ولاء حمود
يقول الباري جلَّ وعلا في الآية الثالثة والعشرين من سورة النمل وعلى لسان هدهد سليمان: ﴿إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ . صدق الله العلي العظيم.
من الملاحظات الأولى التي نحصِّلها لدى قراءتنا لسورة النمل أنَّ هذه السورة قد خلت من ذِكْرِ اسم المرأة التي عرضت قصتها كشأن سائر السور مع سائر النساء ما عدا سورة (مريم (عليها السلام)). غير أن هذا الغياب لهذا الاسم لم يكتفِ بتوسيع دائرة الاختلاف التاريخي حوله بل فتح الباب واسعاً أمام احتمالٍ جديدٍ يتساءل عن حقيقة وجود هذه المرأة. أهي حقيقة علمية ودينية أم هي أسطورية المنشأ والانتشار؟ الأمر الذي اعتنت به سائر الدراسات العربية المتخصصة بالأساطير العربية القديمة. وبلقيس أو بلقمة إحدى أهم ملكات الأسطورة العربية القديمة كما هي واحدة لا تقل أهمية عمّن ذُكِرْنَ في كتاب الله فخلّدهن الكتاب العظيم ما خلا الزهراء عليه السلام ومريم عليه السلام ويأتي اسم "بلقيس" اعتماداً راجحاً في كتب التفاسير واسماً متربعاً على عرش مملكة من المميزات التي قلَّت بين نساء عصرها.
ولعلَّ أول ما يميز هذه المرأة عن سواها، أنها لم تطل علينا بحركة قامت بها. كمريم التي انتبذت أو كآسية التي قالت، بل كانت إطلالتها الأولى عبرَ لوحةٍ تكاد تكون تصويرية معاصرة أحسن هدهد سليمان التقاطها لها. وقد أبرز فيها أهم صفاتها وأهم ما يعني نبيَّ الله سليمان من هذه الصفات.
إذاً، هي ملكة وقد أعلن القرآن امتلاكها لكل شيء وذلك بفعل "أوتيت"، وتبدو ميزاتها حتى الآن ايجابية، كامرأةٍ صاحبة قرارٍ نافذ تخضع الرجال له بحكم موقعها الآمر والناهي خلافاً لسائر النساء اللواتي مرَّت معنا سيرتهن ويبدو أن الرسول الطائر "الهدهد" لا يلوذُ بصمت الخائفين تحت تأثير تهديد سليمان عليه السلام بل يُعلن النبأ اليقين الذي يعني نبي الله. فيخاطب عبره أهم ما يعني نبوّته قائلاً في الآية الرابعة والعشرين من السورة نفسها ﴿وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ﴾. إذاً هاكم صفة سلبية في شخص هذه المرأة التي نتساءل الآن من هي؟ من تكون؟ وبتعريفٍ شامل جامع مانع يقول الشيخ محمد جواد مغنية قدس سره والمرأة هي "بلقيس بنت شراحيل". ويضيف عنها أنها من بنات الملوك. ويسلسل السيوطي في درّه المنثور تاريخ أسرة شراحيل فيقول: هي بلقيس بنت شراحيل بن مالك بن ريّان وأمها فارعة الجنية.
يُمَهِّدُ الامتحان الذي خضع له الهدهد في شأن وجود بلقيس لامتحاناتٍ عديدة خضعت لها بلقيس وهذه هي محاور مقالتنا مجتمعة. ثمة ملاحظة هامة يبرزها السياق القرآني وهي أن سليمان بن داوود عليه السلام لم يستنكر وجود امرأة تحكم قوماً فيهم من الرجال الأشداء ولكنه استنكر وجود قوم كافرين تحت إمرة ملكةٍ كافرة وهذا ما أثار حفيظته الرسالية، أن نبوّته العظيمة تجاوزت ذلك الصراع القائم بين الرجال والمرأة تحت سؤال من يقود الحياة؟ كان موقف سليمان أكثر توجُّهاً وأهم هدفيه ما يعنيه هو الإنسان والإنسان في رؤيته النبوية عابدٌ مسلم لله لا للشمس لذلك أزعجه وجودهم وملكتهم خارج إطار التوحيد المشرِّف للحياة. فتحدث عنهم بصيغة الجمع وهو يخاطب الهدهد موجِّهاً إيَّاه إليهم في الآية السابعة والعشرين: ﴿اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾ ويتكرر خطابه الموجه بصيغة الجمع دون أن يستثني الملكة: ﴿أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾، وفي هذا الخطاب الموجز يتضح همّ سليمان ورسالته وهذا ما أحسنت بلقيس رصده وحاولت أن تتعاطى معه مستعملةً كل ما تملكه من وعي وتحليل يليقان بموقع القائد المسؤول متخليةً عن أساليب المراوغة والدهاء.. اللذين يسمان عادةً تصرفات بعض النساء.
تبدو حركة بلقيس المتميزة في هذا النص القرآني حركةً ملكية لكنها لا تختزن شموخ الملوك. ولأن شموخ بلقيس أمر آخر يمتلك نكهةً خصوصيةً تبعده عن عنفوان الصولجان وارتفاع التاج لينفرد بشموخ الذكاء وجبروت الفكر، هذه الميزة الجبارة التي تحسن وحدها قيادة الحياة. فهي حاورت لتشاور وبذا تجلت ردة الفعل الأولى التي صدرت عنها مُحكمةً تدل على حضور كامل للنقل في تصرفاتها حتى قبل إسلامها. فتوجهها المباشر لقومها: ﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيم﴾ يعني أنها لم تكن ملكة متفرعنة مستبدة برأيها. بل ويؤكد حضور قومها في تصرفاتها وأنها لا تقطع أمراً دونهم كما خاطبتهم. وظهر حُسْنُ تقديرها للإنسان وعمق معرفتها بالمواقف والمواقع. عندما وصفت ما أُلقي إليها: ﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيم﴾. وهذا بحد ذاته ملمحٌ نبيلٌ من ملامح شخصيتها الفذة وقد أحسن هدهد سليمان نقله. وعندما عرض عليها وزراؤها أشكال قوتهم تاركين أمر مسالمة سليمان أو محاربته بعد كتابه المهدِّد المتوعد: ﴿قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ﴾ . أعلنت بلقيس وبرؤية الحكماء رأيها وذلك بعد أن قلّبت الأمر من وجهيه ووجدت كما يدل ظاهر الآية الرابعة والثلاثين أن العاقبة وخيمة: ﴿قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ . فسابقت سليمان إلى اختبار تكتشف من خلاله صدق دعواه. ورأت أن الهدية خير رسولٍ يجلو حقيقة النبوة أو المُلْك في شخص سليمان، فقبولها يعني أنه كسائر ملوك الدنيا ترضيه زخارف خادعة، أما رفضه فيعني أنه نبي لا يرضى بأقل من انتشار نبوَّته ونجاح دعواه. ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُون﴾ نلاحظ هنا أن المستويات التي تعاطت بها بلقيس حتى اللحظة تغيِّبُ أمامنا مستوى أنوثة الخاملة الخاضعة في شخصها الملكي. لتبدو لنا ملكةً يستقيم الملك بها، رُباناً يقود سفينته بمهارة، يخادع الرياح، يخاتلها حتى يصل مرفأ الأمان.
تتابع كتب التفسير وكتاب الله حكاية بلقيس مع نبي الله سليمان تبرز رفض سليمان هديتها، وبإباء يتناسب مع روحية دعوته كنبي أحاطه الله بكل مظاهر العظمة والنبوة. سخّر له الريح تجري بأمره وأحاطه بالخلَّص من الإنس والجن جنوداً، لذلك كان طبيعياً أن يواجه رئيس بعثة بلقيس إليه بقوله: ﴿فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ﴾. وكان طبيعياً وغضباً لله ولنبوته الأبية المترفعة عن صغائر هذا الوجود أن يرفق رفضه ببيان عسكري يعلن نشوب الحرب ويؤكد فيه قدرته على إحراز النصر، ﴿ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُون﴾ . إذاً تلقَّت بلقيس نتائج الامتحان الذي أحاطت به نبي الله، ومسيرها إليه بعد وصول بيانه إليها يوقِّع في أسفل الورقة وبيد بلقيس شهادة التفوق الروحي لسليمان لا الفوز فقط. ثمة نقاشاتٍ تاريخية حول كيفية معرفة سليمان بمسير بلقيس إليه وثمة مطوّلات تصف موكبها ونحن لا يعنينا في مقالتنا إلا ما قاله كتاب الله عن الامتحانات التي أحاط سليمان بلقيس بها والتي لم تكن أصعبها عظمة ملكه بل هيبة نبوته التي خاطبت في بلقيس عقلها، فبعد إصداره البلاغ رقم واحد في صراعه معها. يقرر النبي حقيقة حقّت بعد حين ﴿قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾. نلاحظ أن الإيجاز البليغ المعبِّر والذي على سيادته روح النص، لم يُخِلَّ بأي معنى هام تشير إليه قصة بلقيس وقد أعطى أهم ما في القصة حقه من التفصيل الذي زادنا تشويقاً للختام. فها هو التفصيل يسود عرض الموضوع بأسلوب يقترب من السَّرد القصصي الذي يعتمد وحدة الزمان والمكان والعمل.
وحدة واحدة فقط نفتقد إليها في الحوار القائم في قصة بلقيس هي وحدة المكان حيث نلاحظ مكانين بارزين. وهما عرش بلقيس في قاعةٍ ملكية في سبأ من بلاد اليمن وعرش سليمان في قاعة نبوَّةٍ قائمة في بيت القدس. لتكون الخاتمة قرب عرش سليمان حيث تعود للظهور وحدة المكان في هذا الفصل الأخير من المسرحية التي تلاحقت أحداثها وفصولها بشكل سريع دون استرسالٍ وحشوٍ وإطناب ببساطة دون تعقيد، قال النص القرآني كل استحقاقات بلقيس واستطاع أن يرينا خلف الأفعال وانعكاساتها أبعاداً نفسية هامة لأبطال المسرح والقصص القرآني الخالد. وهذه البساطة تجلّت بتكرار فعل القول الذي يتضمن إلى جانب اللعبة الحوارية سرداً قصصياً وإن تقاطعت هذه اللغة المسرحية بإعلان مستجدات من الأحداث كقطع الحوار بين سليمان والهدهد بفعل "مكث غير بعيد" أو قطعه بعد إلقاء الهدهد الكتاب ليخلو المسرح لبلقيس في المشهد الثاني من الفصل الأول بين قومها. حيث قالت وحيث قالوا تتداخل الحواريات بدءاً بالآية السادسة والثلاثين حتى الأربعين ليتماسك مشهد سليمان والوفد السبئي مع مشهد سليمان وأعوانه وليتسع في إحدى زواياه لإعلان وصول عرش بلقيس قبلها إلى أرض سليمان وأمره بتغيير طفيف لعرشها وذلك امتحاناً لقابليتها للهداية وهنا لا يُعْنى النص القرآني بقياس درجة حرارة اللقاء أو بُرودته بين النبوّة والملكية ولا بمراسيم الاستقبال التي أعدتها النبوة الرشيدة للملكة سليلة الملوك. هو عرض حقيقي موجز واخبار ما حدث متناولاً بلقيس في أرض سليمان. وسط ملطه المهيب وعرشها أمامها. بطريقة لم تستطع وحسب النص القرآني حتى التساؤل عنها وعن وسائلها في إيصاله إلى بيت المقدس. وهنا أيضاً بدت بلقيس حكيمة تضع القول في مواضعه وهي تمسك بيديها الخيط من طرفيه لا من طرفٍ واحد.. هي لم تعلن أنه عرشها، لم تسمح لدهشة المفاجأة أن تفقدها توازنها فيعتريها صلف الملوك وغرورهم، فتقول مأخوذة: إنه عرشي وبذلك احتفظت بالطرف الأول ولم تنكر انتماءه لها أو معرفتها إياه فتقع في ورطة الكذب جُبْناً ومُمالأة لسليمان في ملكه، وبكل عنفوان الفكر الإنساني الذي يأبى الكذب معه أم عليه، أجابت وقد أوقعتها تغييرات طفيفة فيه في حيرة.
ولكنها ليست التي تقع حتى أذنيها فكان جوابها "كأنه هو" خشبة خلاص مثّلت ملمحاً آخر من ملامح شخصيتها، فبعد كل ما سلف قوله عنها، تبدو بلقيس محنّكةً قويةً تحسن التخلص وتنجو من التورط، ولكن بلقيس ما زالت على وثنيتها ولم يكن اختبار عرشها في غير مكانه الآمن بين حراسها الأشداء كافياً لدفعها إلى طريق النور في عبادة الله الواحد الأحد. وهذا ما أعلنته الآية الثالثة والأربعون التي نشرت على مشهد النص المقترب من عقدته رائحة مكابرة ليست غريبة على ملكة كانت تخضع الأقوامُ لها رجالاً ونساءً.
﴿وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِين﴾َ لقد أعلن القرآن فوز بلقيس السياسي دون الروحاني وهو لعمري الفشل العظيم لا الفوز السّاحق، لذلك استحقت برأي سليمان لجَّةً أوحت لها بالنهاية الغريقة بين تلاطم الموج. وذلك مقابل فوز النبوة في شخص سليمان الذي جمع إليها مُلكاً لم يكن لسواه لذلك أعلن (هذا من فضل ربي.. فإن ربي غني كريم). وفي خضم نشوة الانتصار لله وبالله وحده. قدَّم لبلقيس دعوة الدخول إلى الصرح (قيل لها ادخلي الصرح) الذي كان ممرّداً من قوارير ولكنها حسبته لجةً واللجة هي الماء الكثير وهي أمامه حائرة ولكن للملوك خصوصية خوض اللجج بجرأة وعلى بلقيس أن لا تكون عاراً على خصوصية الملوك. ويحق لسليمان أن يميتها غرقاً وهو ينظر إليها من عرشه المنتصب شامخاً عند نهاية اللجة. ليكن له ما يريد ولتكن لها شجاعة الملوك وجرأتهم. هذا حديث فردي أوحت به آيات القرآن الكريم ولكنها لم تشر إليه إطلاقاً. لأنها اكتفت بإبراز رد فعل فطري عفوي صدر عن بلقيس قد بدت فيه للمرة الأولى أنثى خافت البلل على ثيابها الأميرية الملكية وإلا لما كشفت عن ساقيها. ليأتيها صوت سليمان حاملاً إحساساً راقياً بانتصار النبوة على المُلْك والملوك (إنه صرح ممردٌ من قوارير) قرأ سليمان مكنون بلقيس كأنه يقرأ في كتاب مفتوح. رأى ارتباكها أمام عرشها. واحترم حُسن سياستها في التخلص ولكنه استشفَّ منه خطورة لا تناسب هدفه الرسالي. بلقيس حكيمة لكن حكمتها لم تُخف وثنيتها، وهذا هو عيبها الوحيد الذي حاربه سليمان منذ البداية، لذلك، كان الصرح وكانت اللجة تورية، تباركت تورية وهبت لدرب الله.. أمام الإنسانية سالكةً بمستوى بلقيس التي وقفت أمام اللجة الموهومة. شجاعة تقبل على قدرها، بأنفة الملوك وكبريائهم. وهذا أمرٌ له جماله في شخص الأنثى التي خبّأتها بلقيس حتى المشهد الأخير. إن تملك امرأة شجاعة الرجال وإقدامهم أمر تحتاجه الحياة وأن تملك ملكة شجاعة القرار، أمر تحتاجه القيم، قيمُ المُلك وقيمُ الإنسانية التي تأبى الضعف البشري وقديماً علّمنا أجدادنا وحديثاً يعلمنا مقاومونا كيف نعيش شجعاناً وكيف نستشهد واقفين، وهنا يصح قولنا أن من كانت تملك خصائص بلقيس الملكة والإنسانة والأنثى لن تتيه طويلاً تحت أشعة شمس ما أنارت داخلها رغم طول عبادتها لها. وكتاب الله يؤكد هذا القول. لتبدو بلقيس في المشهد الأخير للفصل الأخيرة من قصتها الممسرحة قرآنياً ملكة الحكمة في عصرها. والسياسة في زمنها والصدق في عدم المخادعة طلباً للنجاة. ملكة للرفض لتأليف القلوب ولما يدخل الإيمان مساحاتها بعد، لذلك نجح سليمان في الفوز بها ملكة للهداية في نهاية المطاف. وهذا ما تضمنه صوته الذي وصلها مثقلاً بنشوة الفائز بها عابدة لله، وأظهرت نشوته ثقته بنجاح امتحاناته بدءاً بالكتاب الملقى من علٍ مروراً بالعرش والمنكر في غير مكانه وانتهاءً باللجة الموهومژ... وكانت ثقته في محلها لأنه ما خاب نبي من قبل ومن بعد وجاءت كلمة بلقيس الأخيرة ترجمة عملية لهذه الثقة: (رب أني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين).