنوع، إنها قوة واحدة ووحدة متراصة في مكان واحد وزمان واحد، وزي واحد يطلب الجميع فيه التوبة والمغفرة من رب واحد، إنه المكان الذي يجمع الجميع دون استثناء يدعون الله بالنصر والعزة والكرامة للإسلام والمسلمين فضلاً عن التوبة والمغفرة والخروج من الآثام والذنوب والمعاصي إلى رحمة الله ورضوانه ومغفرته.
إن مشهد الوحدة هنا أكثر قوة وحضوراً لانحصار المكان والزمان وللإلزامية الحضور وعدم إمكانية الغياب، فالكل جاهز ومستعد لقضاء يوم كامل في هذا المكان الجليل.
نجد أن المبيت لن يكون هناك ليلة العاشر من ذي الحجة، ففي هذه الليلة أيضاً على الجميع أن ينتقلوا، كما الجيش الذي يتلقى الأوامر بالتحرك من نقطة إلى أخرى، وهنا عليه أن يبيت في مزدلفة، جميع الحجاج هناك يبيتون ليلتهم تلك إلزامياً، في العراء، لمزيد من التقشف ولحمل شظف العيش لساعات محدودة، يتدرب فيها الحجاج على وحدة التحرك ووحدة التآزر ووحدة المواجهة ووحدة التزام تنفيذ الأوامر، وكل ذلك تلبية لأوامر الله تعالى وانتهاءً عن نواهيه.
وفي الصباح يكون يوم الحشر، جيوش تتحرك، تحمل سلاحها من (الحصى) صباح اليوم العاشر من ذي الحجة، التحرك من مزدلفة إلى منى لرجم الشيطان الأكبر..
يا للهول هذه المرة الجيش الواحد لا يمكث أو يبيت في نقطة محددة كما في مزدلفة، وإنما يتحرك سيراً على الأقدام وفي الآليات والمركبات، الكل يتجه في اتجاه واحد لهدف واحد، رجم الشيطان الأكبر (جمرة العقبة).

* رمي الجمرات:
وهنا يتحقق الهدف الأجلّ للوحدة الأساس بين المسلمين وهو مواجهة العدو المتربص، "رجمه"، وليكن التصدي الأول للشيطان الأكبر ثم يتبعه التصدي للشيطان الأوسط والأصغر، فلا نتلهى بالأصغر أولاً متناسين العدو الأساس، بل لتكن إستراتيجيتنا هي أن الأولوية في التصدي هي للعدو الأكبر ثم لغيره، من الأعداء فالشيطان هو العدو، الشيطان داخل النفس البشرية أولاً والشيطان المتمثل بالقوى الظالمة والطاغية المستبدة التي تسحق المستضعفين، تنهب خيراتهم وثرواتهم وتسيطر على المواقع الاستراتيجية عندهم وتستعمل شعوبهم أسواقاً للاستهلاك.
وهذا الشيطان يستخدم سلاحاً فتاكاً للسيطرة على المسلمين والمستضعفين في العالم، هو سلاح التفرقة والتشرذم، لتسهل سيطرته ويسود تفوقه، والحل الأساس، والسلاح الأهم في المواجهة هو الوحدة الإسلامية ثم الوحدة بين المستضعفين لمواجهة الطغيان والاستكبار العالميين.
من هنا فإن رجم الشيطان هو تحقيق للمواجهة الداخلية للنفس الأمَّارة بالسوء على مستوى الفرد، وهي مواجهة لقوى الشر والطغيان والاستكبار بسلاح الوحدة على مستوى الجماعة حيث يرجم المسلمون الشيطان بالسلاح المعد سلفاً، في إشارة لأهمية الإعداد المسبق للمعركة، جماعات جماعات في وحدة متراصة توحي بالقوة والعزة والكرامة.

* "التضحية"- "الفداء"- "الذبيحة"- الهدي:
تختلف المصطلحات غير أن المضمون واحد وهو ضرورة "التضحية" وتقديم "الفداء" كمنسك من مناسك الحج في اليوم العاشر من ذي الحجة، غير أن الإيحاء هنا، أن لا نصر ولا انتصار على الشيطان، بدون تضحية وفداء، فلنكن مستعدين لتقديم الغالي والنفيس في سبيل صون وحماية هذا الدين من أعدائه المتربصين.
فإن الوحدة بين المسلمين تحتاج للتضحية وعلى الأقل الاستعداد لها، وهذا ما يحققه الحج، وما تزرعه هذه الفريضة في نفوس المسلمين.

* خلاصة البحث:
من كل ما تقدم، ومن من خلال ما تقدم من الخوض قليلاً في مفاهيم الوحدة المتحققة تلقائياً في موسم الحج عبر أداء مناسكه المقدسة، نكتشف هذا البعد الاجتماعي الرائع لهذه الفريضة. العبادة، في صورة لا أحلى ولا أجمل من صورة القوة والعزة والوحدة والإباء.
فالحج مؤتمر شعوب المسلمين السنوي الذي لا تستطيع أن تتدخل فيه الأنظمة لمنع انعقاده، ولكنها قد تتدخل لمنع تحقيق المنفعة منه، أو تفريغه من محتواه الاجتماعي والسياسي خوفاً من أن تنعكس عليها سلباً، بعدما تواطأت مع أعداء الأمة ضد شعوبها المسلمة الرافضة لكل أشكال الهيمنة والسيطرة والطغيان واستغلال الخيرات والثروات لمصلحة الأجنبي وحرمان الشعوب المسلمة صاحبة الحق الأصلي بها من أي نسبة من نسبها.
والحج فريضة الله على عباده من المسلمين لتحقيق التوجه بالنصر والعزة ليس فقط على مستوى المستضعفين في العالم لتشكيل جبهة ضد الاستكبار والظلم والطاغوت حتى وإن تزيَّ بزي الدين والإيمان.
ومن هنا كان تأكيد الإمام الخميني (قدس سره) على ضرورة إعلان البراءة من المشركين يوم الحج والتأكيد على مفاهيم الوحدة الإسلامية كبعد اجتماعي سياسي هام وأساس كامن في قلب هذه الفريضة إلى الأبد.
ونختم هذه المقالة ببعض أقوال الإمام الداعية لها والواردة في إحدى خطبه...

"ينبغي على الحجاج المحترمين لبيت الله الحرام لأي مذهب أو قومية انتموا أن يرضخوا لأحكام القرآن الكريم، ويقفوا في مواجهة سبل الشياطين الذين يريدون اقتلاع الإسلام الذي طهر الشرق والغرب، وعملاءهم الذين لا إرادة لهم".
"إن الحج هو أفضل مكان لتعارف الشعوب الإسلامية... بعد أن يضعوا جانباً المفردات والألوان والعرقية والقومية، يرجعون إلى أرضهم وبيتهم الأول".

"أيها الحجاج المحترمون، ابحثوا في طرق وسبل الوحدة بين جميع الطوائف والمذاهب الإسلامية المشتركة بين جميع الطوائف الإسلامية، وابحثوا لإيجاد حل للمشاكل التي أوجدها أعداء الإسلام لمسلمي العالم والتي يعتبر أهمها تفرقة صفوف المسلمين".
"وكما يعلم الجميع لقد سعرت قوى الشرق والغرب، آكلة العالم في الآونة الأخيرة نار هذه المعركة الخطيرة لأنهم يخشون وحدة المليار مسلم".


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع