نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

خاطرة: إلى ندى الحسيني...


ولاء إبراهيم حمود


راحلةً زادها الغياب حضوراً..
وحبيبةً ما فُقدت حتّى في ... السفر الأخير
أسأل ماذا أكتب عن وردة المقاومة وعطرها الفوّاح... يراعي بين أناملي كريشة مكسورة.. تُهادن الرياح... وقلبي بين أضلعي.. عصفورة صغيرة... مهيضة الجناح... وحلمي قبل يقظتي... مرآتي المكسورة... تبكي بلا نواح.
أسأل ماذا أكتب... والحرف كم يعاند كم يمنع الشاعر أن تروي ما يُباح..
كم يجهل.. الدقائق البسيطة... العميقة في لوعة الجراح... والجرح في أعمارنا... نافذة مُشرّعة لمطلع الصباح... لوجهها المهاجر... لصوتها المقاوم.. لحملها المسافر... شراعاً للقصيدة.. ونهجاً للكفاح.
هل سمعتم يوماً أنّ الشعر قد استقال من مسؤوليته عن التعبير؟
هل سمعتم يوماً أنّ اللغة وقفت عاجزة إلاّ عن تكبيل حروفها وتقييد كلماتها ولجم معانيها..؟؟
عندما يفقد الورد نداه.. يخسر من نضارته ذاك الجمال الذي يوقفنا أمامه طويلاً أو يقطفه... بين يدينا برعماً... أي سحر للورد بعدك يا ندى؟
وعندما يفارق القلب نبضه... تهاجره المشاعر قبل الدماء... في استسلام يوغل في عمق النهاية... أي قيمة لقلب لم يُدْمِه رحيلك يا صوت المقاومة النابض لعزف انتصاراتها...؟؟
وعندما تجف مياه النهر يندب المكان لطفه، وتبكي الضفاف موسيقاها... وينتحر الجمال أو يستقيل من وظيفته الخلاّقة في إبداع الفرح.. أي جمال سنشعر بعد أن طوى الموت شموخ قامتك.. يا قامة الحور وشموخه.. يا فيء صفصافة وارفة الظلال...
وعندما تفقد اللغة صوتها... تذهل الحروف.. وتتوقف الكلمات عاجزة عن التشكّل... وتمضي المعاني هاربة لا تلوي على شيء، معلنة أمراً واحداً فقط هو استقالة الشعر بعد عجز اللغة وتخليها عن أداء مهامها...
أي لغة لا تعاق بعد أن صفعها رحيلك.. يا أحلى لغة؟ هكذا يشكل العجز عن التعبير في غياب الأحبة شعوراً فريداً، بأن الغائب أكثر حضوراً وأنّ غيابه يعاني مأزق إثبات أمام سوح الحضور وثباته... فإذا الغياب كابوس وإذا الرحيل شعور كاذب يستعصي على التصديق، وإذا بنا أمام كلّ هذا التخبّط حيارى... ذاهلين.. وحده الهذيان... انفعال اللحظة الأولى ووحدها اللغة الخرساء العاجزة.. تعبيرٌ بليغ عن واقع الحال... ووحدها ندى سنبلة زاد التماع نُضارها وهي تنحني أمام أشعة شمس المغيب.

وندى.. أم حبيب شقيقة الأحبة... وشريكة المقاومين في أفراحهم وفي صياغة نصوص انتصاراتهم.. أبكتنا جميعاً... بكى فيها الزملاء قبل الزميلات.. أختاً فاضلة.. خسرتها الفضائل معنى لتجسيد متحرك فاعلٍ... حي.
أما نحن زميلاتها فقد بكيناها إضافة إلى ما سبق قولها قلباً كبيراً وبسمة حانية.. وصديقة تغمر بالفرح كلّ لقاء كان يجمعنا..
في ندى بكينا الشقيقة وصدق الصديقة.. بكينا في ندى الأنوثة الشجاعة التي كنا نفتخر بأنّنا منها وأنّها منّا.
كيف لا نبكيها وهي التي رفضت مغادرة عملها في عدوان نيسان، وقالت لمن ناقشها في ضرورة مغادرة الإذاعة للبقاء إلى جانب أطفالها. لأولادي رب يحميهم وهو حاضر إلى جانبهم وإلى جانبي في كل مكان...
وعندما أطلّت في إحدى أمسيات الغضب الإسرائيلي الحاقد عبر شاشة المنار علّقت إحدى السيدات: إنّها والله ... أخت الرجال ولو لم تكن كذلك لما وقفت في مكان يغادره حتّى الرجال في ظروف مماثلة... وأخت الرجال هذه.. كانت زوجة فاضلة وأماً رائعة وكانت ترعى في أسرتها حقوق الله وحقوق مملكتها لطالما غادرت دفء منزلها إلى صقبع مهمة إعلامية عاجلة تدفأت بحماسة في أدائها.. ولطالما عاتبناها في ذلك وسألناها.. كيف تربين أطفالك؟ كيف تستطيعين القيام بشؤونهم؟ وكان الجواب صادقاً حكيماً رائعاً متهادياً عبر نبرات صوتها الإذاعي الأثير.. "وهل أنا من يربي؟ إنّ الله هو مربيهم وهو كافلهم..".

ويروي المقربون منها أنّها في غمرة انهماكها بين الإذاعة والتلفزيون ما كانت تتوانى بحجة الإرهاق عن متابعة شؤون أطفالها البسيطة والكبيرة على السواء، وما كانت تعتمد في أبسط واجباتهم المدرسية أو أصعبها على أحد. كانت تحارب إرهاقها وتعبها بمزيد من الإرهاق والتعب كانت ترفض أن تكلف ابنتها الكبيرة أو ابنها بما تستطيعه هي.. كانت نعم الزوجة ونِعم الأم...

واليوم وبعد غياب ندى.. يعجزنا السؤال..
أي فراغ تركت في أسرتيْها.. في أسرتها الصغيرة وفي أسرتها الإعلامية الكبيرة.. نوقن أن ندى مفردة.. وما لندى اثنتان.. كانت تسعى لاختصار الكون بخطوتين... واختزال العمر بلفْتَتَيْن .. بفطرتَيْن واحدة إلى الله في عباده... وأخرى إلى المقاومة في تلالها... ونشهد عاماً التي أمضتها على وجه البسيطة تعادل في زمن الانجازات العظيمة ستاً وستين سنة.. هو عمر بعمرين وزمن بزمنين لذلك يكرر القول نفسه ولكن.. ما لندى اثنتان.. وما لحزننا نهاية قريبة.. وعزاؤنا أنّنا لن ننساكِ ستبقى ذكراكِ بيننا.. لطيفة كنسمة ربيعية.. ستبقى في القلب مزيجاً رائعاً.. للون الدفى وعطر الخزامى.. وشموخ أعلى نخلة عربية. يا أروع قصيدة أنشدت فرح انتصارات مقاومة كانت وستبقى نُضاراً للسنابل.. نشيداً للحياة.. قرآناً للعقيدة.. أذاناً للزمان.. حيّ على المقاومة.. مع زهرة المقاومة.. مع عطرها الفواح.. معك يا .. ندى.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع