نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مصباح الولاية: مراتب العبادة

 


يجدر بنا في هذا الصدد أن نشير إلى ملاحظة وهي أنّ بعض الكتّاب يزعم أن الدين أساساً لا ينسجم مع الأخلاق بمعنى الشرق الخلقي، وذلك لأنّ الدين يعني أن يعبد الإنسان ربّه، والعبادة لله لا تكون إلاّ للخوف من جهنّم أو للطمع في الجنّة، فالأمر في النهاية إذاً يرجع لمطامع الإنسان المادية، بينما الفعل الخلقي فعل شريف، بمعنى أنّ الإنسان يقدم عليه من أجل شرفه وقدسيّته فحسب.

والجواب هو: أنّ للعبادة – من وجهة نظر الدين الإسلامي المقدّس – مراتب متعدّدة، وأرفعها تلك العبادة التي هي فوق مستوى الطمع في الجنّة أو الخوف من جهنّم تُؤدّى لذات الحقّ سبحانه لكونه أهلاً لها.
وهناك عبادات تُؤدّى للطمع في الجنّة أو للخوف من النار، وهي عبادة أيضاً لكنّها عبادة ذات منزلة أخفض.
يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام):"إنّ قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التّجار، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإنّ قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار".

فعبادة التجّار تعني أنّهم يريدون المتاجرة مع الله سبحانه، يعطون شيئاً ويأخذون مكانه شيئاً أكثر، وهذا هو دين التجّار. وعبادة العبيد تعني أنّ العبد إذا كُلّف من قِبل سيّده فإنّه ينفّذ أوامره خوفاً من السوط. وأمّا عبادة الشكر أو عبادة الحبّ كما في بعض النصوص فهي تعني انعكاس فطرته في شعوره الواعي، فهو يعبد الله سبحانه كما تقتضي ذلك فطرة معرفة الله عنده، فحتّى لو فرضنا أنّ الله لم يخلق الجنّة ولا النار فإنّه مع ذلك يعبده. يقول الإمام عليّ (عليه السلام):
"إلهي ما عبدتك خوفاً من عقابك ولا طمعاً في ثوابك بل وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك".
ولنتأمّل في قوله: "أهلاً للعبادة" فهي زاخرة بالمعاني الرفيعة: إنّني أعبدك لأنّك أنت ولأنّي أنا. إنّ من أبده الأمور في العالم أن تكون المعبود لي وأن أكون العابد لك.

ودعاء كميل عندما يتأمّل فيه الإنسان يجده من أوّله إلى آخره ينضح بعبادة الحبّ والشكر ويدلّ على الخروج الحقيقي من الذات، وفي منطق الإمام عليّ (عليه السلام) لا توجد مبالغة ولا إغراق، ولاسيّما عندما يتحدّث مع خالقه. ونلاحظ في هذا الدعاء عبارات نعجز عن تصوّرها، فمثلاً بالنسبة إلى نار جهنّم يقول: 
"وهذا ما لا تقوم له السماوات والأرض".

ومع ذلك يخاطب ربّه:
"فهبني يا إلهي وسيدي ومولاي وربّي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك، وهبني يا إلهي صبرت على حرّ نارك فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك".
هذه هي عبادة الحب، وللإنسان منازل رفيعة جداً ولا تنحصر في الإمام علي (عليه السلام) وإنّما هناك أشخاص عديدون فازوا بمثل هذه الآفاق الراقية.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع