تطالعنا في هذه الأيام دعوات ظاهرها التوحيد الخالص وباطنها جهل مركب بحقيقة الوجود.
ولشدة حساسية المسلمين، وبالأخص الشيعة، تجاه موضوع تنزيه الله تعالى، فإن كلامهم المدعوم بظاهر الآيات القرآنية يقع في قلوب البعض موقع التأثير، فيحملون على كل أولئك الذين يرفعون شعارات الدعاء لصاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، ويرمونهم بأنواع الشرك وعدم الإخلاص.
ولأن هذا الموضوع يرتبط بالجوانب الاعتقادية وبالمسائل العقلية. يصعب فهمه عند الكثيرين، فإن البحث حوله ينبغي أن يتم في أجواء فكرية هادئة. ومجلة بقية الله التي عودتكم دائماً على الأبحاث الفكرية والمواضيع الأصيلة، تفتح صفحاتها لمثل هذه الأفكار ليتم التداول بشأنها بلغة العقل وأسلوب الحكمة.
من لم يفهم حقيقة الوجود الإنساني مقابل الوجود المطلق، ومن لم يعرف سلوك الإنسان الرباني من العالم الظلماني إلى ساحة القدس، فسوف يبقى هذا الموضوع خافياً عليه، ويظن نفسه من الموحدين وقد أساء الظن بالله تعالى، فحقيقة الإنسان ستبقى دوماً عين الفقر والعجز ﴿يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله﴾ سواء أدرك هذا الأمر فأصبح في أعلى عليين، أو أنكره وجحده وكان في أسفل سافلين.
ففقرٌ إرادي "الفقر فخري وبه أفتخر على سائر الأنبياء"، أو فقر تكويني ﴿يذل من يشاء﴾. ولكن هيهات أن نساوي ما بين الفقرين. فالأول تكلل بالعز والبقاء والقدرة والحياة، والثاني ذل وصغار وبعدٌ وشنار.
من لم يفهم حقيقة الوجود سيبقى دوماً يضع وجوده الذاتي مقابل الوجود الإلهي وهذا جهل، أو أنه سيدعي الفناء والعدم المطلق، وهذا سوء ظن، إنما الوجود مراتب، والإنسان الكامل أعلى مراتب المخلوقات ولهذا استحق مرتبة الوساطة وكان باباً منه يؤتى، فحلّ في عز الربوبية ضيفاً، ونال من ذلك الكمال حظاً فأصبح ناصراً ومرشداً وهادياً.
والحمد لله رب العالمين