كان الإمام روح الله الموسويّ الخمينيّ قدس سره ومن صميم روحه إنساناً طالباً للتحوّل، وصانعاً له أيضاً. لم يكن دورُه مجرّد معلّم وأستاذ ومدرّس، بل كان مسؤولاً في ميدان العمليّات وقائداً بالمعنى الحقيقيّ. لقد صنع أكبر التحوّلات في عصره وزمانه في المجالات المتعدّدة، وفي الساحات المتنوّعة والكثيرة. ومن هذه التحوّلات:
1- التحوّل الروحيّ والمعنويّ: عندما كان الإمام يتكلّم في جلسات دروسه حول الفقه والأصول، كان يُحدث ثورةً في القلوب؛ أي أنّ سماحته حتّى في تلك الدروس، كان يلقي مباحث أخلاقيّة في مناسبات مختلفة، وكان الطلاب يبكون بكاءً شديداً. كان بيانه مؤثّراً بهذا الشكل، وكان يُحدث ثورةً روحيّة. هذا هو أسلوب الأنبياء عليهم السلام؛ فقد بدأ الأنبياء جميع حركاتهم بالثورة الروحيّة في الأفراد. فما يقوله أمير المؤمنين عليه السلام: "لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ، وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ... وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ"(1)، هو هذا الأمر. "لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ"؛ أي أنّه كان يوقظ الفطرة الإنسانيّة الخفيّة فيهم، ويدفعهم إلى الحركة، وهداية أعمال البشر وأفعالهم.
2- التحوّل من الخضوع إلى روحيّة المطالبة: كان الشعب الإيرانيّ شعباً لا علاقة له أبداً بالقضايا الأساسيّة لمصيره. كان الناس خاضعين، وخاملين، ولا إرادة ولا تأثير لهم في حياتهم الشخصيّة. لقد حوّل الإمام قدس سره هذا الشعب الساكن الخاضع إلى شعب مُطالب؛ تلك الخطابات الحماسيّة والعاصفة للإمام، وكلماته ذات البيان الهادر، هزّت الشعب لدرجة أنّه أصبح شعباً مُطالباً.
3- التحوّل في نظرة الناس: كان لدى الشعب الإيرانيّ نظرة احتقار لنفسه وشعور بالدونيّة؛ أي إنّه لم يكن ليخطر في ذهن أحد أبداً، أن يتمكّن هذا الشعب من التغلّب على إرادة القوى العظمى ومشيئتها. فبدّل الإمام قدس سره هذا إلى شعور بالعزّة، والثقة بالنفس؛ لقد حوّلهم إلى أناس يحدّدون نوع نظام حكمهم بأنفسهم.
4- التحوّل في نوع مطالبات الناس: بدّل الإمام قدس سره مطالبات الناس؛ من تعبيد هذا الطريق في هذا الحيّ، أو تخطيط هذا الشارع بهذا الشكل مثلاً، إلى المطالبة بالاستقلال والحريّة؛ أي بالمُثل العليا العظيمة؛ فأصبحت أهدافاً رئيسة وعظيمة وإنسانيّة وعالميّة.
5- التحوّل في نظرة الناس إلى الدين: كان الناس يرون الدين وسيلة فقط للأمور الشخصيّة، والمسائل العباديّة، والأحوال الشخصيّة، ولمسائل الصلاة والصوم، أو الواجبات الماليّة والزواج والطلاق. ولكنّ الإمام قدس سره بيّن الدين كرسالة بناء النظام والحضارة والمجتمع والإنسان.
6- التحوّل في النظرة إلى المستقبل وبناء حضارة إسلاميّة: لم يكن الناس يملكون أفقاً ومستقبلاً واضحاً أمام أعينهم، فتبدّل هذا إلى أفق بناء حضارة إسلاميّة جديدة. فاليوم، يسعى الناس إلى بناء حضارة إسلاميّة جديدة وتشكيلها، وإلى بناء اتّحاد إسلاميّ عظيم، وتأسيس الأمّة الإسلاميّة.
7- التحوّل في المباني المعرفيّة التطبيقيّة: أدخل الإمام قدس سره الفقه في مجال بناء النظام، بعدما كان بعيداً عن هذه المسائل. بالطبع، كانت قضيّة ولاية الفقيه موجودة وتُطرح بين الفقهاء منذ ألف سنة، ولكن بما أنّه لم يكن ثمّة أمل في أن تتحقّق هذه الولاية، لم يتمّ التعرّض أبداً إلى تفاصيلها. ولكنّ الإمام قدس سره أدخل هذا الأمر في المسائل الأصليّة والفقهيّة.
8- التأكيد على التعبّد: كان الإمام قدس سره عالم دين مجدِّداً، وفي الوقت نفسه، كان ملتزماً بالتعبّد بكلّ قوّة وشدّة. لذلك وقف الإمام قدس سره بقوّة مع وجود تلك الرؤية التجديديّة للمسائل الفقهيّة، والقضايا الإسلاميّة والدينيّة.
9- التحوّل في النظرة إلى جيل الشباب: كانت لدى الإمام قدس سره ثقة عجيبة بالشباب الذين كانوا موضع رضاه واعتماده. لذلك كان يُوكِلُ إليهم الأعمال في ميادين شتّى، ويثق بتفكيرهم وعملهم؛ لأنّهم ذخر للبلد وثروة له.
10- التحوّل في النظرة إلى القوى العالميّة: في ذلك الوقت، لم يكن أحد يتخيّل أنّه يمكن مخالفة كلام أمريكا، والقيام بحركة معارضة لإرادتها. ما قام به الإمام قدس سره، دفع الرؤساء الأمريكيّين أنفسهم إلى القول: "إنّ الخمينيّ أذلّنا". لقد أثبت الإمام قدس سره أنّه يمكن توجيه الضربات إلى القوى العظمى وهزيمتها.
11- النظرة الإلهيّة والتوحيديّة: مع العلم أنّ الإمام قدس سره قام بتلك التحوّلات كلّها بنفسه، وكانت يده في هذا العمل، ولكنّه كان يعدّ هذه الأعمال والإنجازات من الله، ولم ينسبها إليه. وكان يقول إنّ التحوّل الذي حدث في روحيّة الشباب، أهمّ من الانتصار على نظام الطاغوت؛ لأنّ هذا التحوّل الذي حدث عند الشباب هو انتصار على الشيطان، والشيطان أقوى من الطاغوت.
(*) من كلمة الإمام الخامنئيّ دام ظله في ذكرى رحيل الإمام الخمينيّ قدس سره، تاريخ 3/6/2020م.
1.نهج البلاغة، الخطبة (1).