الجفر عند كثير من الناس عنوان لكتاب يحتوي المغيَّبات
ويتحدث عن المستقبل، فتراهم ينسبون كثيراً مما يتوقعونه في مستقبل الأيام إلى كتاب
الجفر والذي ينسبونه إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
* أين هو الجفر؟
وإن سألت المتحدِّثين عن هذا الكتاب أين هو؟ فانك ستسمع
أجوبة مختلفة تتبعها بعض المفاجآت.
1) فبعضهم قد يرشدك إلى كتاب مطبوع وقد كتب على غلافه "كتاب الجفر للإمام علي بن
أبي طالب"، لكنك تتفاجأ حين تقرأ أول الكتاب فسوف تقرأ أن كاتب مقدِّمته الشيخ
كمال الدين لا يدَّعي نسبة الكتاب إلى الإمام علي عليه السلام، بل يدَّعي أنه كتب
بعد مكاشفة حصلت مع صديقه كان لصاحب المقدِّمة علاقة بها، وعلى أثرها تضرع الشيخ
كمال الدين إلى الله ليكشف له أسراراً كانت المادة التي ملأت هذا الكتاب.
2) وبعضهم قد يرشدك إلى كتاب اسمه "الجفر" وعلى غلافه أنه لأمير المؤمنين عليه
السلام ولكن المفاجأة حين قراءته فصاحبه لا ينسبه إلى أمير المؤمنين عليه السلام بل
هو "رشحة غيبية ومسحة وهبية" على حد تعبيره حصلت لصاحب المقدمة، والظريف
المضحك المبكي في هذا الكتاب أنه حينما يتحدث عن علم الجفر يذكر أنه منقول عن أمير
المؤمنين عليه السلام الذي صعد المنبر في الكوفة وخطب خطبة البيان. وتكلم بما شاهده
حتى أدهش السماع "وكان الإمام جعفر الصادق حاضراً سامعاً فأثبت ما ادّعاه
بالسماع من الإمام علي رضي الله عنه وجعله في رق من جلد الجفر". وليت شعري ألا
يدري هذا الجاهل أن الإمام الصادق عليه السلام، يقع في الرتبة الثالثة من أحفاد
الإمام علي عليه السلام، وأن بين شهادة أمير المؤمنين عليه السلام وولادة الإمام
الصادق عليه السلام حوالي 40 سنة.
3) وبعضهم يرشدك إلى كتاب حمل اسم "الجفر الجامع والنور اللامع لأمير المؤمنين علي
بن أبي طالب كرم الله وجهه. وهذا الكتاب كسابقيه لا ينسبه المؤلف إلى الإمام علي
عليه السلام بل إلى نفسه بعد رؤيا حصلت من المدينة المنوَّرة.
* من حصل على الجفر؟
والغريب في موضوع الجفر أن بعض المؤرخين حين يتحدثون عن حصول البعض على كتاب الجفر
فينقل صاحب "وفيَّات الأعيان" أن ابن تومرت ظفر به، وينقل غيره انه موجود عند بني
عبد المؤمن في المغرب الأقصى في حين ينقل البستاني أن السلطان سليماً العثماني
الأول حصل عليه.
* تُرى ما هي الحقيقة؟
لكن حينما نرجع إلى أهل البيت عليهم السلام لنسألهم عمَّا فيه نرى بطلان كل ما تقدم
في موضوع هذا الكتاب. إلا أنّا نطلع على نصوص واردة عنهم تفيد أن للجفر واقعاً وانه
كتاب يتحدث عن الغيب فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إني نظرت في كتاب الجفر
صبيحة هذا اليوم، وهو الكتاب المشتمل على علم البلايا والرزايا، وعلم ما كان وما
يكون إلى يوم القيامة...". وتفيد النصوص الناظرة إلى كتاب الجفر أن أصله أحاديث
لخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله قد اطلع أمير المؤمنين عليه السلام عليها
فكتبها على جلد جفرة أي شاة قد سلخت، لكن تؤكد هذه الأحاديث انه كتاب خاص قد "خصَّ
الله تقدَّس اسمه به محمداً والأئمة من بعده عليه وعليهم السلام" وانه لا يحق
لغيرهم النظر فيه، فعن الإمام الكاظم عليه السلام: "وليس ينظر فيه إلا نبي أو
وصيّ نبي". من هنا نعلم أن حديث الناس عن الجفر له أصل، لكنه بعُد عن الحقيقة
بسبب الجهل أو شيء آخر!!.