إبراهيم منصور
*في التحرُّك والتنقُّل لبلوغ الأهداف
قال الشاعر الطُّغرائي مؤيّد الدين الأصفهاني (1061-1121م) في قصيدته "لاميَّة العَجَم":
حُبُّ السلامةِ يُثني عَزْمَ صاحبه | عن المعالي، ويُغري المرءَ بالكَسَلِ |
إنَّ العُلا حدَّثتني وهي صادقةٌ | في ما تُحدِّثُ أنَّ العزَّ في النُّقَلِ |
لو أنّ في شرَفِ المأوى بلوغَ مُنًى | لم تبرَحِ الشمسُ يوماً دارةَ الحَمَلِ |
ترجو البقاءَ بدارٍ لا ثباتَ لها | وهل سمِعتَ بظلٍّ غيرِ مُنتقِلِ؟! |
أُعلِّلُ النفسَ بالآمالِ أرقُبُها | ما أضيقَ العَيْشَ لولا فُسحةُ الأملِ! |
وقد ذهبَ الشطرُ الأخير مذهبَ الأمثال.
*من أجمل الحديث
قال رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أنا سيِّدُ وُلْدِ آدم ولا فَخْر". الفخرُ ادّعاء العِظَم والكِبْر والشرف. ومعنى الحديث: أنا لا أقول ذلك تبجُّحاً، ولكنْ شكراً لله وتحدُّثاً بنِعَمِه(1).
*النَفَّاحُ وأسماءُ الله الحُسنى
يرى بعض اللّغويين أنّ النفَّاحَ هو الله عزَّ وجلَّ؛ لأنه ينفحُ عباده بالآلاء والنِّعَمِ، أي هو المُنْعِمُ على عباده. ويرى بعضُهم الآخر أنّه لم يَسْمَعِ النفَّاحَ في صفات الله عزَّ وجلَّ التي جاءت في القرآن والسنَّة، ولا يجوز عند أهل العلم أنْ يوصفَ الله تعالى بما ليس في كتابه، ولم يُبيِّنْها على لسان نبيِّه صلى الله عليه وآله وسلم.
وأصلُ الفعل: نفَحَ الطِّيبُ يُنْفَحُ نَفْحاً: أَرِجَ وفاحَ. أمَّا نافَحَ فمعناه: كافَحَ، أي ضارَبَ وقاتَلَ، ومنه حديث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ جبريل مع حسّان ما نافحَ عنّي"، يُريد هجاءَ المشركين ومجاوبتهم على أشعارهم. وفي حديث الإمام عليّ عليه السلام في صفّين: "نافِحوا بالظُّبَى"، أي قاتلوا بالسيوف، وأصلُه نَفَحَ، أي أنْ يَقْرُبَ أحد المقاتلين من الآخر بحيث يَصِلُ نَفْحُ كلِّ واحدٍ منهما إلى صاحبه، وهو ريحُه ونَفَسُه(2).
*من كلام العرب
تقولُ العرب: "شاةٌ قالِبُ لَوْن"، إذا كانت على غير لون أُمِّها. وفي الحديث أنَّ النبي موسى عليه السلام لمّا آجَرَ نفسَه من شُعَيْب عليه السلام، قال له شُعيب: "لك من غنمي ما جاءت به قالِبَ لوْن"، فجاءت به كُلِّه قالبَ لَوْن. تفسيرُه في الحديث أنّها جاءت بها على غير ألوان أُمَّهاتها، كأنَّ لونها قد انقلب. وفي حديث الإمام عليّ عليه السلام في صفة الطيور: "فمنها مغموسٌ في قالبِ لون، لا يشوبه غيرُ لون ما غُمِسَ فيه"(3).
*من غريب اللغة
يُوحُ: من أسماء الشمس، لا يَدخلُه الصرفُ ولا الألف واللام، وقد ذكره أبو العلاء المعرّي في شعره فقال:
"وأنتَ متى سفرْتَ رَدَدْتَ يُوحا"، وجاء في حديث الإمام الحسين بن عليّ عليهما السلام: هلْ طَلَعَتْ يُوحِ؟ يعني الشمس، وهو من أسمائها مثل بَراحِ، وهما مبنيّان على الكسر(4).
*فائدة لغويَّة ودينيَّة
جاء في التنزيل العزيز: ﴿وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ (يوسف: 18). رُوِيَ في التفسير أنَّ إخوةَ يوسف عليه السلام لمّا طرحوه في الجبّ، أخذوا قميصه، وذبحوا جَدْياً، فلطّخوا القميص بدم الجدي، فلمّا رأى يعقوب عليه السلام القميص قال: "كَذَبْتُم، لو أكله الذئبُ لمزَّقَ قميصه".
فقولُه تعالى: ﴿بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ جعل الدمَ كَذِباً؛ لأنه كُذِبَ فيه، كما قال سبحانه:
﴿فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ﴾ (البقرة: 16)، أي ما رُبحَ فيها. وقد يُستعمَلُ الكذبُ في غير الإنسان، قالوا: كذَبَ البرقُ، والحُلُمُ، والظَّنُّ، والرجاءُ، والطمعُ، وكذَبَتِ العين: خانَها حِسُّها. وكَذَبَ الرأيُ: توهَّمَ الأمرَ بخلاف ما هو عليه. وكَذَبَتْهُ نفسُه: منَّتْه بغير الحقّ(5).
*من الأضداد
وراءَ: تعني عند العرب، خَلْفَ وقُدَّامَ، فهي من الأضداد. جاء في التنزيل العزيز: ﴿وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ (الكهف: 79)، أي أمامَهُم. ومن معاني وراءَ: غيْر أو سوى، يقولُ عزَّ وجلَّ: ﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ﴾ (المؤمنون: 7)، أي سوى ذلك. وكذلك تأتي وراء بمعنى الضخم الغليظ الألواح. كما تعني وراء: وَلَد الوَلد، فقال تعالى: ﴿وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ (هود: 71)، ولذا فقد فسَّر بعضُهم "عاشوراء" بمعنى عاشَ وراء، أي عاش سِبْطُ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (حفيدُه الحسين عليه السلام)(6).
*إعصار
كان خليل شاعراً يُدرِّسُ في إحدى الثانويّات، فشارك، ذات يوم، في إضراب المعلّمين، للمطالبة ببعض الحقوق. فما كان من مدير الثانويّة إلّا أنْ فصلَه من التعليم؛ تأديباً له أو انتقاماً منه؛ لأنّه لم يكن ينصاع للقرارات المجحفة. فتألَّم خليل أشدَّ الألم، وبما أنّه يحبُّ ذلك البيت من الشعر الذي قاله أحمد شوقي:
ليس للذلِّ حيلةٌ في نفوسٍ | يستوي الموتُ عندها والبقاءُ |
فقد تمخَّضَ ألمُه عن هذه القصيدة:
يهدِّدُني بقطعِ الرزقِ | إنْ غازلتُ أفكاري |
ويُغريني بجنَّاتٍ | إذا خادَعْتُ سُمَّاري |
فمن لبنٍ إلى عسلٍ | ونِعْمَ الكوثرُ الجاري! |
لقاءَ الصمتِ واثُكلاهُ | للأمجادِ والغارِ |
أبا لَهَبٍ كفاكَ سُدًى | تُعرّي صدريَ العاري |
لئن علَّقتَ مِقْصَلتي | كموعظةٍ لِثوّارِ |
وإن أترَعْتَ أرملتي | بكأسِ الحقدِ سَوَّارِ |
وإن يتَّمْتَ أبياتي | وإن شرَّدْتَ أقماري |
فلا حلَّقْتُ إن باتتْ | من الغِربان أطياري |
ولا غنَّيْتُ قافيةً | على أنغامِ أوتاري |
إذا لم يُلْهِبِ الدنيا | بجَمْرِ النارِ إعصاري!(7) |
1- م.ن، مادة فخر.
2- م.ن، مادة نفح.
3- لسان العرب، ابن منظور، مادة قلب.
4- م.ن، مادة يوح.
5- م.ن، مادة كذب.
6- م.ن، مادة ورأ.
7- ديوان: فوق البركان، مخطوط، إبراهيم منصور.