أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

مانع الوصول إلى الكمال من أين ينشأ


سير في وصية الإمام لابنه السيد أحمد: مانع الوصول إلى الكمال من أين ينشأ
السيد عباس نور الدين


.. فالدنيا المذمومة هي في داخلك أنت، والتعلّق بغير صاحب القلب هو الموجب للسقوط وجميع المخالفات لأوامر الله وجميع المعاصي والجرائم والجنايات التي يُبتلى بها الإنسان كلّها من "حب النفس" الذي يولّد حبّ الدنيا وزخارفها وحبّ المقام والجاه والمال ومختلف الأماني..
علمنا من الوصايا السابقة أنّ في كلّ إنسان حباً فطرياً للوصول إلى الكمال المطلق. وإنّ هذا الحبّ يستحيل أن ينفصل عنه. أو فقل إنّ إنسانية الإنسان إنّما تكون بوجود هذا الحبّ والسعي الذي يتولّد منه. وما يحدث لأكثر الناس هو أنّهم يرون الكمال المطلق الذي تصبو إليه فطرتهم في الكمالات المحدودة. ويظنّون أنّ جمع المحدود يشبع نفوسهم. ولكن المحدود مهما بلغ فإنّه لا شيء مقابل المطلق. ويستحيل أن يكون جمع المحدود مساوياً للمطلق. إنّ عالم الإطلاق هو من سنخ آخر. وما دمنا نحاول من مفاهيمنا المحدودة وتصوراتنا الخيالية التي هي بنات عالم المادّة المحدودة، فإنّنا سنصل في نهاية المطاف إلى إنكار تلك المعاني، بل والوقوف في الخط المعادي لها. وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: "الناس أعداء ما جهلوا".

إنّ التعلّق بالكمال المحدود، الذي يعدّ حجاباً للفطرة ومانعاً من التعلّق بالكمال اللامتناهي، يظهر في هذا العالم بصورة حبّ الدنيا التي هي عالم الكثرات. وسرّ ذلك يعود إلى استحالة الجمع بين المحدود والمطلق. ولو تصوّر أحدٌ أنّه يجمع بينهما، فإنّه لا يكون قد تصوّر معنى الإطلاق. لأنّ المطلق متى ما أخذ بعين الاعتبار، لا يسمح بوجود المحدود إلى جانبه، وإلاّ صار المطلق محدوداً وهو واضح البطلان.

ولا شكّ بأنّ اختبار حقيقة الحبّ الإلهي وإدراكه، لا يتمّ إلاّ بعد طلاق الكثرات ومغادرة حبّ المحدود المتمثل بالدنيا وأقاليمها السبعة، من الجاه والشهوات والأماني المختلفة. وإنّما كان السرّ في إهباط الإنسان إلى أرض الكثرات أن يتعرف إلى حقيقة التوحيد ويدرك معنى الكمال المطلق. وللأسف، فإنّ هذا الإنسان لم يستفد من هذه الفرصة الوحيدة، وبدّل نعمة الله كفراً وأخلد إلى الأرض، باستثناء ثلة قليلة من البشر.
وعندما نتأمّل في حقيقة حب الدنيا ندرك العامل الرئيسي المسؤول عن نشوئه في قلب الإنسان. فالدنيا بمعنى السهول والجبال والأشجار والمعادن والجبال والأشجار والمعادن والأثاث والمركوب والملبوس والمنكوح، لا تكون مورد اهتمام الإنسان إلاّ إذا رأى فيها مصلحة لنفسه. ولهذا لا يتعلّق قلبه بسهل مليء بالأثمار لا يعرفه، أو بمعدن بعيد لا يمكن أن يدركه، إنّه يتعلّق بأيّ شيء من هذه المظاهر طالما يرى فيه لذة لنفسه. فالمحبوب بالأصل عنده في هذه الحالة هو نفسه. وإنّما أحبّ الأشياء الأخرى بتبع هذا الحب لذاته.

انظر إلى الحب الذي ينشأ من الشهوة الجنسية بين رجل وامرأة كيف أنّه يخمد عندما يصلان إلى مرحلة الضعف والشيخوخة. وعندما لا يعود يرى فيها لذة لبدنه، تصبح عنده شيئاً عادياً، رغم أنّه كان في مرحلة الشباب عاشقاً متيّماً بها! هذا أكبر دليل على أنّ هذا النوع من الحبّ يرجع بالأصل إلى حبّ الذات، والذي بدوره يؤدّي إلى طلب اللذّة والمنفعة لها.
وهكذا، فإنّنا إذا بحثنا في أصول التعلّقات بكلّ مظاهر الدنيا، وجدناها ترجع إلى أصل ومنشأ واحد هو "حب النفس". وتكون النتيجة: إنّ ما يقف مقابل حبّ الله، والوصول إلى الكمال المطلق، هو حبّ النفس التي هي أم الأصنام.

يقول الإمام قدس سره:
".. ونحن.. ما دمنا في حجاب النفس والأنانية، فإنّنا شيطانيون مطرودون من محضر الرحمن.. وما أصعب تحطيم هذا الصنم الذي يعد أمّ الأصنام، فنحن ما دمنا خاضعين له مطيعين لأوامره، لا نكون خاضعين لله (جلّ وعلا) ولا مطيعين لأوامره.. وما لم يحطم هذا الصنم، فإن الحجب الظلمانية لن تتمزّق ولن تُزال..".

ثمّ يقول مؤكّداً:
"علينا أن نعرف ما هو الحجاب أولاً، لنحن إذا لم نعرفه، لن نستطيع المبادرة إلى إزالته، أو إضعاف أثره، أو – على الأقل – الحدّ من تزايد رسوخه وقوته بمرور الوقت".
وفي هذا الكلام النوراني إشارات لأصحاب القلوب، يُعلم منها نبذة من أسرار مدرسة السلوك العرفاني.
فإذا كان الطريق الوحيد للوصول إلى الله (عزّ وجل) هو طاعته والفناء في إرادته. فإنّ الحائل أو المانع الأوحد من تحيق هذا الأمر هو إطاعة النفس، التي تنشأ من حبّها والاستقلال في طلب منفعتها.

وعندما لا يبقى بين العبد والمعبود أي حائل، فإنّه يستقبل كلّ فيضه، الذي هو فيض على الإطلاق وكما بدون حدٍ:  ﴿كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ .
حبّ النفس إذاً، هو الحجاب الذي تنشأ منه جميع الحجب، سواء كانت ظلمانية أم نورانية. فهذا الحب يظهر في المراحل الأولى بصورة حب الشهوات المحرّمة والأماني الرخيصة. ولكنّه يكون في المراحل الأخيرة بصورة حبّ المقام المعنوي وطلب الكرامات العرفانية. وما دام في الإنسان بقية نظر إلى نفسه لن يتمكّن من لقاء ربّه. وما أجل ما يقوله الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في دعائه:
"إلهي قد جرتُ على نفسي في النظر لها، فلها الويل إن لم تغفر لها..".

ولهذا يقولون: دع نفسك وتعال. فالسلوك إلى الله مشروط بالإخلاص. قال الله تعالى: (وما أمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدين). بل إنّ الدين كلّه هو العبادة الخالصة لله تعالى، والتي لا يطلب العبد فيها سوى الله عزّ وجل. وهذا هو مقتضى العبودية التي هي رابطة الحقيقة بين الإنسان والله سبحانه. لأنّ الإنسان في حقيقة وجوده ليس إلاّ الفقر والعجز واللاشيئية. والله سبحانه هو المالك لهذا الإنسان. يقول الله تعالى: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنيّ الحميد). وعن أمير المؤمنين عليه السلام في قوله تعالى: (إنّا لله وإنّا إليه راجعون) يقول عليه السلام: "إنّا لله، إقرار على أنفسنا بالملك، وإنّا إليه راجعون، إقرار عليها بالهلك". معنى العبودية أن العبد لا يملك شيئاً لنفسه مقابل سيده، ولا يملك نفسه. فعلى أي أساس يطلب لها حظاً من سيده؟! وإذا كانت عبادته عطية من هذا السيد، وكلّ قوّته توفيق منه. بل أصل وجوده واستمراره. فكيف يرى لنفسه استحاقاقا؟! أليس هذا عين الشقوة والجهل.

بلى، إنّ الله تعالى أمر عبده أن يسأله عن فضله، ووعده بالإجابة، وشرط ذلك بالاعتراف بالعجز والفقر والذلة. أمّا إذا استجيب للمدعي بالاستحقاق، فذلك يكون من باب المكر والإملاء. كما في حديث أمير المؤمنين عليه السلام: "إذا رأيت ربّك يوالي عليك النعم وأنت تعصيه فاحذره".
ولو حصل الإنسان على كلّ نعم الدنيا، ولم يدرك حقيقة مقامه بين يدي الله، أي لم يصل إلى العبودية الحقّة لله، فإنّه يكون ممّنا لم يصل إلى شيء. قال سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام: "ماذا وجد من فقدك، وما الذي فقد من وجدك".
لقد تأسّست المدرسة العرفانية السلوكية على هذا الأمر الذي ينطلق من معرفة الله تعالى. فإنّ معرفة الله الحقّة التي تعني انحصار الوجود والكمال والتأثير به، تستلزم الإخلاص بمعنى الانقطاع في التوجّه إليه وترك ما عداه. وإنّ الإخلاص الحقيقي الذي ينبع من التوحيد: "وكمال توحيده الإخلاص له"، يعني أن لا يطلب الإنسان لنفسه شيئاً على سبيل الاستحقاق. وإن يرفض هذه النفس من خلال معاندة أوامرها وطلباتها، وذلك بجعل وجوده وصفاته وحركاته تابعة مطلقاً لأوامر الله سبحانه ومشيئته.
قال الله تعالى:  ﴿هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ﴾.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع