نسرين إدريس قازان
اسم الأم: بشيرة الموسوي
محل وتاريخ الولادة: النبي شيت 30/01/ 1983
الوضع العائلي: عازب
رقم السجل: 62
تاريخ الاستشهاد: 08/ 06/ 2008
إنّه من أجاد دوماً تسديد الهدف، فما الحياةُ الدّنيا إلا ساحة تحدٍّ، يركضُ فيها المرء صولات وجولات، فإذا ما سنحت الفرصة له بالتّسديد، فازَ بما أعدّ الله له في الدّار الآخرة.. هكذا كان حسن، الشاب الذي عكس نموذجاً للإنسان المتميّز بشخصية ديناميكية وحيوية، فقدّم مثالاً وقدوة لجيلٍ من الفتية المتأهبين للدخول إلى عالم الشباب من جهة، وللشباب الذين يقبعون في حيرة بداية تشكيل الذات من جهة أخرى. وقد وضع النجاح نُصب عينيه في كل خطوة رغب القيام بها، فكان متفائلاً صبوراً، استطاع تحقيق ما يريد بتصميمه ومثابرته، فألغى الدعة وإضاعة الوقت من قاموس حياته، أما اللحظات النادرة التي كان يركن فيها إلى الراحة، فما كانت إلا لشحذ همَّته من جديد. وقد حيّر من حوله بكثرة مشاريعه وارتباطاته التي لم يقصّر في أي منها نتيجة تنظيمه الدقيق لوقته.
* فيض من المحبة إلى كل الناس
لاحت ملامحُ التميّز في وجه حسن منذ صغره، فشعاع عينيه ببريق الذكاء والفطنة، وحركته الدائمة والهادئة كشفت محاولاته الدؤوبة لمعرفة ما خفي عنه. وكان هذا الفضول الإيجابي دافعاً له إلى عدم الركون لنمط الرتابة في الحياة. كان حسن فتىً مرضياً لوالديه، وكيف لا يكون كذلك وقد تربى على الأسس السليمة للدين الحنيف؟ فاحترمهما وجلّهما، ولكن العلاقة بينهم لم تحكمها الجدية أو الخشية، بل هو منذ صغره يشملهما في مزاحه اللطيف الذي اشتهر به، وكذا كانت علاقته مع إخوته الذين اهتموا به، والولد الذي لا يفسده الدلال يحظى بكل ما يرغبُ به. فتشبَّعتْ روحه من حب ذويه وإخوته، وفاضت المحبة من قلبه إلى كل الناس.
* نجمٌ في كرة القدم
خصّص حسن للرياضة حيزاً مهماً في حياته، وكان فتىً صغيراً يلعبُ كرة القدم مع رفاقه في القرية، فبرزت حنكته في اللعب والتسديد، حتى صار الجميع يتسابقون للعب في فريقه. وحلم أن يكون لاعباً محترفاً في فرق الدرجة الأولى، ولم يغِب هذا الحلم عن شغاف قلبه طرفة عين، بل كبر معه وهو يقلّب أيامه، فإذا ما شبّ قليلاً وانتقل للسكن في بيروت لأجل متابعة دراسته الأكاديمية التي تفوّق بها، شهدت ملاعب العاصمة بروزه نجماً جديداً في سماء كرة القدم، فلفت إليه الأنظار، واستُقدمَ إلى فرق محترفي كرة القدم للناشئة، فلعب مع فريق "الريان" و"المبرة"، ومن ثمّ في فريق "العهد"، ولمع اسمه بين اللاعبين، فامتلأت خزانته بالميداليات والكؤوس وشهادات التقدير، وسرعان ما استدعاه الجهاز الفني لمنتخب لبنان ليلتحق بصفوف لاعبي منتخب لبنان للناشئة، بعد أن قالوا عنه: "إنه يتكفل في معظم الأحيان بتسجيل الأهداف لفريقه". وقد حاز على كأس أفضل لاعب في الدورة العربية للشباب لعام 2001 . سكن حسن في منطقة الأوزاعي في بيروت التي جاءها لمتابعة دراسته الأكاديمية وهو بعمر الخامسة عشر، ومنذ ذلك العام تكفّل بمصاريف دراسته طوال السنوات اللاحقة من لعبه في كرة القدم. بتلك الروح الرياضية التي تحلّى بها في حياته الشخصية كما في الملاعب، استطاع مدّ جسور من المحبة إلى قلوب الناس، وخصوصاً الفتية والشباب، ولم يكن نجاحه في كل الميادين التي خاضها إلا مدعاةً للفخر بين أقرانه، ذلك أن التواضع الذي جلّل أخلاقه مكّن له من القلوب.
* زميلٌ لطلابه
درس حسن اختصاص ميكانيك السيارات، وكان طوال تلك السنوات مثالاً للتّلميذ المجدّ، المتحمّل لمسؤولية نفسه بعيداً عن أهله.. ولم يألُ جهداً في تحصيل أفضل النتائج، مدركاً أن نجاحه في الدراسة هو بوابة نجاحه في الحياة. وبعد أن نال شهادة الامتياز الفني في ميكانيك السيارات، عاد إلى بعلبك مُدرّساً لمادة "الميكانيك" في بعض المهنيات، وفي كثير من الأحيان كان يبادر إلى تسجيل بعض الطلبة المستضعفين على نفقته الخاصة، وعامل طلابه على أنه زميل لهم وليس أستاذاً، ونجح كثيراً في خلق علاقة خاصة ولافتة بينه وبينهم، خصوصاً وأنه لا يكبرهم بسنوات كثيرة، كما أنه لاعب معروف استثمر شهرته في استدراج الشباب إلى الملاعب والأندية الرياضية لإيمانه الشديد بأهمية الرياضة في حياة الإنسان، لأنها لا تصقل الجسد فحسب، بل تساهم إلى حدّ كبير في صقل الروح وتشذيب النفس، وكان إلى جانب عمله كأستاذ يزاول عمله الجهادي التطوعي في صفوف التعبئة العامة. كان حسن شابّاً أنيقاً مرتّباً، يهتم بأدق تفاصيل الأناقة، وفي الوقت عينه كان زاهداً لا يلفت نظره شيء، ولا يرغب باقتناء شيء، وكثيراً ما كان يترك ثيابه لأصدقائه إذا ما أعجبتهم سترة أو بنطال، فما أحبّ شيئاً لنفسه، إلا كما أحبّه لغيره، فآثر الآخرين بكل شيء. منذ أن كان طالباً صغيراً التحق حسن بصفوف التعبئة العامة، وما إن سنحت له الفرصة حتّى شارك بالعديد من الدورات العسكرية، وقد ساعده اختصاصه الأكاديمي في عمله الجهادي، ما جعل الإخوة في المقاومة ينتقونه ليكون مدرباً في أحد المعسكرات.
* تدريب الإخوة رياضياً
كان حسن مدرباً ومجاهداً يعشقُ بطبعه التطوّر والابتكار، فسعى دائماً إلى إضفاء الجديد على عمله الجهادي، ما حفّز من حوله إلى مواكبة حماسته ومبادرته، وبالطبع لم يكن ليعطي درساً إلا وكانت الفاصلة فيه مزحة أو تعليقاً مضحكاً، ما أبعد التوتر عن نفوس المتدربين، وكذلك أوكلت إليه مهمة تدريب الإخوة رياضياً للمحافظة على لياقتهم البدنية. ولأنه مجاهدٌ تربى في كنف ذكريات الشهداء، اهتم كثيراً بجمع آثارهم وإعداد تقارير مصورة عنهم، فحفظ الكثير من قصصهم التي تناقلها ورفاقه، ونقلها أيضاً بدوره إلى تلامذته، معتبراً أن العِبرة من حياة الشهداء هي التي توصل السائرين إلى حيث هم وصلوا.
* واشتاقت الروح إلى الرحيل
استشهد الكثير من رفاق حسن، ولكن رحيل الشهداء حسام ومحمد باقر ومحمد عادل الموسوي في حرب تموز 2006، ترك أثراً عميقاً في نفسه واشتاقت روحه إلى الرحيل إليهم. وكم تحسّر لأنه لم يُوَفَّق إلى المشاركة في خطوط المواجهة الأمامية في تلك الحرب، ذلك أن الإخوة طلبوا منه البقاء في البقاع والعمل ضمن فريق الإسعاف الحربي، ولم تكن تلك المهمة سهلة، فقد تركت المشاهد التي رآها ندوباً واضحة في روحه. استشهد حسن في معسكر التدريب أثناء قيامه بواجبه الجهادي، تاركاً الكثير من الذكريات التي تنبض حياةً في قلوب من عرفه وسمع عنه.