مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الانقسام مرض هذه الأمة والإمام الخميني أوجد العلاج



بقلم: علي فياض*


يحفل العالم العربي والإسلامي منذ سنوات بعيدة، بدراسات مكثفة تسعى إلى فهم أسباب التراجع الحضاري والتعثر المستمر في المسار التنموي والسياسي قياساً لما هي عليه الحال في الغرب.

وإذ تحتشد الأسباب وتتداخل لتشكل ما يشبه الحلقة المغلقة، فقد تفاوتت تقديرات الباحثين، في التركيز على مكمن الخلل الأساسي ويبدو واضحاً أن أنظمة الاستبداد وتغييب فاعلية المجتمعات الأهلية وسيادة واقع الانقسام والتجزية، هي حقائق يكمل بعضها بعضاً وينظم إنتاجها سياق تاريخي واحد، ولا يَخفى أن واقع الانقسام هو من مظاهر الأزمة ومن أسبابها في آن. وبات هذا الواقع منطقاً حاكماً يخترق الأمة سياسياً واجتماعياً ومذهبياً، فالأمة منقسمة إلى دول متضاربة المصالح، وقد يصل هذا التضارب إلى حدِّ الحروب المفتوحة والاختلالات (على غرار ما فعل العراق مع الكويت). وكذلك، الأمة منقسمة أيضاً إلى مذاهب وملل، والمذاهب منقسمة إلى أحزاب وعصبيات، وفي وقت نرى أن الغرب قد أنتج مؤسسات وآليات وقيم استطاع من خلالها أن ينظم خلافاته فيما بين دوله وقواه، وأن يخفف فرص الصراع فيما بين أعضائه إلى أدنى حد ممكن، فنجد أن أوروبا تتجه باتجاه الوحدة الاقتصادية والنقدية والاجتماعية رغم إرث الدم الثقيل الذي تحمله تاريخياً ورغم فوارق اللغة والمذاهب والأعراق.

فيما يأخذ في عالمنا العربي والإسلامي التنافس سريعاً شكل الصراع المفتوح القائم على منطق الإلغاء والنفي، داخل الدول وفيما بينها، وتأخذ مؤسسات الناظمة للخلافات طريق التحلل والتلاشي (مثل جامعة الدول العربية) بدل تطوير صيغتها وتفعيلها.

ما نود قوله، ها هنا، إن الانقسام هو مرض هذه الأمة، وهو لم يعد واقعاً قائماً فحسب، إنما تجاوز ذلك إلى كونه روحاً ومنطقاً وقيماً، تمارس وتعاش وتحكم بنى التفكير والسلوك، ولقد شكَّل إدراك الإمام الخميني المقدس لهذا الواقع وخطورته، إحاطة عميقة بحقيقة الأزمة وكيفية معالجتها، فأطلق على نحو متكرر دعوته الملحة إلى الوحدة الإسلامية، مؤكداً أنه لا بديل عنها سوى التناحر والتشرذم والضعف والانحطاط. وما يلفت في خطاب الإمام أن الخصوصية المذهبية لا تتناقض مع الدعوة الصادقة للوحدة الإسلامية ولا تنفي إحداهما الأخرى، بل إن هذه الأخيرة من شأنها أن تشكل الوعاء الطبيعي الحاضن لكل التنويعات المذهبية التي باتت أمراً واقعاً تاريخياً وعقائدياً. وبالتالي فالمطلوب هو بناء معادلة مستقرة ومتوازنة بين الوحدة والخصوصية تقوم على الإيجابية والتكامل وعلى تعيين غير عصبوي لمساحة الوحدة ولمساهمة الخصوصية بحيث لا تجتاح إحداهما الأخرى فتلغيها أو ترتابها وتحولها إلى معادلة صراع.
وفي سبيل تعيين سريع لكلا المساحتين، نقول إن المصالح الكلية والقضايا السياسية والتحديات الخارجية والشؤون المجتمعية والرؤية التوحيدية كلها عناوين تغطي مساحة الوحدة، فيما التشريعات الفقهية وشؤون العبادات والقناعات العقائدية التفصيلية هي التي تتشكل على أساس مساحة الخصوصية.

وبكثير من الواقعية والصراحة، وفي ظل واقع التجزئة الذي يغطي العالم العربي والإسلامي بعامة، والمنطقة العربية بخاصة. ذلك إن إيران وتركيا خرجت كل واحدة منهما من الحرب العالمية الأولى متوحدة إلى حد كبير ودون تقسيم، على عكس ما خرج به العالم العربي الذي جرى تقسيمه إلى دول شتى، في ظل هذا الواقع نقول إن وحدة الأمة الآن لم يبق منها إلا الوحدة الثقافية والإحساس بالانتماء إلى هوية واحدة وأمة واحدة، فيما الوحدة السياسية والوحدة الجغرافية باتتا حلماً نسعى وراءه كل لحظة وبدأب وإصرار.
وفيما حسمت إيران خيارها التاريخي وانسجمت مع نفسها واختارت الحكم الإسلامي فتحولت بذلك إلى مركز العالم الإسلامي المعاصر، تخوض تركيا في المرحلة الراهنة صراعها ضد الخيار العلماني الذي فُرض عليها وتسبب لها بأزمة انشطار في الهوية. يبقى العالم العربي الأكثر تعقيداً في ظروفه وبيئته السياسية والاجتماعية، دون أن يتبين في الأفق ملامح تغيير سريع.

إزاء كل ذلك، ماذا غير خيار الوحدة الإسلامية، بدءاً من وحدة المصالح الإسلامية مروراً بوحدة الموقف السياسي في مواجهة التحديات، وصولاً إلى مستويات شاملة من الوحدة، يبدو أنها منوطة بتغييرات شاملة نسأل الله أن يوفق المسلمين لبلوغها تحقيقاً لوعده الذي وعدهم به.

(*) رئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع