نسرين نصر(*)
هي شعور طبيعيّ أودعه الله تعالى داخل كلّ فرد منّا لتكون سبباً للحبّ والوئام والاهتمام تحت سقف كلّ بيت، ولكنّها قد تتحوّل إلى كابوس يُعكّر صفو الأسرة، عندما تتمثّل على هيئة تخيّلات ومراقبة لأيّ كلمة أو تصرّف أو تحرّك.
إنّها ببساطة الغيرة، التي قد تكون نعمة أو نقمة إن لم يُحسن الزوجان توظيفها واستثمارها بالشكل والغرض المناسبَين، الذي وُجدت من أجله.
•الغيرة شعور طبيعيّ
الشعور بالغيرة في حدّ ذاته هو أمر طبيعيّ يتوافق مع طبيعة الإنسان وحاجته إلى الأمان؛ فكما يحتاج الزوجان إلى الشعور بالأمان عبر الاحتضان والكلام العاطفيّ فإنّ كلّ واحد منهما يحتاج إلى أن يشعر أنّه يحظى بمشاعر الآخر، وأنّه يمثّل الجزء الأكبر من اهتمامه وحياته، هذا فضلاً عن حاجتهما إلى الشعور بغيرة الزوج/ الزوجة، وما يعنيه ذلك من حبّ واهتمام. وفي المقابل، إنّ نقص الغيرة دلالة على عدم الاهتمام بالطرف الآخر، وبالتالي، عدم الانجذاب نحوه.
•منشأ الغيرة
قبل أن نتعرّف إلى حدود الغيرة المطلوبة من عدمها، يجب أن نشير إلى منشأ الغيرة بين الزوجَين، وهي ذات مصدرين: ذاتيّ وخارجيّ.
1- المصدر الذاتيّ
أ- حاجة طبيعيّة: تتحدّث النصوص الدينيّة عن هذه الغيرة وتصفها كشيء مقبول، بل ومطلوب، وقد ورد ذمّ الرجل غير الغيور؛ لأنّ ذلك لا يتوافق مع طبيعته التي تسعى للحفاظ على عرضه، مضافاً إلى تعزيز التعاليم الدينيّة. هذه الغيرة من باب الحماية والاهتمام، تُلزم المرأة بالستر سواء باللباس أو بالكلام أو بالتصرّفات، تلبيةً لحاجتها إلى الستر والحماية، وتأتي غيرةُ الرجل على زوجته -في حال أظهرت تهاوناً في بعض هذه الموارد- متناسبةً مع طبيعته.
ب- عقدة الدونيّة: هي شعور الشخص بالتقصير تُجاه الزوج/ الزوجة. والشخص الذي يعاني من هذا الشعور، يعيش في حالة من كره الذات لانعدام ثقته بنفسه، وعدم قناعته بأنّه يستحقّ أن يكون في علاقة عاطفيّة جيّدة مع زوج/ زوجة يحبّه ويحترمه، ممّا يدفعه للتصرّف معه بشكل تملّكيّ.
ج- الاضطرابات النفسيّة: هي التي تدفع الشخص ليفسّر ويحلّل الأحداث التي تحصل في حياته على أنّها موجّهة ضدّه، وأنّه ضحيّة غدر الناس، ويعتبر أنّ الجميع سيتخلّى عنه؛ لذا يفرط في الغيرة للحفاظ على الشريك.
د- التجارب السيّئة للفرد: كثُر ممّن يشعرون بالغيرة المرَضيّة هم الأشخاص الذين تعرّضوا بالفعل إلى خيانة معيّنة، وقد لا يستطيعون التخلّص من عقدة الخيانة هذه، فيصبح أيّ تصرّف من الشريك، مهما كان عاديّاً وطبيعيّاً، مدعاةً إلى الشكّ والغيرة والريبة.
هـ- عدم وعي بخصوصيّة الشريك وحاجاته: مثلاً، قد ترى الزوجة أنّ التعامل مع زوجها بشكل ضاغط ومراقب هو السبيل الوحيد لتحافظ عليه، في حين يرى الرجل أنّ وضع قيود كثيرة على زوجته هو الضمان لوفائها.
2- المصادر الخارجيّة
أمّا المصادر الخارجيّة فهي مرتبطة بعوامل عدّة، منها:
أ- وسائل التواصل الاجتماعيّ، والأفكار الهدّامة للحياة الزوجيّة التي تُبثّ عبر وسائل الإعلام كافّة.
ب- الاختلاط في الحياة الاجتماعيّة دون ضوابط، الأمر الذي يزيد من المواقف التي تسبّب الغيرة.
ج- سلوكات الزوج/ الزوجة، مثل قضاء وقت طويل على وسائل التواصل الاجتماعيّ، والاهتمام المبالغ به بالأناقة والهندام، مضافاً إلى فقدان الشغف بالزوج/ بالزوجة وإهماله، والانغماس في الحياة الشخصيّة على حساب الحياة الزوجيّة...
•البحث عن السبب والحلّ
قد يُطرح سؤال: كيف يجب التعاطي مع الشريك إذا كان يمارس تصرّفات مريبة؟ والجواب هنا مرتبط بكلّ حالة على حدة، ولكن يمكن تقديم بعض النصائح في هذا المجال:
1- على الشريك أن لا يتعامل مع هذه السلوكات على أنّها مرتبطة بتغيّر المشاعر نحو الطرف الآخر، بل قد تكون نتيجة عوامل أخرى، مثل ضغوطات العمل، أو مشكلات نفسيّة أو نزاعات ناتجة عن حوادث تعرّض لها.
2- الأفضل في هذه الحالة أن يتمّ تجاهل هذه السلوكات لفترة وجيزة، فقد تختفي وحدها.
3- في حال استمرارها، على أحد الزوجين أن يصارح الطرف الآخر بشكل هادئ بانزعاجه من هذه السلوكات، والرغبة في معرفة أسبابها.
4- التعاطي مع ما يقوله الزوج/ الزوجة على أنّه الحقيقة.
5- عدم الانقياد وراء المخيّلة، التي قد تكون بمثابة الغذاء الذي تعيش عليه الأفكار السلبيّة.
•كوحش كاسر
إنّ المبالغة في الغيرة تجعل منها وحشاً كاسراً، يضخّم الواقع عشرات، بل مئات المرّات، ممّا يؤدّي إلى عدد من السلوكات السيّئة التي قد تؤذي علاقتك بزوجك/ بزوجتك، مثل:
1- التجسّس على هاتف الزوج/ الزوجة، أو البريد الإلكترونيّ من دون إذن.
2- إهانة الزوج/ الزوجة بالكلام أو الأفعال.
3- اتّهامه أنّه لم يعد منجذباً إليك.
4- استجواب الزوج/ الزوجة، واتّهامه بالكذب من دون أيّ دليل على كلامك.
5- مراقبته عبر الأصدقاء بشكل دائم.
6- استياء الزوج/ الزوجة وانعدام الثقة بين الزوجين.
7- الغضب الشديد والصراخ الدائم.
8- الرغبة في الانتقام.
9- التوتّر والخوف عند الشخص الغيور، واكتئاب الطرف المقابل.
•نصائح لتبديد المخاوف من الغيرة
1- للزوجة: إن أظهر زوجك غيرته من زملاء عملك مثلاً، فحاولي التأكيد له دوماً أنّهم مجرّد زملاء، ولا تبالغي في وصف سلوكاتهم وأخلاقهم أو حتّى جدارتهم المهنيّة.
2- للزوج: إن أظهرت زوجتك انزعاجها من عدم ردّك على الهاتف أثناء تغيّبك عن المنزل، فلا تحاول تسخيف مطلبها، بل تفهّم غيرتها، وحاول إرسال رسائل لها بين فترة وأخرى تعبّر بها عن حبّك لها.
3- للزوجين: إن أظهر الزوج/ الزوجة انزعاجه من استخدامك لوسائل التواصل الاجتماعيّ، فلا تحاول التشكيك في تحضّره واتّهامه بالرجعيّة، بل استفسر عمّا يزعجه تحديداً، وحاول التوصّل إلى حلّ يرضيكما معاً.
4- للزوجين: إن أظهر الزوج/ الزوجة انزعاجه من مزاحك مثلاً، خلال الاجتماعات العائليّة، فيجب الالتفات إلى هذه المسألة، خصوصاً من باب مراعاة الحدود الشرعيّة.
5- للزوجين: إن أظهر الزوج/ الزوجة انزعاجه من سلوك معيّن، فالحلّ ليس بالانفعال بغية الدفاع عن النفس، بل يجب تقييم هذا السلوك، ومحاولة فهم سبب شعوره بالانزعاج لنتمكّن من الحلّ.
•النقاش بين الزوجين
من المهمّ جدّاً اللّجوء إلى مناقشة سبب الغيرة وشكوكها مع الشريك؛ لأنّ ذلك يضع النقاط على الحروف، ويوضح ما كان غامضاً؛ فالغيرة إن وصلت إلى ذروتها، ستؤجّج الخلاف مع الشريك، وما يستتبع ذلك من تدمير العلاقة الزوجيّة، نتيجة موت المشاعر التي يكنّها الزوج لزوجه. ويجب أن لا ننسى أنّ الإسلام وضع معياراً أساسيّاً لصحّة أيّ علاقة، وهي حُسن الظنّ والثقة بالطرف الآخر، وكلّما كانت هذه الثقة موجودة ومعزّزة بين الطرفين، أصبحت حياتهما عامرة بالمودّة والرحمة والسعادة والاطمئنان.
•الثقة بالآخر
وفي الختام، نوجّه رسالة حبّ للمرأة: يجب أن تسعدي وتطمئنّي لغيرة الرجل عليك، لأنّ ذلك دليل واضح على تمسّكه بك وحبّه لك، وحرصه على الاستئثار بقلبك، ولا تفسّريها على أنّها انتقاص منك، بل حاولي دوماً التحدّث عن إيجابيّته وعن شغفك به. وأنت أيّها الزوج، هنيئاً لك بغيرة زوجتك عليك؛ لأنّ ذلك يعني أنّك الجزء الأهمّ من حياتها، وحاول طمأنتها إن أظهرت أيّ قلق تُجاه أيّ سلوك، بدلاً من مواجهة غيرتها بعنف أو بسلبيّة.
ولا تنجرفوا أيّها الأزواج إلى دهاليز الغيرة المدمّرة، وتمسّكوا بثقتكم بالشريك عبر الثقة بأنفسكم والاهتمام بها.