مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

حصون الإسلام: الشيخ المفيد قدس سره


السيد محمد مقدسي


أبو عبد الله محمد بن محمد النعمان الحارثي البغدادي ولد سنة 336 ه وتوفي سنة 413 ه.
هو شيخ مشايخ الطائفة ولسان الإمامية ورئيس الكلام والفقه والجدل.
كان أوحد في جميع فنون العلم، أصولاً وفقهاً وأخباراً ومعرفة بالرجال والقرآن والتفسير والنحو والشعر.
ترجم له تلميذه الشيخ الطوسي قدس سره فقال: "من جلّة متكلّمي الإمامية انتهت رئاسة الإمامية في وقته إليه، وكان مقدّماً في العلم وصنعة الكلام وكان فقيهاً متقدّماً فيه، حسن الخاطر دقيق الفطنة حاضر الجواب".
كان الشيخ المفيد قدس سره بحراً زاخراً في المعارف والعلوم.

وكان يناظر أهل كلّ عقيدة بأدلّة من عقيدتهم فقد حفظ كتب المخالفين وردّ على شبهاتهم وهو رضي الله عنه قوي النفس، كثير المعروف والصدقة، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصيام، يلبس الخشن من الثياب. مديماً للمطالعة والفكر. وكان من أحفاظ الناس، وكان قدس سره حريصاً على تعليم التلاميذ.
فقد كان يدور على المكاتب وحوانيت الحاكمة فيلمح الصبيّ الفطن فيذهب إلى أبيه حتّى يستأجره ثمّ يُعلّمه.
وإذا أشكل عليه أمر، فزع إلى الصلاة ثمّ سأل الله حلّه، فيتسير له ويُحلّ.
وله عظمة وجلالة في الدولة البويهية فلربّما زاره عضد الدولة، ويقول له: إشفع تُشفع.

ومن أبرز صفاته النفسية قدس سره الكثيرة:
التقشف والخشوع، وهو ربعة، نحيف، أسمر.
وترجم له العلاّمة الحلي قدس سره فقال: "من أجلّ مشايخ الشعية ورئيسهم وأستاذهم وكلّ من تأخّر عنه استفاد منه، وفضله أشهر من أن يوصف".
العصر الذي عاش فيه الشيخ قدس سره: عاش الشيخ المفيد قدس سره في عصر حفل بشتى المذاهب والفرق الكلامية منها والفقهية، وفي بيئة جمعت مختلف العلماء والمفكّرين، تمتلئ بحرية البحث واصطراع الفكر والرأي.
ولما كان الشيخ رضي الله عنه بارعاً في الكلام والجدل فقد أذعن منازعوه ومجادلوه لقوة برهانه ودليله، وكان له مجلس نظر بداره يحضره العلماء كافة من سائر الطوائف وقد مكّنه من ذلك ما حظي به من الجلال والعظمة في الدولة البويهيّة.

* مصنّفات الشيخ قدس سره:
اشتهرت مصنّفات الشيخ في أوساط العلماء وانتشرت بين الناس. ولذلك ولإقبالهم عليها عُمِلَ لها فهرس. واعتمد عليه النجاشي في سرد مؤلفات الشيخ قدس سره عندما ترجم له.
وله قدس سره مئتا مصنّف، كثير فيها في الكلام والجدل والمناظرة، ثمّ في الفقه ثمّ في غيرها من العلوم.
ومنها في الكلام:
1- العيون والمحاسن.
2- أوائل المقالات في المذاهب والمختارات.
3- تصحيح الإعتقاد.
4- المجالس المحفوظة في علم الكلام.
وفي علوم القرآن:
1- الكلام في وجوه إعجاز القرآن.
2- البيان في تأليف القرآن.
3- الكلام في دلائل القرآن.

* آية الله العظمى القائد الخامنئي يتحدث عن الشيخ المفيد قدس سره:
في الذكرى الألفية للشيخ المفيد قدس سره قدّم سماحة ولي أمر المسلمين والمرجع آية الله العظمى السيد علي الخامنئي (حفظه الله) بحثاً حول الشيخ المفيد قدس سره للمؤتمر الذي عقد في ذكراه تلك.
يبدأ السيد القائد (حماه الله) بحثه بالقول بأنّ العين البصيرة في وقت رحيل الشيخ المفيد قدس سره كانت قادرة أن ترى بوضوح أنّ موت هذا الرائد الكبير لا يمكن أن يكون نهاية مسيرة خمسين سنة من العطاء، تفجّر خلالها ينبوع دفّاق من العلم والمعرفة والأخلاق والحكمة في عالم الفكر والأخلاق والحكمة في عالم الفكر البشري. وأنّ الإرادة الإلهيّة وسنن التاريخ قد ضمنت خلود هذا التدفّق عبر الأجيال والعصور حتّى يبلغ مصبّه في بحر الكمال البشري النهائي.

ويقول سماحته (رعاه الله) إنّ الشيخ قدس سره في سلسلة علماء الإمامية لم يكن متكلّماً وفقيهاً متفوّقاً فحسب، بل أكثر من ذلك، فهو مؤسّس حركة علمية متكاملة في فرعي الكلم والفقه، ومتواصلة حتى اليوم في حوزات الشيعة العلمية وبجهوده أصبحت بغداد – في زمانه – مركزاً أصلياً لعلوم الشيعة ومعارفهم. وكعبة لطلاّب العلم.
ويتابع السيد القائد (سدّده الله): "ومما خلقه الشيخ الكبير من آثار علمية ومن سائر القرائن يتضح أنّ المفيد كان مجمعاً التقت فيه بشكل مدهش كلّ الخصائص التي عرف بها رجال الشيعة حتّى ذلك الزمان. فقد كان كلّ واحدٍ من أولئك الرجال مشعلاً ينير درب واحد من معارف أهل البيت عليهم السلام، لكن المفيد كان الثريّا التي جمعت كلّ تلك الأنجم الزاهرة، وهذا ما لم نجده في أيّة شخصية علمية شيعيّة قبله.
وفي تفرّده يكفي أن يشهد بحقّه ابن النديم أنّه كان قبل الرابعة والأربعين من عمره شيخ كلّ الشيعة في الفقه والكلام والحديث؟ ويخلص الإمام الخامنئي (حفظه الله) إلى أنّ المفيد اجتمعت فيه علوم السابقين متكاملة. وأنّه يعتبر حقاّ مؤسّس الحوزات العلمية الشيعية بشكلها الذي تواصل بعده لعدّة قرون.

ويذكر سماحته أنّ لشخصية المفيد العلمية ثلاثة أبعاد. أو الأدوار التي قام بها في المجال العلمي ثلاثة:
1- التركيز على الهويّة المستقلّة لمدرسة أهل البيت عليهم السلام.
2- تأسيس الإطار العلمي الصحيح لفقه الشيعة.
3- إبداع الأسلوب الجمع المنطقي بين العقل والنقل في الفقه والكلام.

ففي الدور الأول كان هناك خطر على حدود وكيان مدرسة التشيع أن يُلثم منها شيء أو تُحمّل شيئاً ليس منها بعد الغيبة الكبرى للإمام الحجّة المنتظر عجل الله فرجه الشريف. من هنا تتضح أهمية دور الشيخ المفيد في تعيين حدود مدرسة أهل البيت عليهم السلام وخصائصها المميّزة وقد نهض بهذه المهمّة الصعبة والحساسة وكان قدس سره على مستوى أداء هذه المسؤولية الكبرى.
ولتحقيق هذا الهدف أنجز الشيخ قدس سره مجموعة من الأعمال العلمية، ففي الفقه صنّف (المقنعة) وهو مزيج من استخدام الأدلة اللفظية والقواعد الأصولية وفيه نهج الصراط المستقيم في الاستنباط الفقهي، وكذلك صنّف (التذكرة بأصول الفقه) وقد جمع فيه لأوّل مرّة قواعد الاستنباط الفقهي وأفتى على أساسها.

وكذلك كان للشيخ قدس سره في مجال تثبيت الهويّة المستقلّة للتشيّع على صعيد علم الكلام نشاط أوسع وأهم. فقد تصدّى قدس سره بدقّة وذكاء إلى بيان الفاصل بين عقائد الشيعة وسائر النحل الكلامية، والحيلولة دون ورود عناصر من معتقدات الفرق الإسلامية أو الشيعية إلى دائرة عقائد الإمامية، ودون نسبة أفكار خاطئة لا أصل لها بالشيعة الإمامية إلى مدرسة التشيّع. فصنّف (أوائل المقالات في المذاهب والمختارات).
إنّه الرجل النابغة الكبير في تأريخ التشيّع الذي ركّز الهوية المستقلّة لمدرسة أهل البيت عليهم السلام.
وفي الدور الثاني فقد أبدع إطاراً علمياً من خلال تأليف مصنّف في الأصول وغيره للاستنباط الفقهي.

وفي الدور الثالث فتح الشيخ الكبير قدس سره طريقاً جديداً بين الاتجاه العقلي المطلق للمعتزلة وبين الاتجاه الحديثي عند الشيخ الصدوق رضي الله عنه الذي كانت ردّة فعله أمام اتجاه المعتزلة إن أراد أن يُفهم كلّ المعارف الكلامية والإعتقادية عبر الحديث.
إنّ الجمع بين الحجّة العقلية والدليل النقلي في المنهج الكلامي للشيخ المفيد (قدس) من أبرز أعماله الكبير والمبتكرة.
ويذكر سماحة القائد (حفظه الله) أنّ ما قام به هذا النابغة الكبير من جهاد علمي كبير كان في ظروف صعبة ومظلوميّة عاشتها الشيعة في ذلك الزمان.
(انتهى كلام سماحة القائد "حفظه الله")
نسأل الله أن يوفّق علماءنا لمتابعة طريق هذا النابغة العظيم، وأن ينزل عليه رحمته كلّما استفاد من تراثه الكبير مستفيد.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع