الشهيد ربيع محمد وهبي (سراج) من مواليد جباع 1976م تربى
في بيت جنوبي وفي قرية شامخة تربض جنب جبل شامخ لا تهزه ريح ولا تقطنه إلا رجالات
يزدادون شموخاً.
وفي ساحتها رمق الشهيد زمن الطفولة قافلة نورانية فراح يحدّق برايتها الحمراء،
فاستراح وهج الصبا عنده على انبلاج فجر أخذ يشعل فيه حلماً رجولياً، وعند جدران
المنزل المتواضع حمل قلمه الرخامي يخط ما يجول بخاطره، يرسم أحلاماً لم يستطع أحد
أن يفسِّر ما فيها. ومن الوجد الساكن جبين والديه ترجل ربيع راح يلبس قميصاً من
ألوان الجبل الجوري يباهي به رفاق الطفولة يلاعب تراب الأرض يسقيها من فنجانه الذي
لا يبارحه الماء، يروي ظمأها إلا أنها تعاود الانشقاق.
ويومها عرف الكبار فيه
معاني كلها تحكي أنه فتى متميز، يرمق من حوله كل التلال يجول بين أزقة القرية يشتم
من نسيمها نسيماً حاراً لا يصف ملمسه إلا المهتدون، وتمضي السنوات، والحيرة ترتسم
على محيا الوالدة، تحتضنه واهبة كل آيات الحنان أما الوالد فيوضبه من الكبرياء من
يذاكره ليوم اسمه الرجولة.
وفجأة يسلك الفتى العاملي جنبات الوادي، ويترك حقول الضيعة وعلى كتفه زاده يطعم به
مقاوماً، تذكر لي الأم أنها سألت أين كنت يا ولدي، أماه كنت هنا عند الشجرات الخضر،
أشرب من ينبوع بلدتي، واتضحت الحكاية، ربيع وأيمن تذكراً مرور القافلة والحلم.
عاد من جديد إلا أنه التحق
بها يغامز الأطفال وكأنه يتذكر أحلامه فيزداد إكباراً يودع منزله يزينه ببعض ذكريات
لن تمحوها الأيام، وهناك عند حدود الوطن الذبيح، ربيع وقف فارساً يجول ويصول وعلى
جبينه عصبة سوداء تحمل جراحات شعبه، وعند الشجرات الكبار رسم لأمه على ورقة بيضاء
مناغاة حنونة أماه من هنا سأمضي سأزرع في تلك الديار رسماً لطفل ذبحته الشظايا، أما
أنا ماضٍ إلى أين وإلى حين رفيق الرجولة حسن، ويقرع بأسه على ثغور الجهاد يعانق حسن
يلامس كفيه وتجمد الدموع في عينيه وينفجر الوجد عنده بأساً يحرق الغاصبين لن أموت،
أنا حي في السواعد الآتية ورايتي يحملها كل العاشقين، وتكبر عقماتا وعند مفرقها
ترتسم صورة ربيع وحسن وهنا لا تهزه كل العواصف 19 أيلول ستبقى عنوان العزة في وطني،
عرساً لربيع وعن كل عام تكمل القافلة سيرها، لتحط الرحال تلو الرحال ليطلع الصبح
يحمل كل المجد والفخار.
* وصية الشهيد:
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا
الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى
الْمُتَّقِينَ﴾
صدق الله العلي العظيم
أشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأشهد أن الإمامة والرئاسة لعترة سيد
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأولاده من بعده الحسن والحسين
والتسعة المعصومين من ذرية الحسين آخرهم وقائمهم المهدي عجل الله فرجه الشريف وأشهد
أن الموت حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وإليه النشور.
وبعد، فأنا ربيع وهبي أملي هذه الوصية وأنا بكامل الوعي.
أمي وأبي وإخوتي: أريد أن أقول لم إني كمسلم وأؤمن بلطف الله ورحمته وأؤمن بالآخرة والحساب، يمكنني أن أستقبل الموت بنفس مطمئنة واثقة، وحينما ألتزم بحدود الله وأطبق تعاليمه في هذه الحياة فإن أولياء الله لا يزعجهم الموت، بل يعتبرونه بطاقة دعوة لدخول جنة الله تعالى حيث يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة ُا ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾ كما أقول ما دام الموت مصيراً حتمياً ومستقبلاً طبيعياً لكل إنسان فلماذا يترك الإنسان يد الموت تفاجئه في أية لحظة فيأخذ دور الاستسلام والضعف أمام هجوم الموت المتوقع، فهنا أريد أن أسألكم أليس من الأفضل أن يستلم الإنسان المبادئ ويأخذ دور الهجوم على الموت وذلك حينما يحمل أهدافاً شرعية ولواءً مقدساً ويتبنى مسؤولية عظيمة فيقذف بنفسه بالأخطار ويخوض المغامرات والتضحية في سبيل الله كما أقول لكم بما أنني سأموت لماذا أموت موتاً مجانياً وفي موقع ضعف بينما بإمكاني أن أموت من أجل قضية مقدسة فيكون لموتي ثمن رفيع جداً وبينما أنا لن أموت بل ستبدأ حياة جديدة خالدة لا نهاية لها حيث يقول الله تعالى: ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُون﴾َ ومن هذا المنطلق أصبح القتل في سبيل الله أمنية ألح إليها وأدعو الله تعالى أن يرزقني إياها.
والدتي الحنونة:
أيّدك الله بلطفه ورعاك بعنايته، أمي يا أعظم كلمة نطق بها لساني ويا أول مدرسة
حسينية أرضعتني حب الشهادة على خط الحسين وزينب والعباس وأم كلثوم ورقية عليهم
السلام.
والدتي تعزّي بعزاء زينب، وقولي عند سماعك نبأ شهادتي اللّهم تقبل منا هذا الفداء،
وأن يكون هذا اليوم هو يوم فرح وعرس وليس حزن، وأرجو منك أن لا تحزني وكوني صبورة.
وأرسل إليك عبر تلال صافي وأسلاك الشريط المحتل أجمل قبلات جهادية، فاقبليها مني
هدية وزغردي فرحاً، لا تبكي عليّ، هذا رجاءٌ أرجوه منك ولا تلبسي السواد عليّ لأن
شهادتي ليست إلى الحزن ولا الفشل حتى تبكي أو تلبسي السواد عليّ، بل افرحي وابتهجي
بعمل بطولي يبعث إلى الإعجاب والافتخار.
أمي ألا تريدين أن تقدمي قرباناً في سبيل الله كزينب الكبرى وكيف ستواجهين الله
فيما الزهراء تقدم شهداءها وأنت ليس لك أي شهيد.
أمي كم كنت قاسياً عليك ومقصراً تجاهك ولكن ليس بيدي الآن أي وسيلة سوى الرجاء بأن
تسامحيني وترضي عني.
والدي العزيز: أوصيك بتقوى الله سبحانه والتزام الإسلام.
أبي أوصيك بأن ترضى
بهذا الموقف ولا تحزن وافتخر بهذا العمل ووصيك بالاعتناء بأمي وإخوتي جميعاً، وأن
تكون صابراً عندما تسمع نبأ استشهادي وخاصة أنك الذي علمتني منذ الصغر أن لا أرضخ
لأحد من الطواغيت، فكيف أرى جنوبي يتألم وأنا جالس في البيت والأئمة علمونا الوقوف
في وجه كل متكبر وعدو للإسلام فعلينا أن نقاوم هذا العدو حتى النصر أو الشهادة وهذا
خط الأنبياء والأئمة المعصومين عليهم السلام والعلماء المجاهدين والشهداء
على مر التاريخ. وأخيراً أرجو منك المسامحة وعندما تسمع بنبأ استشهادي واس نفسك
بالإمام الحسين عليه السلام الذي قُتلَ أبناؤه وهو ينظر إليهم في كربلاء.
إخوتي: أوصيكم بالالتزام والسير على نهج الإمام القائد الخميني وكونوا دعاة
للأمة الإسلامية.
* وصيتي إلى إخواني المجاهدين:
إخواني المجاهدين أوصيكم بالالتزام بخط ونهج حزب الله والحفاظ على المقاومة
الإسلامية مهما كلّف الأمر من تضحيات لأن ذلك يؤدي إلى رضا الله سبحانه وتعالى
والأئمة المعصومين عليهم السلام، وهي الأمانة التي تركت لنا وفي أعناقنا،
أثبتوا على هذا الخط وحافظوا عليه، اتقوا الله حق تقاته وأسأل الله أن يحفظ سيدنا
ومرشدنا الأمين العام السيد حسن نصر الله حفظه الله، وأن يطيل بعمر مرجعنا وقائدنا
سماحة الإمام الخامنئي (دام ظله).