مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شباب: ليلة التعرّف إلى الله


حسين عمّار

 

عشرون عاماً، قد تستغرقك وأنت ترى ليلة القدر ليلةً واحدةً، من غروب الثامن عشر إلى فجر الثالث والعشرين، تراها طوق نجاتك الأخير.. عشرون عاماً، تستهويك في لياليها الزوايا والظلال وأسطح المجمّعات ومواقف السيّارات المفروشة بالحصر. لكن متى الدخول إليها؟

•عزيمة وتوفيق
العبادة كممارسة الرياضة، تحتاج إلى لياقةٍ وقدرة تحمّل، فمن اعتاد الجلوس في المسجد أو على مصلّاه ليقرأ دعاءً طويلاً، لن يعاني في ليلة القدر. لذا، فإنّ الإحياء الشاقّ أو الطويل من هذا القبيل يحتاج إلى عزيمةٍ خاصّةٍ وتوفيقٍ من الله.

الورع هاجس الأتقياء، أولى مقدّماته أن يبقى فعل الواجب واجتناب المحرّم هاجساً يشغل البال، وكذلك الأمر بالنسبة إلى إحياء ليلة القدر، فمن حلّ عليه الليل وهو مستسلمٌ لراحته ورفاهيّته، يكون قد خسر المعركة مُسبقاً، أمّا من يحمل همّ العبادة والتقرّب في هذه الليلة، فيكون قد أحرز نصف الطريق، وهو النصف الأهمّ. وهذا بالضبط ما يعنيه "حسن الأدب" في العلاقة مع الله سبحانه وتعالى.

ليلة القدر موعدٌ استثنائيٌّ ومهمٌّ للجميع، سواءٌ العاصي أم التقيّ. فلا الأول غنيٌّ عنها للتوبة، ولا الآخر أدرك حقيقة التقوى، إن لم يُقبِل عليها إقبال الصائم الجائع على وجبة إفطاره.

•ليلة القدر في حالاتٍ مختلفة
عشرون عاماً، قد تستغرقك وأنت ترى ليلة القدر في حالاتٍ مختلفة؛ فمرّةً قد تحييها فزعاً مرتعباً، لا شيء في بالك خلال الدعاء والصلاة، إلّا أن يُصفَحَ عنك ما ارتكبته خلال ذلك العام، فقد تحمل حملاً ثقيلاً حدّ اليأس، وقد تُحدّثك نفسك بالهروب، ليس مهمّاً إلى أين، المهمّ أن تهرب من المسجد. قد تحدّثك نفسك بأنّك غير لائقٍ بدخول محضر الله، وأنّ ذنباً تحمله سيلوّث جوّ الإحياء الربّانيّ في المسجد. لكن، إن استدركت نفسك وتركتها سابحةً مع بداية دعاء الجوشن مثلاً، سترى نفسك بين يدي: "يا حبيب من لا حبيب له، يا طبيب من لا طبيب له..."، ستشعر كم هو مكانٌ خاصّ، وأنّها لحظات خاصّة لن يناسبك مكانٌ آخر لتكون فيه هذه الليلة أكثر من هذا المكان.

•متى يشغلنا جلال المحضر؟
إنّ ليلة القدر أعظم من المشاعر المحدودة بحوائجنا الآنيّة، يوم تكون خائفاً أو طامعاً. نعم، يُستحبّ أن نطلب وأن نلحّ في الطلب، لكنّ ثمّة شيء إضافيّ أهمّ، أن تُبصر بقلبك ذلك العالم الخاصّ الذي إن دخلته مراراً وتكراراً، تشعر أنّك تقف في محضر الله حرفيّاً، فتنشغل بذلك عن مصلحتك وعن عاقبتك. صدقاً، قد تمرّ عليك ساعات من الدعاء دون أن تكترث لما سيؤول إليه أمرك في النهاية، لن يشغلك شيء سوى جلال المحضر وجلال صاحبه. تشعر بأنّك تنتمي لوجودٍ أعظم من تلك الحياة التافهة التي غرقت فيها طوال سنواتٍ، وكأنّك تعيش حلماً ترجو أن لا تستيقظ منه أبداً. وتكاد أن تعود إلى الأرض، ثمّ يشدّ انتباهك ذلك الحلم من جديد، فتخاف أن يكون قد ابتعد، لتدرك أنّه ما زال، وأنّه حقيقةٌ مطلقة.

•"فاقبلني!"
ما تقدّمه ليلة القدر لضيفها، يُحاك باليد الإلهيّة على مقاسه، على قدر نقاء سريرته وهواجسه وأحلامه، والأهمّ من ذلك، على قدر شوقه وعزمه وإرادته وشغفه. في هذه الليلة، يتحدّث المؤمن مع ربّه كما لم يفعل من قبل، يناجيه ويعفّر خدّيه ليستحقّ من ربّه نظرةً واحدةً، فيقول له: "لقد أدركت هذه المرّة من أنت، فاقبلني!"، ويسأله: "عّرفني نفسك أكثر". 
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع