نهى عبد الله
"حاجّ، هل أنت متأكّد؟!". سأل ساجدٌ قائده، فأجاب: "لو كنت متأكّداً لما طلبت منك التحقُّق". تدارك ساجد: "أقصد: هل علينا التحقُّق فعلاً؟ أنت تعرفه، هو من أفضل الشباب وأكثرهم مبادرةً وإيثاراً". هزّ القائد رأسه موافقاً، لكنّه أكّد طلبه: "على الرغم من ذلك، علينا التحقُّق، عليك أن تعلم أين يختفي محمّدٌ فجأة. نحن في جبهة والاحتمالات كلّها مفتوحة".
في المساء، حانت ساعة تبديل الحراسة بعد الصلاة، حضر محمّد من مناوبته مُجْهَداً، إلّا أنّ ابتسامته تعجز عن مفارقته، ومن فوره طلب من قائده أن يأذن له بالمناوبة التالية بعد ساعتين فقط، لكنّ قائده لم يأذن له: "خذ نصيبك من الراحة، أتيت لتوّك". حاول محمّد إقناعه، لكنّ محاولاته لم تفلح. كان ساجد يراقب من بعيد، ويأمل أن يجد جواباً يُطمئِن قلبه، فذهب حيث محمّد، فلم يجده في مضجعه، فتّش عنه عبثاً، حاول سؤال الإخوة، فقال له أحدهم إنّه كأنّما لمح شابّاً بهيئة محمّد يذهب من الجهة الخلفيّة وبيده جعبة. اجتاحت الأسئلة رأس ساجد، وبدأت تنهش فكره: "لا، لا يُعقَل، عليّ التأكُّد". ركض إلى حيث أشار إليه أحد الإخوة، ثمّة طريق وَعِر عليه أن يسلكه، وغصون أشجار متشابكة، أين سيجده؟ حينها سمع همساً حزيناً يتناهى إليه، تبع الهمس، وبدأ يتّضح الصوت أكثر، اكتشف ثغرةً أسفل الجبل تشبه مغارة صغيرة، لا ضوء، الصوت فقط يسكنها، كأنّه صوت محمّد يتمتم بخشوع: "مولاي يا مولاي، حتّى متى وإلى متى أقول لك العتبى مرّةً بعد أخرى.. ثمّ لا تجدُ عندي صدقاً ولا وفاءً...". وتذكّر أنّ محمّداً لا يختفي إلّا في ساعات الليل المتأخّرة، وكان يقول له مراراً إنّه تعلّم في الجبهة سرّاً عظيماً... أُنس الخلوة مع الله.