نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

قراءة في كتاب: "إمامُ الفجر"(*)

إعداد: حوراء حمدان



"إمام الفجر"، عنوان الكتاب الذي يسطّر سيرة الشيخ مصطفى أحمد قصير، الشيخ القدوة كما أبّنه سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله).

يُسافر الأديب عبد القدّوس الأمين في فصول كتابه عبر محطّات حياة الشيخ قصير، محلّقاً في فضاءات تجاربه، فيبدو الكتاب كقصّة روائيّة في توصيفها الأدبيّ، محبوكة بحبال تجربة غنيّة مليئة بالدروس، ومجبولة بالعاطفة، تسطع فيها ماهيّة الإنسان الحقيقيّة، وعالم الدين الحقيقيّ.

•الوالد والولادة
تميّز الشيخ أحمد قصير "الوالد" عن أترابه بالخروج عن المألوف والجرأة في اقتحام الصعاب. فرغبة التغيير لديه جعلته يتفرّد في التصدّي للقبضايات في بلدته "دير قانون النهر"، ولاختراق الاحتلال الإسرائيليّ.

تزوّج من ابنة عمّه بعد استقالته من الجيش اللبناني. تنقّل بين مدن عدّة، واستطاع جذب الناس للإيمان من خلال سلوكه. وعندما رُزق بابنته الكبرى، عاد إلى قريته، فالتزم بالدراسة عند السيّد عبد الحسين شرف الدين. وخلال السنة الأولى لولادة الشيخ مصطفى (1952م)، ذي الوجه الصافي والذكاء الفطريّ، بدأ الإعداد للسفر إلى النجف.

•سنوات في جوار الأمير
كان الكتاب في مركز عمره الجادّ كقطب الرحى تدور حوله التفاصيل، حيث دخل الشيخ مصطفى منذ صغره عالم الرجال في مكتبة الوالد. تنقّل بين مدارس عدّة في بيروت بعد عودة والده إلى لبنان لممارسة دوره الدينيّ، فسكن وحده مع أخيه في غرفة صغيرة إلى جانب الحسينيّة. ومنذ البداية، كانت صلاة الفجر وباب المسجد أُنس روحه ومحرابها.

عادوا إلى النجف بعد عام، فشكّلت سنوات مكوثه فيها أساساً لبناء شخصيّته. ألبسه السيّد محسن الحكيم العمامة في بداية دراسته الدينيّة "حلمه الأوّل"، التي أفسح لها المجال ضمن مشاغله الكثيرة. وبعد زواجه من زهرة الأمين (1971م)، وتوقُّف محلّ رزقه في النجف عن العمل، وإغلاق السلطات العراقيّة مكتبة له في بغداد، اضطُرّ إلى العودة إلى لبنان.

•سعيٌ على ضفاف الحلم
عاد إلى لبنان بالزيّ العاديّ بسبب موقعيّة العمامة وقدسيّتها كما رسمها لنفسه، وبدأ يبحث عن عمل إلى أن استقرّ به الأمر في بلدة "شقراء"، حيث أدار المطبعة التي أسّسها السيّد حسن الأمين. برز في هذه الفترة الركن التربويّ من شخصيّته، حيث كانت الحالة العلمانيّة متفشّية في ذلك المجتمع، فحاول إعادة التديّن الفطريّ من خلال مسلكه ودروسه التي نظّمها للشباب.

وعلى الرغم من بقائه وحيداً دون عائلة مع ثلّة قليلة تصدّت للعدوّ الإسرائيليّ إبّان الاجتياح، سعى لمتابعة دراسته الدينيّة والأكاديميّة. كما سعى في الثورة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وقدّم أخاه شهيداً على درب المقاومة؛ عبد المنعم قصير.

•الهجرة إلى ساحة الحلم
دُعي إلى إيران للمشاركة في المؤتمر الذي أُقيم في ذكرى انتصار الثورة، وعند عودته اتّخذ قراراً دون تردّد، وهو التوجّه إلى قم.

في قم، حيث منزل أبيه المكوَّن من تسعة أفراد، مكث وعائلته، وكان إخوته ينتظرون قدومه كما ينتظرون العيد. ومنذ البداية صار في قلب الحوزة كالقدامى، وعندما قلّده الإمام الخمينيّ قدس سره العمامة، كان قلبه كمركب في بحر عاصف.

جمعه الانتماء الوطنيّ والفكر الثوريّ مع مجموعة أصدقاء، منهم السيّد عبّاس الموسوي (رضوان الله عليه)، والسيّد حسن نصر الله (حفظه الله) والسيّد هاشم صفيّ الدين، والشيخ نبيل قاووق. أدار منتدى جبل عامل الذي أسّسه السيّد جعفر مرتضى، وسرعان ما أصبح المحور للطلبة اللبنانيّين، والعرب، والجهات الرسميّة.

•القطاف والسعي العميق
عاد إلى لبنان بعد أحد عشر عاماً. تسلّم إدارة المؤسسة الإسلاميّة للتربية والتعليم، وأصبحت علاقته مباشرة مع السيّد هاشم صفيّ الدين. فجهوده اللافتة للتطوّر، وعزيمته المتدفّقة، وذوبان الثورة الإسلاميّة في شخصه، نقلت المؤسسة إلى مستوى التخطيط الاستراتيجيّ ضمن الأصالة الإسلاميّة، والرؤية التربويّة والثقافيّة لحزب الله.

برز اهتمامه الشديد والواضح في الجانب الدينيّ، خاصّة بالصلاة والقرآن. وقد حثّ كثيراً على إقامة صلاة الجماعة وقراءة القرآن في مدارس المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، والحديث إلى الطلّاب عنهما. لقد أراد أن يقدّم للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف جيلاً يهتمّ بالقرآن وصلاة الجماعة.

ولصلاة الجماعة في حياته أولويّة كبيرة؛ إذ كان يفضّل إقامتها في المسجد ما أمكنه ذلك. أمّا موعد صلاة الجمعة في المسجد فهو مقدّس، لا يخلفه أبداً، ينتظره كمن به شوق إلى لقاء حبيب.

وعندما كان يسكن في جوار مسجد القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف، ظلّ يتردّد إليه بكثرة، حتّى أصبح سمة من سماته، خاصّة وقت صلاتَي المغرب والعشاء، يصلّي مأموماً بكلّ تواضعه خلف الإمام.

وكان يصلّي بالإخوة سنين عدّة صلاة الفجر في مسجد القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف، يحضر ليلاً قبل الأذان كلّ يوم، بلا انقطاع، وتحت المطر، فلم يتغيّب إلّا حين يكون في سفر أو في الحجّ. وبعد قراءة دعاء العهد، يجيب عن أسئلة المصلّين الفقهيّة.

•مواصفات الإدارة الناجحة
وعلى الرغم من عمله الإداريّ، تابع عمله التبليغيّ في بلدان عدّة، مستقطباً المغتربين بقدرته العجيبة على حلّ المشاكل، وتفهّمه، وانفتاحه، فكانوا يرون فيه عظمة الإسلام وجماله. تولّى الإدارة العامّة مدّة سبعة عشر عاماً، كان فيها مثالاً لحسن الأداء، والموسوعيّة، والفاعليّة، معتمداً على الجودة، والكفاءة، والالتزام، والجديّة.

•الأبوّة
لقد كان أمان أولاده، ومحطّ راحتهم، وأُنسهم النفسيّ، واستطاع تحويل مصاعب حياتهم كلّها إلى إيجابيّات، مهتمّاً بأدقّ التفاصيل. ذكر أبناؤه تشدّده في عدم الهدر، والالتزام الدقيق بالأنظمة، وضرورة الاعتماد على النفس، كما رفضَه لكلّ مظاهر البذخ، وحزمه في وجه الغيبة والنميمة، وهو حزم يتبدّد في مكان آخر حيث غمائم الحنان والرقّة تصدح من جبينه، ولا سيّما في معاملته الخاصّة مع بناته، وزوجات أبنائه، وأحفاده.

•المسعى الأخير
كان مشروع مركز الدراسات والأبحاث التربويّة آخر مساعي الشيخ، فقام بتأسيسه ضمن رؤيةٍ وتأصيلٍ متين، ليغطّي حاجة المؤسّسات المختلفة. وعلى الرغم من مرضه، وإجرائه عمليّة لإزالة ورم دماغيّ، والعلاج بالأشعة، ظلّ يمارس العمل حتّى ضَعُف بدنه، ولم يترك الصلاة في المسجد، فكان الفجر وصلاته طريقَي أنسه منذ بداية عهده الأوّل، وشاهدَين على فَقده بعد رحيله(1).

•مسك الختام
تحدّث سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في حفل تأبينه عن مواصفاته المهمّة التي تجعله نموذجاً حيّاً للاقتداء؛ فهو الإمام المسجديّ المخلص والمتفاني في العمل، صاحب الهمّة العالية الذي لا يعرف الكلل ولا المرض، وهو القدوة في الزهد، واللطف، والأخلاق الطيّبة، والهادئ، والمربّي الذي كانت التربيّة خياره منذ البداية.


(*) "إمام الفجر"، عبد القدوس الأمين، من سيرة سماحة العلّامة الشيخ مصطفى قصير العاملي، ط1، دار المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، بيروت، 2018م.
1.انتقل إلى الملكوت الأعلى يوم 26/5/2014م.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع