ومضيت سيد هادي – لتتركنا نتوغل في متاهات الحياة – مضيت كما تمضي الطيور المهاجرة بحثاً عن الحياة السرمدية، مضيت كما اللحن الرقيق يوقظ المشاعر ويحيي الأحاسيس كنسيمٍ لطيفٍ عطّر الكون بشذى الورود بل كشعاعٍ وليدٍ عرف هدف الوجود فأضاء غياهب الكون ثمّ اندثر – بعد أن استقرّ مخلّداً في النفوس – سيدي – ها قد أينعت الثمار وحان القطاف فمضيت لتوهج نفوسنا وتذكرنا بآخرتنا... وأصيح هناك على الجبل الرفيع – أود أن تحاكيني السماء عن بسالتك وتتغنّى القمم بأحد الفوارس الذي أقدم نحو الموت بإرادة لا تضعف واجه منيته بقلب صلب – التمس الطرقات ها هنا مررت يا شهيد دست بوطئة قدمك الأرض الصامدة – دستها بعزم وثقة وأقطف شقائق الحمراء الخجلة. أكيد أنّك لامستها بأطراف أناملك وعطرتها بشذى عبيرك ثمّ أتقدم نحو الأشجار أسألها عن بأسك لا بدّ أنّ أغصانها تعلّقت ببدلتك تود التبارك منها – ومضت نحو عرسك سيدي – الحجارة خاطت ثوبك الأبيض والتراب احتضن قطرات دمك – لقد قتلوك وانشطر الفؤاد رغم أنّ حادثة استشهادكم أمست عيداً. لقد حوّلها أباكم القدوة إلى يوم زغاريد وتقبّل للتهاني – كلنا اعتبرناها عيد لكن قلوبنا خذلتنا فانكسرت – أرواحنا تمردت فتحطمت والدموع خانتنا فانهمرت كلّ العواطف ثارت فانثلجت – رغم ذلك سيدي – صدقني أنّك لم تمت أنت حيّ ها هنا في نفوسنا – لقد تأصلت في عقولنا – أمسيت قريباً قريب – أيّها الشهيد أخبرنا عن لذة الشهادة- عن كرامة الأسر – عن شعور مجاهد حين تخترق رصاصات غابرة جسده- أخبرنا عن لقائك جدك الحسين وأصحابه – هيا سيدي أخبرنا – نحن توّاقون لمساع رنّة صوتك – مشتاقون لأخبارك لا تقاطعنا – بالله عليك – فمرارة الفراق ستكوينا – قسوة البعاد قد تمزّقنا – امضِ سيد هادي امضِ إلى فلسطين وغداً بإذن الله ستعود إلى جنوبك الأبي فأرض عامل تطالب بضمك، ترابها مشتاق لشمّ رائحتك الأزهار توّاقة أن توضع على قبرك وأيادينا تنادي للمس نعشك. سيدي لن نكفف الدموع سنبقيها شاهدة علينا حتّى إذا ما زلّت أقدامنا عن الصراط المستقيم والطريق السوي وإذا ما تعلّقت نفوسنا الضعيفة ولو للحظات بحبال الدنيا الواهية كي نتحسس آثار الدموع فنجدها ونعود إلى رحاب التوبة. صدقنا يا هادي أنّه رغم صغر سنك أمسيت شعلة ضياء يستمد منها الشباب الصاعد قوة الموقف وجرأة التحدي.
أخوك في الجهاد مصطفى