مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

هكذا انتصرت المقاومة لمشروع الوحدة الإسلامية



بقلم: فضيلة الشيخ محمد خاتون*


لم يكن عنوان "الوحدة الإسلامية" متوحد الاتجاه وإنما هناك معانٍ متعددة يمكن أن تفهم الوحدة الإسلامية من خلالها.. فيمكن الوصول تصوراً إلى معنى من معاني الوحدة تذوب فيه الخلافات التشريعية وبالتالي تبقى الاختلافات العقائدية.. وهذا معنى متقدم للوحدة ولكنه صعب المنال لأنه يكمن فيه جوهر الاختلاف.. وهو متفرع مباشرة عن الاختلاف العقائدي، والأصعب منه هو ذوبان كل المسائل الخلافية.. القانونية منها والتشريعية.. وفي الحقيقة هنا فإن زوال الخلافات العقائدية والتشريعية يزيل الجانب الأهم من جوانب التشرذم في وسط الأمة.. على أننا لا نصل إلى المطلوب وبشكل مباشر بمجرد إزالة عوامل اختلاف العقائدية.. لأن الوحدة السياسية ليست متحققة بالضرورة من خلال إزالة سائر منابع الاختلاف الأخرى إذاً فلا بد من الالتفات إلى موضوع الوحدة السياسة وعدم اعتباره "شيئاً ثانوياً" أو "أمراً مستحباً" أو هو "أضعف الإيمان".. وذلك لأن موضوع الوحدة السياسية أمر في غاية الأهمية.. وقد لا تستفيد الأمة الإسلامية الموحدة ـ فرضاً ـ على المستوى العقائدي والتشريعي إذا كانت الوحدة السياسية غير متحققة بين أوساطها.

ولا يجوز بحال أن تحال الأوضاع المتردية للأمة الإسلامية بعد الحرب العالمية الأولى على الاختلافات العقائدية والتشريعية.. لأن مثل تلك الاختلافات كانت حاصلة في واقع الأمة منذ القدم.. ومع ذلك فإن أعداء هذه الأمة كانوا يرتعدون خوفاً من المسلمين.. نظراً إلى أن أي عدوان يمكن أن يشكل خطراً على قطر من أقطار الأمة فإنه يشكل خطراً على الأمة ككل.

ولم يكن احتلال فلسطين وقيام وطن يهودي على أرضها.. حدثاً عادياً بل أتى ضمن مخطط مدروس لعقود طويلة.. أخذ في حساباته ليستمر مجموعة من القواعد، وأهمها استمرار تشرذم الوضع على مستوى الدولة العربية والإسلامية.. بحيث تبقى لكل دولة خصوصياتها السياسية وشؤونها التي لا تتعداها إلى غيرها.. فغاب الهدف الواحد وبقي الحال كذلك إلى أن حصل اجتياح سنة 1982.. حيث أطلقت المقاومة الإسلامية في لبنان لتعلن تاريخاً جديداً للأمة على مستوى الصراع مع العدو.

لقد كانت مجموعة من الشعارات تعمل ولا تزال في أوساط المقاومين وكل منها يساهم إلى حد كبير في توحيد الأمة بوجه ذلك العدو.. وكانت هذه الشعارات في أكثرها مستمدة من كلمات للإمام الخميني (قدس سره):
ـ يجب أن تزول إسرائيل من الوجود.
ـ إسرائيل غدة سرطانية.
ـ لو سكب كل واحد من المسلمين على إسرائيل دلواً من الماء لجرفتها السيول.
ـ نحن ندعم وبشكل كامل نضال الأخوة الفلسطينيين والسكان في جنوب لبنان ضد إسرائيل الغاصبة.
ـ القدس ملك للمسلمين ويجب أن تعود إليهم.

لقد سجلت المقاومة الإسلامية مجموعة من النقاط توضع كل واحدة منها في خانة الانتصار لمشروع الوحدة الإسلامية:
أ ـ انطلقت المقاومة الإسلامية من إمكانيات ضعيفة ولم تأخذ ـ في أصل القيام ضد العدو ـ قوة ذلك العدو وإمكاناته، نعم أخذت بعين الاعتبار هذه القوة في تفاصيل الصراع ضد العدو، وهكذا تشكلت بذور مقاومة، موضوعها التكليف الشرعي الذي يرتكز على الذات وليس على الدافع الموضوعي.. وهذه نقطة جذرية في المقاومة إذ استطاعت أن تحرك مشاعر المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي كافة... لأن قيام التكليف الشرعي إذ كان هو الأصل فهذا يعني أن التكليف الشرعي لا يقتصر على إنسان أو جهة.. بل يتعدى كل الحدود ليصل إلى الجميع مهما كانت ظروفهم وإمكانياتهم.

ب ـ تجاوزت المقاومة الإسلامية في لبنان حدود المذهبية عملياً... وذلك لأن تحرير القدس وفلسطين كان ولا يزال يمثل هدفاً كبيراً من أهداف المقاومة.. وهذا يعني أن المقاومة الإسلامية في لبنان الشيعية الانتماء) والتي تقاتل من أجل تحرير فلسطين (السُنيَّة)، قد تجاوزت الأطر المذهبية عملياً.. ووصلت إلى المرحلة التي أصبحت فيها في موقع يمثل الأمة الإسلامية بجميع فئاتها ومذاهبها.. وهذا ما انعكس إيجابياً في علاقات تيار المقاومة بالفئات الإسلامية المتنوعة، ولم يكن تجاوز الأطر المذهبية أمراً ميسوراً بل كان أمراً في غاية الصعوبة، حيث كانت الأحقاد المذهبية تحفر في النفوس حفراً كبيرة يتوارثها الأبناء عن الآباء ويورثونها بدورهم إلى من يليهم.. وكان بين "شيعة" لبنان و"السُنَّة" في فلسطين كثير من الاتهامات والأقوال التي لا تصمد أمام البرهان، ولكنها فعلت فعلها في هؤلاء وأولئك على حد سواء، كان هذا بحد ذاته حاجزاً كبيراً، بل فيه يكمن جوهر الخلاف بين المسلمين.. وإذا أخذنا بعين الاعتبار بعد ظرف تهجير الفلسطينيين، ما جرى في لبنان من حرف للمقاومة الفلسطينية عن أهدافها الحقيقية التي أفرزت كثيراً من الأحقاد، فإننا نصل إلى مرحلة نحكم فيها بأن سداً كبيراً قد وصلنا إليه، لا يمكن أن نتجاوزه، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن "المسلحين" الفلسطينيين لم يقوموا بدورهم من خلال سلاحهم، وهذا ما جعل البعض يقولون: إذا كان أصحاب القضية قد تركوها فلماذا نكون ملكيين أكثر من الملك.. ندرك عندئذٍ أي عبء حمله المقاومة عندما حمل مجاهدوها سلاحهم ليقوموا بدورهم الشرعي في تحرير ديار المسلمين من تسلط الكفار عليها، ويتجاوزوا كل ما يمكن أن يجعل سداً في طريقهم إلى هدفهم الذي وصلوا إليه.

ج ـ حققت المقاومة الإسلامية مجموعة من الانتصارات ضد العدو الإسرائيلي في تاريخ صراعها معه، وهذا ما فقدته الأمة في تاريخها المتأخر حيث لم يكن الانتصار ليحالفها مرة عندما كان الصراع ينطلق من غير الإسلام الأصيل... بينما عندما ارتكز ذلك الصراع على الإسلام والقرآن تمكنت المقاومة بما استحدثته من عوامل القوة المعنوية، ومفاهيم الارتباط بالله تعالى، وما يعنيه ذلك في مجريات الأحداث، تمكنت من تسجيل هذه الانتصارات، وهذا يعني من الزاوية العملية، أن الإسلام الذي ينتمي إليه أبناء الأمة، والذي كان المسلمون قد "عطلوا" دوره في قيادة الحياة السياسية والاجتماعية، قادر على قيادة هذه الحياة من جهة، وقادر من جهة أخرى على إعطاء الروح المعنوية التي لا يمكن لغيره أن يعطيها إلا من خلال قوة مادية زائلة.

إن عدم الثقة بالمبدأ في صنع الانتصار قد يساهم في خلخلة الارتباط بذلك المبدأ... وبالمقابل فإن الثقة به تزيد من ذلك الارتباط، ولقد أثبت المقاومون في لبنان أن ذلك المبدأ هو الذي يمكن أن يهيّىء فرص الانتصار ويوجدها، وتالياً يمكن أن يعيد توحيد صفوف الأمة نحو الهدف انطلاقاً من الحالة المعنوية التي استطاع أن يوجدها في صفوف المجاهدين ومن خلفهم جماهير الإسلام المنتشر في أرجاء الأرض.

وبناءً على كل ذلك لم يكن هجوم المقاومين على موقع للعدو، مجرد حدث عسكري يجري في ظروف محددة، وإنما هو هجوم من قبل أبناء الأمة على عدو الأمة، ولم يكن القضاء على أفراد للعدو مجرد خسارة عسكرية جانبية للعدو، بل يعني أن الأمة الإسلامية التي تشكل المقاومة الإسلامية رأس حربتها، توجه ضربة موجعة إلى العدو.. وفي الصراع مع العدو لا بد من الشهداء.. والشهداء خسارة إذا كان المقياس مادياً منطلقاً من حسابات ظاهرية، ولكن إذا كان المقياس ينطلق من قوة الأمة، فإن الأمة قويت بالشهداء، فكان كل شهيد يسقط دفاعاً عن هدفه، يزيد من وعي من بقي، وهذا ما رأيناه جلياً واضحاً في كل مجريات الأحداث التي حصلت منذ بداية عمليات المقاومة ضد العدو إلى يومنا هذا، لقد شكلت المقاومة الإسلامية سلاحاً قوياً للوحدة الإسلامية.. وإن الجميع ليعترف بأنه لولا انطلاقة المقاومة الإسلامية في لبنان لما كان هناك انتفاضة في كل فلسطين، ولما تشكلت حالة من العداء لعدو الأمة "إسرائيل" في كل دولة من الدول العربية والإسلامية، ولبقيت شعوب هذه الدول تعني بشؤونها الداخلية، ولا علاقة لها بما يجري في الخارج ضد شياطين الأرض.. يأساً من الانتصار، وإما لأن لكل ناحية من نواحي الأمة الإسلامية شؤونها الخاصة، وإما لأن ما يجري هو شيء ثانوي بعيد عن الاهتمام.

خلاصة الأمر أن المقاومة قد أوجدت حالة لم تكن موجودة من قبل... جزء من هذه الحالة انطلق من عنوان المقاومة.. وجزء آخر انطلق من الآثار العملية لهذه المقاومة.
وقد يقول قائل إننا إلى الآن لا نزال بعيدين عن الوحدة الإسلامية.. فمن أين يأتي التفاؤل بحصول وحدة كهذه.. والجواب يتضح مما ذكر، وهو أن إحدى أهم النقاط في المناخ السياسي هي: أعرف عدوك.. وقد يكون المراد عند من يستعمل هذه العبارة معرفة التفاصيل.. ولكننا نريد منها الآن معرفة الأصل.. وإذا عرفنا عدونا من هو، وتمكنا من تحديده، عندئذٍ نستطيع أن نخوض في التفاصيل المتعلقة بذلك العدو حتى نتمك من قتاله لاحقاً كما عبر القرآن الكريم:
 ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾
فمن أين لمن لم يحدد عدوه وعدو أمته أن يقاتل.
ويكفي المقاومة مصداقية أنها عرفت العدو وحددته، وقدمته إلى الأمة الإسلامية أنه هو العدو الذي يجب أن نقاتله وننتصر عليه.
﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾

(*) المسؤول الثقافي المركزي لأمة حزب الله.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع