من وصية أمير المؤمنين إلى ابنه الإمام الحسن (عليهما السلام) فتَفهم يا بنيَّ وصيتي، واعلم أنَّ مالِكَ الموتِ وهو مالكُ الحياة، وأنَّ الخالقَ هو المُميت، وأنَّ المُفنيَ هو المُعيدُ، وأنَّ المُبتلي هو المُعافي، وأنَّ الدنيا لم تكن لتستقرَّ إلا على ما جعلها الله عليه من النَّعماء، والابتلاء، والجزاء في المعاد، أوْ ما شاءَ ممَّا لا تعلم، فإن أشكل عليكَ شيءٌ من ذلك فاحمله على جهالتك، فإنك أول ما خُلقتَ به جاهلاً ثمَّ علمتَ، وما أكثرَ ما تجهلُ من الأمر، ويَتحير فيه رأيك، ويَضلُّ فيه بصرك ثم تُبصِرهُ بعد ذلك! فاعتصم بالذي خلقكَ ورزقك وسوَّاكَ، وليكُن له تعبُّدك، وإليه رغبتك، ومنه شفقتك.
واعلم يا بنيَّ أن أحداً لم يُنبئ عن الله سبحانه كما أنبأ عنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فارْضَ به رائداً، وإلى النجاة قائداً، فإني لم آلُكَ نصيحةً. وإنك لن تبلغ في النظَرِ لنفسك ـ وإن اجتهدتَ ـ مبلغَ نظَري لك.
واعلم يا بٌُنيّ أنه لو كان لربّك شريكٌ لأتتك رسله، ولرأيتَ آثارَ مُلكه وسُلطانه، ولعرفتَ أفعاله وصِفاته، ولكنَّه إلهٌ واحدجٌ كما وَصفَ نفسه، لا يُضادُّه في مُلكه أحدٌ، ولا يزولُ أبداً ولم يزل. أولٌ قبلَ الأشياءِ بلا أوليَّةٍ، وآخرٌ بعد الأشياء بلا نهايةٍ. عظُم عن أن تثبت رُبُوبيِتهُ بإحاطةِ قلبٍ أو بَصر. فإذا عرفتَ ذلك فافعل كما ينبغي لمثلكّ أن يفعله في صِغر خطره، وقِلَّة مقدرته، وكثرة عجزه، وَعظيم حاجته إلى ربه، في طلب طاعته، والخشيةِ من عقوبته، والشَّفقة من سُخطه: فإنه لم يأمرك إلاَّ بحَسنٍ، ولم يَنهكَ إلا عن قبيحٍ.