روى الحمويني بسنده عن سليمان بن مهران الأعمش عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام)، عن أبيه محمّد بن علي (عليهما السلام)، عن أبيه علي بن الحسين (عليهما السلام)، قال: "نحن أئمّة المسلمين وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين، وقادة الغرّ المحجّلين وموالي المؤمنين، ونحن أمان أهل الأرض، كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها وبنا ينزل الغيث وينشر الرّحمة، ويخرج بركات الأرض، ولولا ما في الأرض منّا لساخت بأهلها.
ثمّ قال: ولم تخلُ الأرض منذ خلق الله آدم من حجّة لله فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجّة لله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله.
فقال سليمان: فقلت للصّادق (عليه السلام) فكيف ينتفع الناس بالحجّة الغائب المستور؟ قال: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب".
وقد ورد بهذا المضمون وبعبارات مشابهة في (ينابيع المودة) للقندوزي ص 478، و (غاية المرام) للسيد هاشم البحراني، و (البحار) للعلامة المجلسي ج 52 ص 93 و (كمال الدين) و (الأمالي) للصدوق.
وقد ذكر العلامة المجلسي رضوان الله عليه في وجه التشبيه بالشمس المجلّلة بالسحاب أموراً لا بأس بذكرها هنا:
الأول: إنّ نور الوجود والعلم والهداية، يصل إلى الخلق بتوسطه (عليه السلام) إذ ثبت بالأخبار المستفيضة، أنّهم العلل الغائبة لإيجاد الخلق، فلولاهم لم يصل نور الوجود إلى غيرهم، وببركتهم والاستشفاع بهم، والتوسل إليهم يظهر العلوم والمعارف على الخلق ويكشف البلايا عنهم، فلولاهم لاستحقّ الخلق بقبائح أعمالهم أنواع العذاب. كما قال تعالى: (وما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم) ولقد جرّبنا مراراً لا نحصيها أنّ عند انغلاق الأمور وإعضال المسائل، والبعد عن جناب الحق تعالى، وانسداد أبواب الفيض، لما استشفعنا بهم وتوسلنا بأنوارهم، فبقدر ما يحصل الارتباط المعنوي بهم في ذلك الوقت تنكشف تلك الأمور الصعبة وهذا معاين لمن أكحل الله عين قلبه بنور الإيمان.
الثاني: كما أنّ الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها – ينتظرون في كلّ آن انكشاف السحاب عنها وظهورها، ليكون انتفاعهم بها أكثر، فكذلك في أيام غيبته (عليه السلام)، ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره في كلّ وقت وزمان، ولا ييأسون منه.
الثالث: أنّ منكر وجوده (عليه السلام) مع وفور ظهور آثاره كمنكر وجود الشمس إذا غيّبها السحاب عن الأبصار.
الرابع: إنّ الشمس قد تكون غيبتها في السحاب أصلح للعباد من ظهورها لهم بغير حجاب فكذلك غيبته عليه السلام أصلح لهم في تلك الأزمان فلذا غاب عنهم.
الخامس: أنّ الناظر إلى الشمس لا يمكنه النظر إليها بارزة عن السحاب، وربما عمي بالنظر إليهما لضعف الباصرة عن الإحاطة بها فكذلك شمس ذاته المقدّسة ربما يكون ظهوره أضرّ لبصائرهم ويكون سبباً لعماهم عن الحقّ وتحتمل بصائرهم الإيما به في غيبته كما ينظر الإنسان إلى الشمس من تحت السحاب ولا يتضرّر بذلك.
السادس: أنّ الشمس قد تخرج من السحاب وينظر إليه واحد دون واحد فكذلك يمكن أن يظهر عليه السلام في أيام غيبته لبعض الخلق دون بعض.
السابع: أنّهم (عليهم السلام) كالشمس في عموم النفع وإنّما لا ينتفع بهم من كان أعمى كما فسّر به في الأخبار قوله تعالى: (من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلا).
الثامن: أنّ الشمس كما أنّ شعاعها تدخل البيوت بقدر ما فيها من الروازن والشبابيك، وبقدر ما يرتفع عنها من الموانع فكذلك الخلق، إنّما ينتفعون بأنوار هدايتهم بقدر ما يرفعون الموانع عن حواسّهم ومشاعرهم التي هي روازن قلوبهم من الشهوات النفسانية والعلائق الجسمانية وبقدر ما يدفعون عن قلوبهم من الغواشي الكثيفة الهيولانية إلى أن ينتهي الأمر إلى حيث يكون بمنزلة من هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب.
فقد فتحت لك من هذه الجنة الروحانية ثمانية أبواب ولقد فتح الله عليّ بفضله ثمانية أخرى تضيق العبارة عن ذكرها، عسى الله أن يفتح علينا وعليك في معرفتهم ألف باب يفتح من كلّ باب ألف باب (البحار ج 52 ص 93).