مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

ليست من الشعائر

الشيخ إسماعيل حريري(*)

﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (الحج: 32).
لقد اتخذ لفظ الشعائر حيّزاً كبيراً في الخطاب الدينيّ الإسلاميّ حتّى بات يُطبَّق على كثير من المظاهر والأفعال والممارسات في شتى المجالات، وفي بعض الأحيان في أكثرها حساسية في حياة المسلمين، لأنّها تمسّ جانباً مهمّاً من دينهم، إن في جانب العقيدة أم في جانب الفقه العمليّ.


*معنى الشعائر
من الطبيعيّ في مقام تنقيح ضابطة الشعائر، وليكون هذا المفهوم واضحاً بالمعنى الدينيّ الإسلاميّ، أن نذهب إلى معرفة هذا المعنى لغةً، ولو بشكل مختصر، ومنه يتّضح المعنى الاصطلاحيّ دينيّاً.

1 - الشعائر لغةً

جمع شعيرة، وهي العلامة ويعبّر عنها بالشّعار، وأشعرتُ أيّ أعلمتُ. قال الجوهري في الصحاح: "والشعائر أعمال الحجّ، وكلّ ما جُعل علماً لطاعة الله تعالى..."(1). وفي لسان العرب لابن منظور: "الشعيرة: البُدْنة المهداة. وشِعار الحجّ: مناسكه وعلاماته وآثاره وأعماله... كالوقوف والطواف والسعي والرمي والذبح وغير ذلك"(2).

2 - المعنى الاصطلاحيّ

المتحصّل هو أنّ الشعائر لها جانب إعلاميّ، إذ هي علامةٌ على دين الله تعالى، فتكون الشعائر أعلام دينه، بحيث يُعرف بها الدين ومن يدين به من خلال الإتيان بها.
وبالتالي فكّل ما يكون من أعلام الدين وعلاماته الظاهرة، فعلاً كان أو حكماً أو سلوكاً فهو من شعائره.
وقد أضاف الله تعالى لشعائره جانباً آخر، وهو جانب التعظيم في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (الحج: 32).

فإذا ثبت شيء ما في حياة الأمّة أنّه من شعائر الله تعالى وأعلام دينه، كان تعظيمه أمراً مطلوباً، سواء على نحو الوجوب كشعائر الحجّ ومناسكه، أم على نحو الاستحباب كالأذان، وإقامة مجالس الذكر، لا سيّما ذكر النبيّ وآله الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين.

*الهدف من إحياء الشعائر الدينية
هناك سؤال: ما هي المصلحة الدينية في إحياء ما يطلق عليه شعيرة وشعائر؟

إنّ دين الإسلام، بل مطلق دين إلهيّ، في حقيقته هو مجموعة قيم ومبادىء يلتزم بها الإنسان إيماناً منه بأحقيّتها وصوابيّتها دون غيرها، فيعتقد بها قلباً ويعمل على ترجمتها واقعاً في سلوكه ومواقفه. ومن هذه القيم والمبادىء: الإيمان بالله تعالى ورسله وأنبيائه وكتبه، وما أتى به الأنبياء والرسل من تعاليم الحقّ والعدل من عند الله الحكيم جلّ وعلا، والإيمان بإقامة العدل والقسط، والإحسان إلى الناس ونصرة المظلوم على الظالم، والمناداة بالقيم السامية والمبادىء الإلهيّة الراقية التي تأخذ بالإنسان نحو مدارج الكمال والرقيّ، والتقدّم في الحياة الدنيا والحياة الآخرة بما يضمن له السعادة في الدارين.

ثم إنّ هذه القيم والمبادىء يحتاج الناس جميعاً إلى تذكّرها حتّى لا يخرجوا في سلوكيّاتهم عنها، لأنّ الإنسان بطبعه قابل لأن يخالف تلك المبادىء والقيم إذا سها عنها وغفل، وصارت عنده في معرض النسيان، فيحتاج إلى ما يذكره بها، وليس ذلك إلّا بإحياء أعلام الدين وشعائره من خلال الممارسات الخارجية طبقاً لتلك المبادىء والقيم، وتكون وظيفة هذه الشعائر وملاك إحيائها هي التذكير بقيم الدين الحقّ ومبادئه التي أرستها الشرائع السماوية، وخصوصاً الشريعة الإسلامية الحقّة؛ ليبقى الإنسان مرتبطاً بدينه الحقّ، ولا يتخلّف في سلوكه واتّخاذ مواقفه عن تلكم المبادىء والقيم.

وهذا ما نراه جليّاً في الآثار التي تظهر في الأماكن، والمحلات التي تُحيى فيها شعائر الدين وأعلامه، كيف يرجع الناس إلى تلك القيم التي عبّرت عنها الشعائر ويتمسّكون بها، كما هي الحال في إقامة الجماعات في المساجد مثلاً، فإنّ إقامة الجماعة من المستحبّات المؤكّدة، بل هي من شعائر الإسلام(3). ولذا نرى تعاضد المصلّين ووحدتهم قلباً وقالباً كالجسد الواحد. وهذا يمثّل قيم الوحدة بين المسلمين والمؤمنين، وتعاطفهم وتكاتفهم فيما بينهم، ما يجعلهم أمام هذا المظهر الوحدويّ الناشيء من إقامة الجماعة، يذهبون إلى توطيد أواصر هذه الوحدة.

*الشعائر المقبولة
ليس من السهل القول إنّ هذا الفعل شعيرة دينية، ما لم يكن هناك دليل خاصّ أو عامّ يدلّ عليها. لذلك فإنّ الشعائر المقبولة بنظر الشريعة هي تلك التي دلّ عليها دليل خاصّ أو عامّ، لا ما يرتئيه شخص ما ويستحسنه بنفسه، وعليه فالشعائر المقبولة على قسمين:

1 - الشعائر المنصوصة:

وهي التي دلّ عليها دليل بخصوصها وهي كثيرة منها: إقامة الجمعة والجماعة، الأذان للصلاة، إقامة المساجد ومزارات الأنبياء والأئمّة والأولياء، إحياء أمر أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وخصوصاً النهضة الحسينيّة، ولا سيما في العشر الأوائل من شهر محرم، البكاء على سيد الشهداء، ولبس السواد على مصابه، إقامة المآتم ومجالس الذكر والعزاء، ومناسك الحجّ وعلاماته وآثاره وأعماله، وغيرها الكثير.

2 - الشعائر المدلول عليها بأدلّة عامة:

1.تعظيم المؤمن: فإنّه يجوز تعظيم المؤمن بما جرت به عادة الزمان وإن لم يكن منقولاً عن السلف، لدلالة العمومات عليه، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (الحج: 32)، وقال تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ (الحج: 30)، ولقول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخواناً"(4). فعلى هذا يجوز القيام والتعظيم بانحناء وشبهه، وربما وجب إذا أدّى تركه إلى التباغض والتقاطع، أو إهانة المؤمن. وقد صحّ أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قام إلى فاطمة عليها السلام(5)، وقام إلى جعفر عليه السلام لما قدم من الحبشة(6)(7).

2.التأسّي بأهل البيت عليهم السلام والتذكير بقضاياهم: ما يُنقل عن وصية بعض الشهداء بعدم وضع شاهد باسمه على قبره؛ تأسياً بقبر سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلامالمخفي والمجهول موضعه، فكأنّما يذكّر بقضيّتها وما جرى عليها من مآسٍ وأحزان ومصائب، حتّى أنّها دفنت سرّاً وأخفي قبرها. وهذا يندرج تحت عنوان عامّ وهو إحياء أمر الدين وأمر أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يكون من البدع التي أدخلت في الدين وليست منه.

3.تعظيم قبور الأولياء:
البناء على القبور ولا سيّما قبور العلماء والأولياء والصالحين، لأنّ هذا من تعظيم الشعائر المشمول في الآية الكريمة ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (8).

*ممارسات ليست من الشعائر
صار واضحاً أنّ أيّ فعل يمارس من قبل أفراد أو جماعات وليس عليه دليل خاصّ أو عامّ، لا يعدّ مقبولاً شرعاً، فضلاً عن أن يكون من شعائر الدين وأعلامه الظاهرة، فمن ذلك:

1 - تعظيم جميع الصحابة:
ما قيل من أنّ تعظيم الصحابة من شعائر الدين(9). وهذا في غير محلّه حيث لا دليل خاصّ ولا عامّ على ذلك، فإنّ من الصحابة من يستحقّ التعظيم والتقدير، ومنهم من ليس كذلك كما هو معلوم. فجعل عنوان الصحابة مناطاً للتعظيم، بل من شعائر الدين، هو بدعة في الدين. ثم إنّ الشعائر للتذكير بمبادىء الدين وقيمه السامية، وأنّى يحصل هذا في تعظيم الصحابة جميعهم، وقد ثبت ارتداد بعضهم، وانحراف بعض آخر، وتآمر وكيد بعض ثالث بالدلائل والشواهد التي ملأت الكتب والمصنفات في الحديث والتاريخ؟!

2 - ما يوجب توهين الدين:
كبعض الممارسات التي يقوم بها بعض الناس تحت عنوان إحياء الشعائر الحسينية ومنها ضرب الرؤوس بالقامات (هي سيوف مستقيمة، قصيرة وطويلة) إلى حدّ إخراج الدم، وغالباً ما يكون كثير الإدماء وهو المسمّى بـ "التطبير". وهذا الفعل لم يرِد فيه دليل خاصّ ولا عامّ ليكون مشروعاً، فضلاً عن أن يكون شعيرة دينية، وفي ذلك يقول الإمام السيد علي الخامنئي: "التطبير مضافاً إلى أنّه لا يعد عرفاً من مظاهر الأسى والحزن، وليس له سابقة في عصر الأئمّة عليهم السلام وما والاه، ولم يرد فيه تأييد من المعصوم عليه السلام بشكل خاص ولا بشكل عامّ، يعدّ في الوقت الراهن وهناً وشيناً على المذهب فلا يجوز بحال"(10). فأين الدلالة على القيم الدينيّة والتذكير بالمبادىء الحسينية من خلال شجّ الرؤوس؟ أليس في ذلك توهيناً لتلك المبادىء والقيم؟ ولذلك لا يمكن أن تكون هذه الممارسات الخاطئة من شعائر الدين وأعلامه التي تذكّر بقيمه الباهرة الناصعة، ومبادئه العادلة الحقّة.


(*)أستاذ في جامعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم العالمية، فرع لبنان.
1.الصحاح، ج 2، ص 699.
2.لسان العرب، ابن منظور، ج 7، ص 136، مادة شعر.
3.منهاج الصالحين، الشيخ إسحاق الفياض، ج1، ص 309.
4.جامع أحاديث الشيعة، البروجردي، ج16، ص302، ح11.
5.انظر سنن أبي داوود، ج 2، ص 645.
6.انظر الهداية، الشيخ الصدوق، ص37.
7.القواعد والفوائد، الشهيد الأول، ص 160.
8.صراط النجاة، ج2، ص 439.
9.فتاوى السبكي، ج2، ص 593.
10.أجوبة الاستفتاءات، الإمام السيد علي الخامنئي دام ظله، ج2، ص 124، س 375.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع