بطاقة الهوية
اسم الأم: صباح علي حمود.
محل وتاريخ الولادة:
الطيبة 1/1/1975م.
الوضع العائلي: عازب.
رقم السجل: 330.
محل وتاريخ الاستشهاد:عيتا الشعب 10/8/2006.
ترجل محمود من سيارة الأجرة، بعد أن قدّم عذراً لمن حوله
بأنه سيوصل بعض معارفه إلى عيتا الشعب. وبهدوء مشى في طريق البلدة حتى وصل إلى مركز
العمل ليؤدي المهمة الجهادية الموكلة إليه. حينما دخل محمود المركز، علا الاستغرابُ
وجوه الإخوة، فمن هذا الآتي بكامل أناقته، وبنظارته السوداء، وبرائحة عطره التي
تكادُ تصل إلى المواقع الإسرائيلية؟! فابتسم وعرّفهم بنفسه: "الحاج حسان"، صائد
دبابات الميركافا. وأن تحمل سلاحاً وتدمّر "ميركافا"، فذلك لا يعني أن لا تكون على
آخر طراز من الأناقة!
* ترتيب وأناقة مدهشان:
سلّم عليهم، وفتح حقيبته بهدوء، ورتب ملابسه الجهادية المكوية جيداً، ورصف بالقرب
منها مراهم الوقاية من الشمس وأخرى لترطيب البشرة، ووضع وسادته ودثاره حيث يجب أن
ينام. وكان عندما يفتح حقيبة ملابسه في المحاور أو الدورات، تفوح منها رائحة العطور،
ويرتب ملابسه الأنيقة، محافظاً على رهافتها حتى وكأنه في نزهةٍ للنقاهة..
* جزّار الدبابات:
وربما من عرف محمود في حياته "المدنية"، ما خطر في باله أبداً أن ذلك الشاب المثقف
والثري والأنيق جداً، هو من المجاهدين الذي شاركوا في العديد من المهمات الجهادية
منذ العام 1996، من عمليات استطلاع ورصدٍ، وعمليات عسكرية، أهمها اقتحام موقعي سجد
وبئر كلاب، ولا يكاد يُذكر موقع من مواقع العدو إلا وكان من المشاركين باقتحامه
وضربه؛ فمن برعشيت، إلى بلاط، فالعيشية، فالسويداء، وسجد، وأيضاً سحب جثمان أحد
الشهداء في أكثر المناطق خطراً وتعرض يومها ورفاقه لكمين من الكوماندوس الإسرائيلي...
ومن رأى يديه الناعمتين وهما تحملان الأقلام والأوراق، وهو ينتقل بروية كناظرٍ عامٍ
بين صفوف المدرسة التي يملكها والده، ما ظنّ لوهلة، في أن تكون هي ذاتها التي طالما
أجادت ضرب دبابات الميركافا، حتى أطلق عليه لقب " جزار الدبابات"، وخصوصاً في حرب
تموز 2006، حيث كانت البداية معه. ذلك الشابُ صاحب النظارة السوداء، والسيارة
الفارهة، لم تكن تعني له التفاصيل التي حافظ عليها سوى ساتر حجب خلفه الحقيقة التي
عاشها، في الأماكن الجرداء، وأماكن الخطر، ساعياً نحو الحلم الذي حمله بصمتٍ في
قلبه؛ الشهادة في سبيل الله، واللحاق برفاق دربٍ كثر سبقوه إلى جنان الله، أولهم لم
يكن رفيقاً له، بل كان جندياً في الجيش اللبناني واسمه "محمود قعيق" استشهد على يد
القوات الإسرائيلية في قرية الطيبة في اليوم ذاته الذي ولد فيه محمود، فسُمّيَ
باسمه، ليرث منه الاسم، والمصير.
* نقاهة أم جهاد؟
كان محمود في مقتبل العمر، ينتظر الفرص السنوية ليشارك في المرابطة مع المجاهدين في
العديد من المحاور المتقدمة. وكلما اشتد عظمه، خضع لدورات عسكرية تُطَوِّر من
مشاركاته، وكل ذلك بعيداً عن أعين الأهل والأصحاب، فمع أنه كان الرفيق المقرّب
لوالده والساعد الأيمن له، إلا أن والده لم يفكر لوهلة أن ولده قد يكون على تواصل
مع المجاهدين، فالبيئة التي تربى فيها، والمجتمع الذي يحيط به، يؤمنان بإيديولوجية
المقاومة ويدعمانها، دون أن تُناقش فيه يوماً فكرة الانضمام إلى صفوفها، ولذا كانت
الحجة التي يغيب فيها محمود أكثر من مقنعة؛ وهي أنه مسافر للنقاهة في إحدى الدول!
في الليل، يخلع محمود حياته، وينزلُ ضيفاً في الحظيرة القدسية، يتجلبب سواد الليل،
ويبحر في دموع توسله بأن يقبله الله، فهو لا يريد من الدنيا التي امتلك فيها أجمل
البيوت، وأفخر السيارات، وموقعاً اجتماعياً مرموقاً، سوى أن يكون من المجاهدين
الذين منّ الله عليهم بالشهادة.
* أخٌ حنون:
تميّز محمود بعلاقاته الاجتماعية الواسعة، وبشدّة تواضعه وقربه من الآخرين، وأجادَ
فصل حياته الشخصية عن حياته الجهادية، فلا يخطرُ في بال أي من الجهتين أن الأستاذ
محموداً والحاج حساناً هما شخص واحد. كان يتفقد الناسَ، ويحنّ على الفقراء والأيتام،
ويعامل التلامذة بأخوّة ومودّة، فيقدم لهم الهدايا في المناسبات، ويتابع شؤونهم
الدراسية والاجتماعية، وكذا كان يقوم بتأمين المساعدات وتوزيعها بنفسه على بعض
العائلات المستضعفة في القرى الجنوبية. واظب محمود على زيارة قبور الشهداء
ووضع باقة من الورود على ضريح كل واحد منهم، وكان من المهتمين كثيراً بالبيئة، فهو
أثناء حضوره في المحاور كان يزرع الأشجار والورود، وينظف المكان فلا يترك ورقة
صغيرة على الأرض، وكان كيفما تلفّتَ يحدّثُ رفاقه عن أهمية المحافظة على البيئة
وجمالها. حتى أثناء وجوده في عيتا الشعب، وفي ذروة اشتعال المواجهات، وانقطاع
الطعام عن الإخوة، إذ كانوا يتناولون بعض الرمان لم ينسَ أن يلفت نظرهم إلى رمي
القشور فوق التراب لأنها تضمحلّ وتتلاشى فيه مع الأيام.
* في عيتا كانت المواجهة:
قبيل اندلاع الحرب، وصل محمود إلى عيتا حيث أدى المهمة الأولى له وهي إعطاب دبابة
الميركافا في خلة وردة المحاذية لقرية عيتا الشعب، أثناء قيام مجموعة المجاهدين
بأسر الجنديين الإسرائيليين، وطوال فترة الحرب تنقل بين قرية وأخرى بكل شجاعةٍ
وإقدام، التزاماً بالتكليف، حاملاً مقبضه وصواريخ ضد الدروع.. وخلال تلك الفترة، لم
تغبْ ابتسامته المشرقة، وأثناء مشاركته في الدفاع عن قرية الغندورية، أخبر أحد
المجاهدين أنه رأى في منامه السيدة زينب عليها السلام. بقي محمود في قرية عيتا
الشعب أغلب الوقت، فكان يستحمُّ يومياً، ويغسل ثيابه، وكأنه في بقعةٍ آمنة لا
يضربها العدو الإسرائيلي ليل نهار ويحاول اقتحامها، وكأنه ليس هو من يقفز من جلٍّ
إلى آخر ليلاحق الدبابات، أو يقارع العدو الإسرائيلي وجهاً لوجه! وكان يبرر ذلك
بأنه عليه أن يستشهد ويلاقي الله عز وجل بكامل أناقته! ولقد تعرف إلى امرأة عجوز في
القرية لا تقوى على السير، فكان يحملها على ظهره ويهرب بها ويحميها. وفي مرة، عرف
أنها تحبّ "الشوكولا"، فبحث لها عن الشوكولا تحت وابل القذائف، ولم يعد إلا وقد حظي
بما تريد.
* طمأنينة تبعتها الشهادة:
كان المجاهدون يستغربون الطمأنينة التي حملها، وقد ظهر جلياً في الأسبوع الأخير
السكون الغريب الذي تدثّر به، فلم تفارق السبحة يده، ولا غادر السكوت شفتيه.
بتاريخ 10/8/2006 استشهد محمود في قرية عيتا الشعب، بعد أن أبلى بلاء حسناً، وخاض
العديد من المواجهات المباشرة مع العدو الصهيوني، لتفوح من جسده رائحةُ الجنّة
ولتعبق في أرجاء القلوب.