اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

المدد الإلهي ودوره في تحقيق النصر

الشيخ حسين زعيتر*


لقد هدفت الرسالات الإلهية إلى توحيد الرؤية حول الإيمان بالله الواحد من خلال النظرة التوحيدية للعالم الذي يشمل ببعديه الشهودي والغيبي دائرة الفيض الإلهي الذي سرت ينابيعه في شرايين العالم الأكبر الجامع لجميع الفيوضات والألطاف الإلهية التي أظهرت الإنسان في أحسن صوره الإنسانية فكان العالم والمدرك للحقيقة الكلية الجامعة لصفات الكمال والجمال.

وكان مستودعاً للعلم الإلهي وكان الخلق كله لأجله ومن أجله، إن انجذاب الإنسان للجمال واحد من أهم مرتكزات الإيمان بهذه الحقيقة التي تجلت أولاً في صورة الإنسان التي تعكس صفات الجمال الإلهية "إن الله خلق آدم على صورته" والتي حملت معها كل الاستعدادات والقابليات لبلوغ الكمال في خط تكاملي لمسيرته على الأرض مستفيداً من الإمكانيات الهائلة وفي طليعتها قوة الإدراك والعقل التي تمثل إلى جانب الوحي الظاهري للأنبياء نبوة باطنة منفطرة على الحب والعشق لصفات الكمال والجمال المطلقة المنحصرة في الذات المقدسة "تعالت أسماؤه".

إن تصور الإدراك والعلم الإنساني على أيدي الأنبياء عليهم السلام والتي ساهمت رسالات رسالات السماء في صياغتها والتي أنتجت للبشرية أمثال الفيلسوف والعالم صدر الدين الشيرازي، وأبو علي سينا، والإمام الخميني قدس سره، وغيرهم الذين ساهموا في بناء الفكر الإنساني المرتكز على الاستدلال العقلي بأبعاده الشهودية والفلسفية والعقائدية والمنطقية، فالإنسانية مدينة لمثل هؤلاء العظماء الذين صنعوا بأعين الله ووحيه ليشكلوا حلقات متواصلة مع أنوار الأنبياء والأئمة عليهم السلام. فالإنسان دائماً هو المحور الأساس بين طرفي الغيب والشهود بل الإنسان هو الغيب والشهود بوجهيه والإنسان هو نقطة البداية في سفر الوجود "أول ما خلق الله نوري" الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ولقد جسد نبي الإنسانية جمعاء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله المعنى الحقيقي للإنسان الكامل لانعكاس الرحمة الإلهية التي أفاضها الله تعالى على البشرية، وبذل عمره الشريف في سبيل تحقيق المعنى الحقيقي للتوحيد وللعبودية الخالصة للواحد الأحد، لقد شكل الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله بسيرته وأخلاقه وعبوديته لله تعالى ودعوته إليه لإقامة الحق والعدل وتأسيس الدولة الإلهية القائمة على أسس العدل والقسط والرحمة أنموذجاً فريداً في تاريخ البشرية إلى قيام الساعة.

وكانت كل مفردة من مفردات الرسالة صورة مشعة في شخصيته أضاءت للإنسانية طريق الهداية والصلاح أليس علم الله وحكمته هما القرآن العظيم الذي نزل على قلبه ص وكان وعاء له. إن حقيقة الشخصية الإلهية للإنسان لم تنفصل في حضورها بعالمي الشهود والغيب لأن الغيب والشهود في الحقيقة هما عالم واحد متصل لا كثرة فيه ومترابط ارتباطاً وجودياً وإذا افترضنا غيباً ما فإن الستار الذي يحجب هذه الحقيقة هو داخل الإنسان الذي نأى بروحه وعقله عن هذه الحقيقة ولعل كلام سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين ع في دعاء عرفة يعطي هذا المعنى حيث يخاطب المولى تعالى "متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك عميت عين لا تراك عليها رقيباً وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيباً".

فالعماء الروحي هو الحاجب الأكبر بين الإنسان والخالق وبين الإنسان وعالم الغيب لأن الغيب في ذلك هو انفصال الإنسان عن هذه الحقيقة بإنيّته وأنانيته وهذا أصل الابتعاد عن دار الحق والوصول، ولقد أشار الإمام الحسين عليه السلام إلى ذلك بالحب فحصوله وعدمه يعتبر حداً فاصلاً "وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيباً" فهذا الخسران هو الابتعاد عن مصدر النور الإلهي. فالأنا هي بمعنى الاستقلال والابتعاد عن المصدر هي حجاب ظلماني يوجب الحرمان من محبة الله ويكفي بيان ذلك ما جاء به الوحي في خطاب الباري جلّ وعلا لمن وضع الأنا بينه وبين خالقها قال تعالى: قال يا إبليس ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي استكبرت أم كنت من العالين ﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ص/75-78 هذه الأنا أعمت عليه حقيقته المفتقرة إلى محبة الله ورحمته فكانت سبباً للابتعاد عن النور.

* تلازم بين العقائد الفاسدة وانحراف الأمم:
لقد أناخ الأمم وأعمى عليها بصيرتها هذا النوع من الاستكبار فأذاقها الله وبال أمرها وأركانها إلى ما حملت به من عقائد فاسدة ومظلمة انحرفت بها عن مصدر النور الإلهي حيث ظهر الفساد في برها وبحرها بما كسبت واعتقدت وظلمت وافسدت رغم كل مظاهر القوة التي تمكنت بها ولعل هذا العصر هو من أكثر العصور التي سادت فيه مظاهر الظلم والفساد والانحراف عن حقيقة العلم والحق والعدل والرحمة والفضيلة، وأن الصراع القائم في العالم يحتاج إلى دحو عقائدي وثوري مبني على أساس "أن هذا العالم في محضر الله وفي محضر الله لا تفعلوا المعصية" الإمام الخميني قده والمعصية هنا كل ما وجب لوقوع الضرر والاضرار في المجتمع الإنساني والذي يلقي بأعباء المسؤولية على عاتق من هم في موقع التحدي والمواجهة مع أئمة الكفر الذين بلغوا أقصى درجات البغي والفساد بكل أبعاده الأخلاقية والاجتماعية.

إن حقيقة هذه المواجهة ترتبط بشكل مباشر وواقعي بحركة الرسالات والرسل واتباعهم من جهة، وبالمقابل حركة المستكبرين والمفسدين الذين يشكلون امتداداً تاريخياً لكل الطواغيت والظلمة على مر العصور، لذلك فإن هذا العصر يشكل بالبعدين الإلهي والطاغوتي بلحاظ المواجهة عصارة لكل التجارب الإنسانية السالفة التي تلقي بثقلها على عاتق أصحاب حركة الرسالات لتشكيل جبهة الحق والعدل والانتقام من كل ما هو في موقع الانحراف والإفساد في العالم.

* التمسك بالقيم:
لقد عبأ الاستكبار لهذا المعركة كل طاقاته وقدراته مستفيداً من التقهقر والترهل الذي أصاب المعسكر من طاقات وامكانيات هائلة على المستوى البشري والفكر الإنساني والقيم المعنوية والأخلاقية ومن إرادة غير مقيدة بحدود المادة تجعله مؤهلاً لاحتلال موقع المواجهة وبجدارة ليكون النقيض للمشروع الاستكباري بكل ما يحمل من مخاطر لهذه المواجهة خصوصاً إذا ما كان السلاح الأقوى في هذه المواجهة هو في يد المعسكر الذي يسميه الإمام الخميني قده بالمستضعفين، وعلامات النصر شاهدة في كل العصور على طواغيت كل عصر في تاريخ البشرية. والقرآن الكريم أفاض بها ولعل ظاهرة فرعون التي تمثل أعلى مستوى في الطغيان والعناد هي الأبرز في هذه الدائرة البشرية السالفة. يخرج عليه الفتى موسى الرسول ع ليدمر كل العقائد الفاسدة التي بنى عليها فرعون مملكته...﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا الروم/9.

* سلاح المواجهة:
إن سلاح فرعون وقدراته المادية وجبروته لم تمنع موسى ع مواجهته والذي كان بمثابة الأعزل إلا مما حمّله الله سبحانه وتعالى من عقائد سامية ودين قيم وراء يده وعصاه التي لقفت ما أفك السحرة وكاد فرعون. لقد أعطى الأنبياء للتجربة الإنسانية القمة الحقيقية للمفاهيم الإلهية والسماوية وكان اعتمادهم مرتكزاً على قدرة الله تعالى الخالق الباري المصور القاهر فوق عباده ولم تكن عزائمهم إلا بمستوى هذه الإرادة في تحقيق النصر على الطواغيت وأن النصر بأبعاده الإنسانية يشكل نقطة تحول في حياة الأمم ليدفع بها نحو بناء المجتمع العادل ذي الأبعاد الإلهية والبحث في أسباب النصر في أي حقبة من تاريخ الأمة يحتاج أولاً إلى دراسة معمقة حول شخصية الأمة وهويتها وماهيتها وعمقها وتاريخها وعقائدها... إن أول ما تحتاجه الأمة في حركتها الإنسانية في مواجهتها لأي مشروع مخالف للقواعد الإنسانية هي صبغتها ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ البقرة/138 لقد عطى الله تعالى لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم صبغة لم تحظ بها أي من الأمم من قبلها حيث قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ آل عمران/110.

وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًاالبقرة/143. إن النصر بمفهومه الإلهي مرتبط بشروط وأسباب جوهرية في حصوله وتحقيقه، وأن الإمداد الغيبي في حضوره لدفع أسباب هذا النصر ليس إلا من قبيل قابلية القابل والاستعداد لتلقي أي تدخل في ساحة المواجهة. وعطفاً على ما تقدم أن حقيقة الغيب بالمفهوم الإنساني العام هو تدخل ما هو خارج عن طبيعة المعركة وتقاليدها. لكن في البعد الإلهي فالأمة التي تستعد للمواجهة يجب عليها أن تعي أنها مستوفية للشروط الإلهية والإنسانية أم لا؟ وإذا ما تحققت فيها تلك الشروط فإن جنود السماوات والأرض حينئذٍ تخوض حربها.. فليس المعيار شيئاً آخر، وليس في عقل هذه الأمة الباطني شيء يمنع من استنفار كل جنود الرحمن ودخولها في معركتها ولقد تشتت جموع المسلمين في حنين وكانوا كثرة، فالمعيار إذاً تحقيق الشروط وأهم الشروط هو إسقاط الأنا من حسابات الجموع وحضور عظمة الخالق في نفوسهم وأن النصر بيده والهزيمة بيده ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا التوبة/25.

لهذا أن الاستعداد لمواجهة المشروع الاستكباري بما يمثل اليوم في العالم من طواغيت على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني الغاصب يحتاج في الدرجة الأولى حضورنا في ساحة الإمداد واللطف الإلهي الشهودي الغيبي على كلا الوصفين فلا مانع من ذلك وليس العكس، إن إرادتنا في صناعة النصر بالتوكل على الله وأنه هو العين التي نرى بها واليد التي نبطش بها ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى الأنفال/17 هي الكفيلة بحشد كل الجنود الإلهية في هذا العالم وانضمامها إلى معسكرنا. وأن العزم في صناعة القرار والإرادة تحتاج إلى العلم والمعرفة بحقيقة هذا العالم الذي انبسط من يد القدرة والجبروت الإلهي وأن الإنسان بما يمتلك من إيمان وعلم بحقيقة القدرة الإلهية قادر على أخذ المبادرة في تحقيق الوعد الإلهي للبشرية في سياقها التدافعي والتكاملي نحو قيام الدولة الإلهية العالمية على يد مخلص البشرية الحجة بن الحسن المهدي عجل الله فرجه وما هذا الجمع المبارك لأولياء الله تعالى في المقاومة الإسلامية وحزب الله إلا بارقة امل في تاريخ ومستقبل الأمة نحو التمهيد لهذه المرحلة الكبرى من الصراع في العالم الذي لو لم يبق من هذه الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج قائم آل محمد عجل الله فرجه  ليملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

فتاريخنا مليء بما يحمل إلينا ما نستعد به للمرحلة المقبلة وحاضرنا يضج بما صنعه أولياء الله في معركة النصر المظفرة خلال السنوات الماضية والتي حطمت بيد القدرة الإلهية جبروت بني صهيون في هذا العصر. والمستقبل يحمل إلينا البشرى لإقامة المجتمع الإنساني في ظل دولة الإسلام العادلة التي ستحطم وتجتث كل أصنام الضلال والفساد تحت لواء وحدانية الله الواحد القهار مصدر الخير والنور والرحمة به نستعين وإليه ننيب.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع