الدكتور محمود حلال (*)
*هذا هو الكبد:
يعتبر الكبد محطة لتنقية الدم وتخليصه من السموم العالقة فيه سواءاً منها التي تصلنا عبر الغذاء أو الدواء، لذلك فهو أحد أهم الأعضاء في جسم الإنسان. يقع الكبد في الربع العلوي الأيمن من البطن مباشرة تحت القفص الصدري ويتراوح وزنه بين 1500-1700 غرام تقريباً، ويقدر العلماء عدد وظائف الكبد بأكثر من خمسماية وظيفة.
*ومن أهم هذه الوظائف:
- تنظيم سيولة الدم.
- معادلة وتنقية المواد السامة الناتجة عن تناول الأدوية أو الكيماويات الغذائية التي تدخل جسم الإنسان.
- تحويل الطعام (التمثيل الغذائي/metabolism) إلى مركّبات يستطيع الجسم الاستفادة منها.
- تخزين الطاقة (عبر تخزين المواد التي تعطي الطاقة للجسم).
- إنتاج المادة الصفراء التي تساعد على هضم الطعام وخاصة المواد الدهنية.
- تصنيع مادة البولينيا المهمة والتي يتم إفرازها عبر الكلى.
إضافة إلى وظائف عديدة ومهمة لا مجال لذكرها هنا.
* ما هي الأمراض التي تصيب الكبد:
يمكننا تقسيم الأمراض التي تصيب الكبد إلى:
- الأمراض الخلقية أو الوراثية والتي تولد مع الإنسان وتظهر أعراضها في مراحل مختلفة من الحياة حسب نوع المرض ودرجة الإصابة به.
- الأمراض المكتسبة والتي يصاب بها الإنسان نتيجة عدوى أو التهاب أو مرض أو استعمال دواء أو مادة معينة تؤدي إلى حدوث مرض في الكبد.
- أمراض الكبد الثانوية والتي يصاب بها الكبد نتيجة مرض في مكان ما في الجسم سواء كان مرضاً في القلب أو الكلى أو الشرايين أو ورم خبيث قد ينتشر إلى الكبد في مراحله المتقدمة.
* كيف أتأكد من سلامة كبدي؟، أو بعبارة أخرى هل كبدي سليم؟
ليس من المعقول أن نطلب من كل شخص إجراء فحوصات للتأكيد على سلامة الكبد، ولكن هناك عدة علامات تشير أو تدل على حدوث خلل أو مرض ما في الكبد، ووجود إحدى هذه العلامات تدفع الإنسان للتوجه إلى عيادة الطبيب وإجراء الفحص اللازم.
ومن أهم هذه العلامات:
- نزف من الأنف أو اللثة... ونزف تحت الجلد.
- الرغبة في حك الجلد.
- فقدان الشهية.
- ضعف الذاكرة.
- إصفرار العيون والجلد.
- تساقط شعر الجسم.
- رجفة وارتعاش اليدين.
- أرق واضطرابات في النوم.
- إحمرار الكفين.
- تورم القدمين.
- نفخة مع تجمع ماء في البطن (الاستسقاء).
- تسارع النبض.
- ضعف عام ووهن وإعياء عند القيام بأي جهد.
* التشخيص:
بعد الفحص السريري في عيادة الطبيب، تبدأ عملية التشخيص لتحديد سبب المرض ونوع الإصابة وذلك عبر إجراء بعض الفحوصات والصور التي يرى الطبيب ضرورة لها حسب حالة كل مريض. والطبيب هو الذي يحدد نوع الفحص للوصول إلى حقيقة حالة الكبد وتحديد درجة الإصابة وتطور حالة المريض.
الفحوصات والصور
إن البداية عادة تكون بإجراء فحوصات وتحاليل مخبرية للدم، منها العامة ومنها الخاصة بالكبد لتحديد نسبة الإصابة ونوع الفيروس علماً أنه يوجد نوع أ وب وس ود... وغيرها.
- التصوير بالموجات الصوتية.
- فحص عينة من الكبد (خزعة من الكبد).
- التصوير بالأشعة المقطعية (سكانر).
- التصوير بالرنين المغناطيسي.
- الفحص بالمنظار لتحديد نسبة الإصابة ووجود دوالي المريء.
- الفحص بالنظائر المشعة.
* الصفيرة أو اليرقان
إن اليرقان أو ما يسمى بالعامية بالصفيرة هو التهاب الكبد الفيروسي الوبائي. وهنالك عدة فيروسات تصيب الكبد وأهمها لحد الآن: الفيروسات من نوع أ، ب، س، د، ج وغيرها والمعروف أن الفيروس "أ" هو شائع ويصيب الأطفال والشبان عادة ولا يترك أثراً في المستقبل، أي أنه لا يتحول إلى مرض مزمن. على العكس مما هو الحال في الفيروسات "ب" و "س" والتي تتحول الإصابة بها إلى التهاب الكبد الوبائي المزمن، والذي قد يؤدي إلى تشمع أو تليّف الكبد، وفي مراحله المتقدمة يؤدي إلى سرطان الكبد.
* كيف تحدث العدوى بالفيروس؟
إن الفيروس نوع "أ" ينتقل عن طريق قلة أو انعدام النظافة وتلوث الأطعمة بالفيروس، أما الفيروس نوع "ب" و"س" فإنه ينتقل عبر الدم ومشتقاته، سواءاً عند نقل دم ملوث بالفيروس، أو استعمال حقنة ملوثة سبق استعمالها، أو عند إجراء وشم باستعمال إبرة ملوثة لأكثر من شخص، أو عبر أدوات طبية في غرفة العمليات، أو أدوات طبيب الأسنان، أو الحلاق في حال عدم إتمام عملية تعقيم الأدوات المستعملة بالصورة الصحيحة. كما يمكن أن ينتقل الفيروس عن طريق العلاقة الجنسية بين شخص سليم وشريك مصاب، أو العكس، كما ينتقل من الأم الحامل إلى أطفالها خلال عملية الولادة، لذلك نجد أن هناك عوائل مصابة بالفيروس، وتسمى العدوى في هذه الحالة (الانتقال العمودي)، وتكون أشد وأصعب من العدوى الأفقية (التي تنتقل من إبرة أو دم وما إلى ذلك...).
* كيف يحدث المرض؟
بعد دخول الفيروس "ب" أو "س" إلى الجسم ينتقل خلال الدورة الدموية وتحدث العدوى عند فشل مقاومة الجسم في التخلص من الفيروس المهاجم والقضاء عليه خلال ستة أشهر من حدوث الإصابة، وبعد ذلك تصبح الإصابة مزمنة ويحتاج المريض للعلاج. والثابت علمياً أن فيروس "س" هو أشد خطورة من فيروس "ب" لأنه في 85% من الحالات تفشل مقاومة الجسم في التخلص من الفيروس المهاجم والقضاء عليه، ولا يوجد شخص حامل للفيروس "س" دون حدوث عوارض مستقبلية كما هو الحال في فيروس "ب" حيث تستطيع مقاومة الجسم في أغلب الحالات السيطرة على فعالية الفيروس ومحاصرته دون الوصول إلى الالتهاب الفيروسي المزمن نوع "ب". والخطير في الإصابة بالفيروس الكبدي "ب" أو "س" هو أن الالتهاب الفيروسي يتم بشكل بطيء، ودون أن يشكو المصاب من أية عوارض تذكر، باستثناء الإحساس بالتعب والإعياء أحياناً، والذي يعتقده المريض مجرد رشح أو كريب ولا يعيرها أي اهتمام. أما الأعراض الواضحة فإنها تظهر عادة ولأول مرة عند وصول المرض إلى مراحله المتقدمة أي بعد أكثر من 15 سنة من العدوى أو الإصابة بالفيروس وبعد حدوث تليّف أو ما يعرف بتشمع الكبد. ولكن هناك حالات قليلة جداً يحدث فيها التليف والفشل الكبدي بسرعة، ومع حدوث التليف تبدأ المضاعفات في الظهور بدرجات متفاوتة ويرتفع ضغط الوريد البابي وتظهر الصفيرة في العيون ويصاب المريض بالاستسقاء (تجمع ماء في البطن)، وقد يصاب بنزف من دوالي المريء (الفاريز) ويصاب المريض بغيبوبة قد لا ينجو منها. في بيتنا مريض! ماذا نفعل لتجنب العدوى؟ وكيف يجب أن نتعامل معه؟ الواقع أن الحياة يجب أن تستمر في هذا البيت بشكل طبيعي، ولا داعي لعزل المريض، وليس هناك ضرورة لعدم إشراكه معهم في مائدة طعام واحدة، وليس هناك مبرر لاستبعاد الأطفال أو البالغين المصابين بالفيروس من الاشتراك في الحياة الاجتماعية والتعليمية أو أي نشاط أو عمل وظيفي. ولكن هناك بعض التحفظات والملاحظات يجب مراعاتها وهي:
- عدم المشاركة في استخدام أمواس الحلاقة أو فرشاة الأسنان بين أفراد الأسرة.
- تغطية أي جرح عند حدوثه.
- عدم المشاركة في استعمال الإبر لوشم أو لفحص السكري، والتخلص منها بمجرد الاستعمال ورميها بعيداً عن متناول الأطفال.
- من الأفضل استعمال الواقي في العلاقة الزوجية لمرضى الفيروس "س" مع العلم أن العلاقة الجنسية نادراً ما تسبب العدوى، أما مرضى الفيروس "ب" فيجب على الشريك غير المصاب أخذ اللقاح الخاص بالفيروس "ب" على ثلاث جرعات قبل إتمام العلاقة الزوجية.
- يجب منع المريض المصاب بالفيروس من التبرع بالدم أو الأعضاء.
- إن الإصابة بالفيروس لا تمنع من الزواج، كما أنها لا تحول دون حدوث الحمل، ولكن في 6% من الحالات فقط يصاب المولود بالعدوى من أمه المصابة أثناء الولادة، ولا يوجد دليل على انتقال العدوى عن طريق الرضاعة.
* العلاج
إن علاج التهاب الفيروسي الحاد هو مثل علاج أي التهاب فيروسي لا يعتمد على العقاقير الطبية ولكن الوضع مختلف تماماً في علاج التهاب الكبد الفيروسي المزمن حيث يتم استعمال عقاقير طبية وإبر غالية الثمن ولفترات طويلة نسبياً مع نسب مختلفة من الاستجابة للعلاج حسب نوع الفيروس وصفاته (genotype). أما أهم العلاجات فهي مركبات "الأنترفيرون ألفا". وهي إبر تعطى تحت الجلد بصورة يومية تقريباً وبعيارات مختلفة حسب المريض، إضافة إلى حبوب "الريبافيرين" وحبوب "اللاميفيدين" التي تستعمل للفيروس "ب"، وحديثاً تم تحضير نوع جديد من الأنترفيرون طويل الأمد، ويمكن استعماله مرة بالأسبوع بدلاً من الاستعمال اليومي للأنترفيرون العادي وخاصة للنوع "س" من الإصابة واسمه "بيج أنترون".
* ما هي المدة اللازمة للعلاج؟
تتراوح فترة العلاج من 3 أشهر إلى سنة، ولكنها قد تمتد لفترات أطول قد تصل إلى عدة سنوات في بعض الحالات، حسب استجابة المريض، وحسب نوع الفيروس. والطبيب المعالج وحده القادر على تحديد مدة العلاج المناسبة للحصول على أفضل النتائج.
* هل لهذه الأدوية آثار جانبية؟
بالتأكيد مثل أي دواء لها آثار جانبية، نذكر منها الآثار السريعة، والتي تحدث مباشرة عند البدء بالعلاج، وهي عبارة عن: ارتفاع في درجة الحرارة-رعشة أو بردية-وجع رأس مع صداع أوجاع في المفاصل وإعياء، وأحياناً زيادة في دقات القلب سرعان ما تزول عند الاستمرار بالعلاج. أما الآثار المتأخرة والتي تحدث بعد فترة من استعمال الإبر فهي عبارة عن: تساقط الشعر-نقص في بعض مكونات الدم-الاكتئاب والتهيج-وبعض المتاعب النفسية الأخرى... إضافة إلى الاحمرار والتورم في مكان حقن الإبر.
* نصائح وإرشادات:
- إن الإصابة بالفيروس هي حالة شائعة ويجب أن لا نخجل وأن نتعامل معها بوعي، كي لا نصل إلى التليف أو السرطان.
- إذا كنت مصاباً لا تتردد في إخبار طبيبك وطبيب أسنانك وحلاقك بذلك، ليأخذ الاحتياطات الوقائية اللازمة تفادياً لنقل العدوى للآخرين.
- لا تتبرع بالدم أو الأعضاء لأنها ستتلف بعد اكتشاف الفيروس فيها من قبل المختبر
أو بنك الدم.
- لست وحدك المصاب، فلا تخف من مصارحة شريكك قبل الزواج حرصاً على سلامته وسلامة أطفالك.
- لا علاقة لأي نوع من الطعام في الإصابة بالفيروس، كما لا داعي لأية حمية غذائية في حالات الالتهاب الفيروسي المزمن.
- يجب متابعة العلاج الذي يصفه الطبيب لك والمثابرة على إجراء الفحوصات الدورية اللازمة.
(*)أخصائي في أمراض الجهاز الهضمي والكبد/ جمعيّة الأطبّاء المسلمين