مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

"تكليف اللحظة" أحد أسرار عاشوراء

في فكر الإمام القائد دام ظله
السيد ربيع أبو الحسن


"إنّ ثورة الإمام الحسين عليه السلام هي ثورةٌ مُلهِمة للدروس، وحركةٌ تُجسِّد التكليف الإسلاميّ". عبارة مختصرة قالها سيِّدٌ حسينيّ، وقائدٌ عاشورائيٌّ شجاع... خَبَرَ عاشوراء، وعايَش فصولها وتداعياتها بقلبه ووجدانه، كما لو أنّه عايشها، وحلَّل أسبابها وأحداثها ونتائجها بدقّة.

تقرأ كلامه فتخال أنّك في مدرسة عاشوراء، تتلقّى منها دروساً خالدة في الحياة، أهمُّها درْس "أداء التكليف". هذا الدرس الذي أولاه سماحة الإمام القائد دام ظله أهميّة خاصّة باعتباره محور حركة الإمام الحسين عليه السلام ؛ ففنّد الكلام فيه ضمن عناوين عدّة، سنعرضها بطريقةٍ حواريّةٍ مع سماحته دام ظله.

* ما سبب قيام الإمام الحسين عليه السلام بالثورة؟
لقد نهض الإمام الحسين عليه السلام لتأدية واجبٍ عظيمٍ هو إعادة بناء النظام والمجتمع الإسلاميَّين، والقيام في وجه الانحرافات الكبرى في المجتمع الإسلاميّ.
لقد كان تكليف الإمام عليه السلام -كما عبّر هو عليه السلام - مواجهة الجهاز الحاكم الذي هو منشأ الفساد: "أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي".

وقال في خطبة أُخرى: "أيّها النّاس، إنّ رسول الله قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله... فلم يُغيِّر عليه بفعلٍ ولا قولٍ كان حقّاً على الله أن يُدخله مَدخله"(1).

* هل بيّن الإمام عليه السلام للناس تكليفهم؟
لقد أوضح الإمام الحسين بن عليّ عليهما السلام في خطابه للجميع، أنّ أوجب واجبات ووظائف العالم الإسلاميّ في تلك الظروف هو مواجهة رأس السلطة الطاغوتيّة والقيام من أجل إنقاذ النّاس من سلطتها الشيطانيّة.

* هل كانت عاشوراء وظيفة الإمام الحسين عليه السلام وحده؟
كانت وظيفة الإمام الحسين عليه السلام وظيفة إسلاميّة. من يظنّ أنّ هذا العمل الذي قام به الإمام عليه السلام لم يكن واجباً على أيّ شخص آخر سواه، فهو مخطئ. لقد كان على الجميع التصدّي والقيام بهذه المهمّة. كان على الجميع أن ينصروا ويؤازروا الإمام الحسين بن عليّ عليهما السلام.

إنّ الإمام الحسين قد نهض للقيام بواجبه، وهذا الواجب مسؤوليّة المسلمين فرداً فرداً على طول التاريخ؛ وهو بمعنى أنّه كلّما واجه نظام المجتمع الإسلاميّ فسادٌ بنيويٌّ وخِيفَ على أحكام الإسلام من أن تتبدّل كلّيّاً فعلى كلّ مسلم النهوض(2).

* إلى أيّ مدى كان تكليف الإمام الحسين عليه السلام بالثورة؟
ربّما يقول قائل: "إنّه لا تكليف بالثورة إلى هذا الحدّ". فعندما يشاهد الإنسان طفلاً صغيراً كعليّ الأصغر قد شارف على الموت من شدّة العطش، يقول: "الآن سقط التكليف عنّي"، أو أنّه عندما يرى أنّ مجموعة من نساء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وبناته يقعْنَ في الأسر سيقول: "سقط التكليف عنّي إلى هنا!". لا، ليس كذلك! إنّ تكليف الإمام ثورة غير محدودة وغير مشروطة.

* كيف بيّنت كربلاء ضرورة العمل بـ"تكليف اللحظة"؟
كان في العالم الإسلاميّ آنذاك الآلاف ممّن يحبّون الحسين بن عليّ وآله عليهم السلام، ويعادون يزيدَ واليزيديّين، وكانوا حاضرين للجهاد والسعي في ركب الحسين بن عليّ عليهما السلام، إلّا أنّهم لم يصبحوا حبيبَ بن مظاهر أو زهيراً، أو ذلك الغلام الذي أسلم حديثاً. وكان هناك أشخاص في بني هاشم، لم يصبحوا عليّ الأكبر وأبا الفضل العبّاس عليهما السلام، لماذا؟ لأنّهم لم يكونوا حاضرين في لحظة الحاجة. فعندما أرى أن الدّين محتاج إليّ، ولم أعرف حاجة ذلك الوقت ولم ألبِّ ولم أجب، فما هي الفائدة من أن أعتبر نفسي مستعدّاً وحاضراً لنصرة الدّين(3)؟

بعض النّاس لا يقومون بأداء تكليفهم في وقته، وأداؤه في أيّ وقت آخر لن تكون له تلك النتيجة، وهذا هو الفرق بين شهداء كربلاء والتوّابين. فشهداء كربلاء استُشهدوا وكذلك التوّابون استُشهدوا أيضاً، ولم تكن الفاصلة الزمنيّة بينهما كبيرة(4). إلّا أنّ شهداء كربلاء أصبحوا في قمّة الإنسانيّة... لأنّ شهداء كربلاء قد لبّوا نداء الإمام الحسين عليه السلام في وقته، لكنّ التوّابين لبّوا النداء بعد مضيّ الوقت. وهذا هو الفرق(5).

* بين الحجّ والقيام، لِمَ اختار الإمام عليه السلام القيام؟
في جميع الواجبات الشرعيّة، هناك مهمّ وأهمّ. فقد يكون هناك أمر واجب لكنّه مع ذلك يُجعل في الدرجة الثانية ويُترك جانباً، فالحجّ واجبٌ، لكنّ الإمام الحسين عليه السلام استعاض عنه بالعمرة المفردة(6).
حتّى لو فُرض أنّ الإمام الحسين عليه السلام كان قد حجّ سابقاً، وأنّ هذا لم يكن حجّه الأوّل ولم يكن واجباً عليه، لكن، من المتيقّن أنّه كان هناك أشخاص من بين أصحابه، كان هذا الحجّ واجباً بالنسبة إليهم، لكنّهم تركوه، وقدِموا معه. فما الذي حدث؟ ولماذا جاؤوا؟
لقد كان السبب هو هذا القيام وهذه المواجهة(7).

* "البصيرة" في مثل تلك الظروف مهمّة جدّاً، فكيف أثّرت على قرار المؤمنين؟
في الوقت الذي تحرّك فيه أبو عبد الله الحسين عليه السلام، كان هناك أشخاص إذا قيل لهم: "الآن وقت النهوض والقيام"، وعلموا أنّ هذا الأمر سيجلب لهم المشاكل والمتاعب، فإنّهم كانوا سيتّجهون نحو تكاليف من الدرجة الثانية، مثلما رأينا بعضهم قد قام بهذا العمل فعلاً.

ولقد كان هناك أشخاص مؤمنون وملتزمون بين الذين لم ينهضوا مع الإمام الحسين عليه السلام، فليس من الصحيح اعتبارهم جميعاً من أهل الدنيا. وكان بين زعماء المسلمين ورموزهم في ذلك الوقت أشخاص مؤمنون يرغبون في العمل وَفقاً للتكليف، لكنّهم لم يدركوا ما هو تكليفهم، وكانوا يخلطون بين الوظيفة الرئيسة المحوريّة والوظائف التي هي من الدرجة الثانية أو الثالثة. ولقد كان هذا الأمر أحد الابتلاءات العظيمة للعالم الإسلاميّ. ونحن -اليوم- يمكن أن نُبتلى بذلك أيضاً، أي نخطئ في تشخيص التكليف الأهمّ نسبة إلى الأشياء الأقلّ أهمّيّة. يجب اكتشاف تلك الوظيفة الأساس والتي يعتمد عليها قوام المجتمع وحياته(8).

* لا شكّ في أن للخواصّ تأثيراً على أفراد المجتمع، فما هو تأثيرهم في نهضة سيّد الشهداء عليه السلام؟
عندما تحرّك الإمام الحسين عليه السلام كــان بإمــكان مجموعـــة من الناس، من خــلال الـتحــاقــها به، أن تحوّل تلك النهضة إلى ثورة بنّاءة. فلو أنّ عبد الله بن عبّاس وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر، لو أنّ هذه الشخصيّات البارزة، في ذلك اليوم، خرجت برفقة الإمام الحسين عليه السلام، لم يكن باستطاعة يزيد ولا أعوانه، دون شكّ، أن يقفوا في وجهها؛ إذ ليس بالإمكان منازعة كلّ هذه الوجوه المعروفة، التي لكلّ واحد منها عشيرة وأصدقاء ومؤيّدون في عالم الإسلام.

لولا تراخي هؤلاء وأمثالهم، لكان الإمام الحسين عليه السلام قد خرج بآلاف عدّة، بدلاً من الخروج من مكّة ببضع مئات، تركه بعضهم أثناء الطريق، والقليل بقي في كربلاء. وإذ ذاك هل كان للحرّ بن يزيد في هذه الحالة، أن يقف في الطريق ويمنع الإمام الحسين من الوصول إلى الكوفة؟ ولو وصل إلى الكوفة، هل كان لعبيد الله بن زياد -الوالي الجديد للكوفة- أن يقف أمام هذا الجيش الكبير الذي على رأسه نجباء وشخصيّات معروفة من قريش وبني هاشم؟ لو حصل ذلك لكانت سقطت الكوفة. وبسقوط الكوفة، تسقط البصرة، ما يعني سقوط العراق. ومع سقوط العراق، فمن المتيقّن أن تلحقه المدينة ومكّة وتسقط الشام أيضاً، وتتغيّر الحكومة، ويتبدّل تاريخ الإسلام. وعوض قرنين من الضغط والتضييق، كانت ستعود حكومة آل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ولو عادت حكومة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، لكان من المحتمل جدّاً أن يبلغ الإسلام الذروة في العالم، بدلاً من ١٤ قرناً من الانزواء. ولعلّ الحضارة اليوم والصناعة، والتكنولوجيا، والعلم والثقافة كانت ستكون مختلفة كلّيّاً عمّا هي عليه الآن.

عندما شاهدت بعض هذه الشخصيّات الكبيرة الإمام الحسين عليه السلام يتحــرّك وقال لهم: هيّا تحرّكوا، ضربــوا كفّاً على كفّ وقالوا له: الآن، الظروف ليست مؤاتية!! الآن العدوّ قويّ. وعندما قالوا له: الآن، فهم جعلوا الزمان دخيلاً، وجعلوا الظروف دخيلةً(9).

* ما هو توجيهكم في مسألة "البصيرة"؟
في كلّ زمان ثمّة حركة مطلوبة (متعيّنة) على المجتمع الإسلاميّ. ففي كلّ عصر، يوجد عدوّ وجبهة وخصم يُهدِّد الإسلام والمسلمين، ويجب أن يُعرف ذلك العدوّ. نحن اليوم مكلّفون بأن نتدارك بأعلى درجة ممكنة، تلك اليقظة والتنبّه والاهتمام ومعرفة الأعداء ومعرفة التكاليف بالنسبة إلى الأمّة الإسلاميّة والعالم الإسلاميّ(10).

* هل يمكن اعتبار عاشوراء نموذجاً في تحديد "حاجة الزمان"؟
إنّ مشكلة بعض الأفراد والجماعات هي أنّهم ليسوا بلا إيمان، وبلا شوق ومحبّة، لكنّهم ليسوا من أهل معرفة الزمان. ينبغي معرفة اللحظة، والحاجة. لنفرض أنّ أشخاصاً في الكوفة كانت قلوبهم تفيض بالإيمان وعامرة بمحبّة الإمام الحسين وأهل بيته عليهم السلام، إلّا أنّهم وردوا الميدان متأخّرين بضعة أشهر(11) وقد استُشهدوا جميعاً، وعند الله أجرهم، إلّا أنّ العمل الذي كان عليهم أداؤه لم يكن ذلك العمل الذي قاموا به، لم يعرفوا اللحظة، لم يعرفوا عاشوراء، لم يؤدّوا العمل في الزمان (المطلوب).

إنّ معرفة الوقت وتشخيص اللحظة والقيام بالعمل في وقت الحاجة لَهي أُمورٌ في غاية الأهمّيّة(12).


1- كلمته في لقاء العلماء وطلّاب العلوم الدينيّة، 29/7/1992م.
2.في خطبــة الجمعـــة فـــي طهران عاشوراء 1416هـ، 9/6/1995م.
3.في جامعة العلوم الإسلاميّة الرضويّة، 2/9/1987م.
4.بحار الأنـــوار، المجلســـي، ج45، ص358-362.
5.في لقاء عوائــــل شهـــداء قائن، 30/8/1999م.
6.تاريخ الطبريّ، ج4، ص289.
7.في جلســـة أسئلـــة وأجـــوبة، 26/4/1981م.
8.في لقاء العلماء وطلّاب العلوم الدينيّة، 29/7/1992م.
9.في لقاء اتحادات الطلبة الإسلاميّة في مختلف مناطق البلاد، 3/11/1986م.
10.في لقاء العلمــــاء وطلّاب العلـــوم الدينيّة، /7/1992م.
11.أنســـاب الأشـــراف، البلاذري، ج6، ص366.
12.في لقاء أعضــــاء شورى تبليغــات إسلامي، 19/1/2010م.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع