قد يخلو من المال جيب، فيقال: "ليس لديّ ما أتصدق به"،
ولكن أن تلقى أخاك بوجهٍ طَلِق بشوش بسّام، هو سرورٌ عدّه الإسلام صدقةً وعمل خيرٍ
تُثاب عليه. لكن هل يعقل أن يكون التبسّم صعباً إلى هذا الحدّ عند بعض الناس؟
•البسمة صدقة
كان نشاطاً، بقدْر بساطَته وتواضعه بقدْر فرادَتِه وجماله وأهميّته، قامت به جمعيّة
"لين" بنَشر البسمة، لتدخل إلى كلّ بيت ومحلّ وشارع، بل إلى كلّ قلب.
أُعجب الناس بالفكرة، ولكنّهم انقسموا. أغلبهم تبسّم ملء فمه وروحه، وبعضهم وجدَ
أنّ الحزن يطغى على الفرح ولا مكان للابتسامة على وجوههم؛ فهموم القلوب تُبدّد
ابتسامات الوجوه.
ولكن أليس المؤمن بِشرُه في وجهه وحزنُه في قلبه، كما علّمنا أمير المؤمنين عليه
السلام؟ أَلَم يُسمَّ البَشر كذلك بسبب البِشر، كما جاء في بعض الروايات؟
هنا يُكشف النقاب عن واقع اجتماعي محبَط ومحبِط. فالكآبة تنتشر كالعدوى وكذلك
الابتسامة، ووجوه الناس مرايا تعكس جوهر الأرواح، والابتسامات شموسٌ تبدّد ظلمة
الكآبة. هذا ما كشفه لنا نشاط "لين" في يوم البسمة.
فما هي "لين"؟ وما سرّ ابتسامتها؟ وإلى أيّ حد نتذكّر صدقة اسمها "البسمة"؟!
•جمعية "لين"
"جمعية تُعنى بنشر القيم الجمالية". هكذا تستهل "لينا خليل" حديثها عن جمعية "لين"
التي تديرها.
"يوجد الكثير من القيَم في تراثنا الديني والثقافي. منها ما هو بارز وظاهر والقليل
مَخفيٌّ أو مُهمل. ربما ظروف الحياة المعيشية أو الحروب التي عشناها ونعيشها جعلتنا
ننسى بعض الجمال أو نَغفل عنه. فكانت "لين" لتذكّرنا بهذا الجمال المنسي في
المجتمع".
•ما سرّ الاسم "لين"؟
قال الله تعالى مخاطباً نبيّه موسى عليه السلام عندما أمره وأخاه بالذهاب إلى
فرعون: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا﴾ (طه: 44).
وما أجمل من اللّين في القول والفعل! فباللّين نبدّل ونغيّر ونعمّر الأرض وننشر
الجمال.
توجّهنا إلى "بتول زين الدين" وهي ناشطة في الجمعية وسألناها عن أهمّ الأنشطة التي
قامت وتقوم بها "لين"، فقالت: "أصبح عمر "لين" ما يقارب ثلاث سنوات. انطلقنا في
عاشوراء، وصار نشاطاً سنوياً ثابتاً أن نقوم بتنظيف طرقات المسيرة العاشورائية بعد
انتهائها، لتكون مسيرة راقية جميلة من بدايتها حتى النهاية. كما نقوم بجولات على
المدارس لنشر الوعي البيئي والجمالي.
أما في ذكرى مولد نبينا الحنون محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فنوزع آلاف الورود
والبالونات والحلوى على المارة والمحلات، ونعزف الموسيقى المفرحة، ونحاول أن ننشر
البهجة والسرور، كما نتعمّد توزيع الشتول الزراعيّة، خاصة على ربّات المنازل
للتشجيع على الاهتمام بالنبات.
وأخيراً وليس آخراً، نقوم في عيد العمال بالالتفات إلى الأطفال الذين فَرضت عليهم
ظروف الحياة أن يعملوا؛ فنُهديهم القصص والكرات، حتّى يعيشوا طفولتهم، ويعلموا أنّ
القراءة والعلم واللعب من حقوقهم.
وآخر نشاط انضم إلى سلسلة الأنشطة الثابتة هو "يوم البَسمة" في مولد الإمام الحسن
عليه السلام".
•يوم البسمة
ضجّ شارع بئر العبد في الضاحية الجنوبيّة بمجموعة "لين" التي نزلت بزينتها وسلالها
وبالوناتها وأكياس الحلوى التي تجاوزت الألف، عليها شعار: "البسمة في وجه أخيك
صدقة". "تبسّم على حبّ الإمام الحسن عليه السلام"، كانوا يرددون فتعلو
الابتسامات الوجوه رغم الهموم والتعب.
أجل، إنّها الابتسامة، صدقةٌ قد تبدو صعبة بالنسبة إلى بعض الناس، وهذه نماذج:
- "اعذروني أنا لا أستطيع التبسّم". قال رجلٌ فَقَد زوجته حديثاً كما أخبرنا.
- "أنا مريضة".. قالت عجوزٌ تتكىء على عكّازها.
- "صعبة.. صعبة كتير". قال شابٌّ يرتدي ما يُظهر عضلاته فوكزته خطيبته معاتبةً..
فعاد وابتسم.
كل الناس ابتسموا. الرجال والنساء والشيوخ. ابتسامات جميلة، أجملها ابتسامات
الأطفال.
•سِحر البسمة
ربّما لم يعلموا جميعاً أنّ ما يفعلونه صدقة، ولكنّهم حتماً شعروا بجمالها وسحرها.
- "لقد أزالوا الكآبة عنّي فعلاً. لقد كنت مكتئباً قبل وصولهم". أسرّ لنا صاحب أحد
المحلات الذي تبعنا إلى الخارج.
مجموعة "لين" نفسها التي خططت للنشاط بعناية وتحضير كبيرَين لم تتوقّع هذا المستوى
العالي من الأثر الجميل.
- "الحمد لله، أكثر من ألف ابتسامة في أقل من ساعة". قالت "لينا خليل" مبتسمة بنجاح
النشاط.
- لقد فهمنا اليوم معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
"إنّكم لن تسَعوا الناس بأموالكم، فالقوهم بطلاقة الوجه وحسن البشر"(1).
هكذا عبّر أحد المشاركين في النشاط.
انتهى النشاط قبل موعد الإفطار. وكثيرون حملوا معهم ما طبعته "لين" من أحاديث، وما
وزّعته من تمر وزبيب وحلوى، وأخذوا قسطاً منه إلى بيوتهم، وطبعاً نقلوا شعار نشاطها
أيضاً: "بسمةٌ على حبّ الإمام الحسن عليه السلام".
•صدقة لا تكلّفك شيئاً
هذا هو الجمال، وهذه صورة المجتمع الجميل. أن تلقى أخاك بوجهٍ طلق، تلك صدقةٌ لا
يخلو منها قلب. هذا هو الدين والإيمان، بل هذا من صفات الإنسانية الحقّة. ألم يكتشف
الفرزدق هذه الحقيقة عندما نظر إلى إمامنا زين العابدين عليه السلام فقال:
فما يُكلّم إلّا حين يبتسمُ(2)؟! |
يغضِي حياءً ويُغضَى من مهابته |
فأيّ دينٍ عظيمٍ ذلك الذي جعل حتّى من البسمة صدقةً ومعروفاً؟!
1. الكافي، الكليني، ج2، ص 103.
2. روضة الواعظين، النيسابوري، ص200.