أبى الله إلا أن تكون ولادته في جوف الكعبة بل حدَّثنا خاتم الأنبياء عن ولادة سابقة على هذه الولادة فقال صلى الله عليه
وآله: "إن الله تبارك وتعالى خلق علياً من نوري وخلقني من نوره وكلانا من نور واحد.
ثم إن الله عز وجل نقلنا من صلب آدم عليه السلام في أصلاب طاهرة إلى أرحام زكية
فما نقلت من صلب إلا نقل علي معي..."
* ولما كانت الليلة التي ولد فيها علي عليه السلام أشرقت الأرض، فخرج أبو طالب وهو
يقول: "أيها الناس ولد في الكعبة ولي الله...".
* في بدء الدعوة النبوية أعلن خاتم الأنبياء، رغم الصغر وفارق الثلاثين أخوَّته
فناله لسان "أخي" من الخاتم الأكرم.
* بل أكد صلى الله عليه وآله الارتباط الشديد بقوله: "لحمه لحمي ودمه دمي".
* بل اعتبره الله تعالى نفس النبي في أية المباهلة.
* وطهَّره من كل رجس في آية التطهير.
* واوجب حبَّه في آية المودة.
* ونالته الولاية العظمى في آية الولاية.
* و... و... و...
* وأكرمه الله مقاماً محموداً يوم القيامة يسقي على حوض الكوثر، ويكون قسيم الجنة
والنار ومحور الجواز على الصراط، وهنالك هنالك في الجنة.
* تُرى ما هو سرُّ المقام العلي لأمير المؤمنين علي عليه السلام؟
* أهو إسلامه الأول؟
* أو مبيته على فراش النبي صلى الله عليه وآله الذي باهى الله به ملائكته؟
* أو قتله نصف المشركين القتلى في بدر ومشاركته في النصف الآخر؟
* أو قتله لعمرو بن ود العامري الذي كان يستهزئ بالمسلمين دون أن يجرؤ أحد على
قتاله، لأنه يقدّر بألف فارس؟
وقتله علي عليه السلام بضربة سيفه التي حافظت على استمرار الإسلام ونالت تنويه
النبي: "لضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين".
* أو فتحه لباب خيبر الذي عجز عن فتحه أكف أربعون وأربع بعد أن قال النبي صلى الله
عليه وآله فيه: "لأعطينَّ الراية غداً رجلاً يحبُّ الله ورسوله وَيحبه الله
ورسوله يفتح الله على يديه كرار غير فرار"؟
* أو تصدُّقه بخاتمه لذلك الفقير الذي دخل المسجد طالباً الصدقة فلم يُعطَها من أحد
وعلي عليه السلام يصلي فأشار إليه وهو في صلاته وأعطاه خاتمه فكانت الحادثة مناسبة
لآية الولاية
﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾؟
* أو... أو... أو...
* هل سرُّ مقامه العلي:
ضربة سيف استعد لها استشهادياً في فراش النبي صلى الله عليه وآله وسدَّدها مقاتلاً
في جيشه أم سرُّه خاتم العطاء ذلك؟
* فهم خاطئ
اعتقد البعض أن سرَّ المقام يكمن في البُعد الماديّ للعمل، فتساءل عن سبب نزول آية
الولاية في خاتم يُتصدَّق به في الصلاة، فكانت النتيجة عند هذا البعض أن الخاتم لا
بدَّ أن تكون له قيمة مادية كبرى، فكانت النتيجة عنده أن قيمة خاتم علي عليه
السلام كانت تساوي خراج بلاد الشام أي ضرائبها. ولم يعلم هذا البعض أن علياً عليه
السلام لم يكن ليلبس خاتماً كهذا وهو في جوار الفقراء الجاثمين في مدينة النبي صلى
الله عليه وآله. وتصوَّر بعض الأصحاب الذين علموا بالحادثة وسمعوا الآية، ولعلهم
كانوا في المسجد وقت دخول ذلك الفقير إلا أن أنفسهم أبت التصدّق، تصوَّر هؤلاء أن
مجرَّد التصدق بالخاتم أثناء الصلاة يكون سرّاً في القيمة عند الله تعالى، فقال
احدهم تصدَّقت وأنا في الصلاة بثلاثين خاتماً لينزل فيَّ ما نزل في علي عليه
السلام فلم ينزل، وزاد الآخر عشرة فحدَّث عن تصدّقه بأربعين خاتماً في صلاته لينزل
ما نزل فلم ينزل، هذا حدث في التصدق بالخاتم، لكنه لم يتكرَّر في مبارزة أمثال عمرو
بن ود العامري لأن لذلك الأمر رجالاً من نوع آخر.
* سرُّ المقام
وإذا لم يكن السرُّ في صورة الضربة وقيمة الخاتم فأين هو؟
إنه دين علي وإخلاصه لله تعالى.
* إخلاصه الذي جعله يترك عمرو بن ود حياً وهو يستطيع قتله
فيذهب ناحية ثم يرجع ويقتله.
لماذا فعلت هذا يا علي؟! انه سؤال كل المشاهدين لتلك الواقعة التاريخية التي بلغت
القلوب فيها الحناجر. فإذا بهم يسمعون سرَّ المقام لعلي من مشهد الضربة قرب الخندق.
لكن لا من السيف بل من إرادة علي عليه السلام التي حرَّكت السيف، وذلك حين أقبل
علي عليه السلام ليقطع رأس عمرٍ فجلس على صدره، فتفل اللعين في وجه الإمام علي
عليه السلام الذي غضب، لكن غضبه لم يحرِّكه بل قام عن صدره يتمشَّى حتى سكن غضبه ثم
رجع وقتله في الله. وإن سرَّ نزول آية الولاية ليس قيمة الخاتم بل قيمة الإخلاص
الذي حمله أمير المؤمنين عليه السلام في قلبه. إنه الإخلاص إنه السرُّ الذي يجب أن
نتعلمه من علي عليه السلام لنتخرَّج من مدرسته فائزين.