نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أمراء الجنة: الشهيد محسن حسين زريق


وينحدر محسن من زوايا العمر نحو سفوح البقاء المطلق، فيرتقي... بين يديه كؤوس الحياة المرة وعلى جسده أوسمة الشرف، هي رصاص حقدهم وغدرهم بل هي انسياب الطواغيت الكفرة...
في عينيه تستلقي الأحزان ويتوسد الحرمان جدران جفونه فترتفع في أهدابه رماح الجهاد ورايات الشهادة الحمراء وعلي جبينه يرتفع سد المجد وسور الأزمنة الغابرة
"يا لثارات الحسين".

محسن زريق واحد من شهدائنا الذين رسموا بدمهم خارطة الوطن، واحدٌ من الذين ركبوا أكفانهم وسبحوا في أمواج دمهم المهراق ليتحوّل إلى أنواء غاضبة تغرق كلّ مراكب الشياطين.

محسن زريق أيّها الفارس الممتشق صهوة المجد، لك ولكلّ الشهداء تنحي كلّ الهامات وتتدحرج كلّ التيجان المرصّعة بلآلئها المزيفة

فيفعل دمكم فيها فعل الألماس بالزجاج فيذيب كل مقامات السوء ويهدم كلّ القصور ومواخير المجون فمقاومتنا أكبر من أن يسقطها حاقد أو سفيه أو ساذج، وينحني أمام عطاءاتكم وقداسة دمكم كلّ الحكام والجبابرة وتبقون وحدكم أيها الشهداء قوارب النجاة للأمة وتخرجون من أعماقنا نوراً وحباً وأمانة...

في العام 1963 فاح أريج الشهيد القائد محسن زريق في بلدته حوش الرافقة البقاعية وأذّن المؤذن للناس يبشر بالمولود الجديد وبين دار المنزل وإحياء الحوش الفقيرة ومسجدها المتواضع تدرّج محسن صغيراً يعلّم أترابه فنون الحرية إلى أن هبّت نسائمها من إيران الإسلام مع قدوم الحرس الثوري الإسلامي فما كان من محسن إلاّ أن التحق بركبهم وهو في التاسعة عشرة من عمره حيث وجد ضالته فيهم بعد أن شرب حب الحسين وآل بيته من والديه فكان جليس قراء مجالس العزاء والبكاء على مصاب أبي عبد الله يشحن بتلك الدموع نفسه ويضرب رأسه بكفيه "سيدي يا ليتني كنت معك فأفوز فوزاً عظيماً" وها هم رسل حفيد الحسين عليه السلام من الشرق يطلون برايات تحمل شعار سيد الأحرار هيهات منا الذلة فيرمي محسن الدنيا وراءه ويسير بركبهم فيتعلم منهم ترويض النفس على التقوى كما يتعلّم فنون الحرب والقتال ليصبح مدرباً للأجيال ومعلماً للناشئة الذي التحقوا بهذا الركب المبارك وسفينة النجاة...

شاب يافع انفتح قلبه على مناهل الإيما وانقشعت أمامه أبواب الله فولج الإسلام بقلب يفيض حباً للمعشوق الأول وعقلاً تتضح من جنباته أنوار مشاعل المجاهدين والصالحين فهداه الله سبل الحق ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا.. وإنّ الله لمع المحسنين.

خضع الشهيد محسن زريق لعدة دورات عسكرية وفي اختصاصات متعدّدة برع فيها وكان من المتميزين والمتفوقين وحصل على تقدير مسؤوليه واحترام العاملين معه فكان قدوة في الصبر والطاعة لأوامر الولاية حيث أنّه آمن بها نهجاً والتزم بها عقيدة فكان مثال الجندي المسلم الحق، ويذكر رفاقه أنّه ما تذمّر قط لمهمة أو خدمة أو عمل حتى ولو لم يكن من شأنه حيث أنّه ما دام العمل لله فلا يأبى.

وينقل عنه بعض المجاهدين أنّه كان يطير فرحاً إذا ما علم أنّ هناك مهمّة أو عملاً جهادياً ولشدّ ما كانت تغمره الفرحة إذا كان العمل فيه التحام أو مواجهة أو كمين لألد أعداء الله حتّى ولو كان عائداً لتوّه من مهمة ما فإنّه ينسى تعبه ويصرّ على العودة للمشاركة في شرف قتال اليهود الصهاينة لذا فقد شارك الشهيد محسن زريق في العشرات من العمليات الهجومية والمواجهات والكمائن والمرابطات إلى أن وفقه الله ورزقه الشهادة بتاريخ 25/8/1995 أثناء مواجهة ضارية في منطقة خلة خازن في البقاع الغربي حيث واجه مع اثنين من أخوانه أكثر من ستين صهيونياً لأكثر من أربع ساعات كبدوا خلالها العدو خسائر فادحة. كان ذلك يوم جمعة حيث توضأ محسن ليصلي صلاة لا انفصال فيها عن المعشوق الإلهي الأزلي وحيث أنّ اللقاء هو مع الله فلا بدّ من غسل فكان غسل الشهادة بدم حسيني مهراق وتعطّر بتربة أطهر أرض تاركاً لنا في هذه الدنيا ثلاثة أطفال هم إرث محسن للأمة رملى وزهراء وحسين. كما ترك بضع كلمات لتكون منارة للثائرين ووصية للمجاهدين.

* من وصية الشهيد
بسم الله الرحمن الرحيم
 ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ
صدق الله العلي العظيم

اللهم صلّ على محمد وآل محمد
السلام على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وعلى البضعة الطاهرة أم أبيها السيدة فاطمة الزهراء
السلام على الحسن المسموم. السلام على الحسين الشهيد.
السلام على الحجة المنتظر عجل الله فرجه الشريف أرواح المؤمنين لمقدمه الفداء.
السلام عليك سيدي وإمامي يا روح الله الخميني العظيم قدس سره والسلام على نائبك بالحق علي الخامنئي.
الحمد لله الذي أكرمنا برسول الله والأئمة الأطهار، الحمد لله الذي أكرمنا بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، الحمد لله الذي أكرمنا بالشهادة حيث لا ينالها إلاّ ذو حظ عظيم.

أيّها الأخوة يجب علينا أن نعي ونفهم لماذا خلقنا الله سبحانه وتعالى حين خلق الخلق وهو غني عن عباداتنا، لا تنفعه طاعة من إطاعة ولا تضرّه معصية من عصاه، هو الغني الحميد ونحن الفقراء إلى رحمته.
فإيه أيتها النفس، أما تريدين الفلاح، انظري حولك ماذا ترين؟ أنّك تنزعجين من كثرة الانشغال بالدنيا بعدما علمت أنّها فانية، إذا لماذا تغرقين رويداً رويداً.

وأنتم من طلقتم الدنيا ولم يغركم أبيضها وأصفرها. أنتم يا جند المقاومة الإسلامية، يا من قال الإمام عنكم "أنتم فخر الأمة وعزها"، إليكم تحنو القلوب وتختلج الأرواح، يا من بين أيديكم ينتقل إمام الزمان، بل يرابط معكم في الثغور، يا من أضلعكم حنين إلى لقاء الحسين عليه السلام. أنتم صفوة أهل الزمان، أنتم أخوان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذين بكى شوقاً إلى رؤيتهم، أنتم أنصار الحسين في كربلاء العصر. أنتم أنصار الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف، أنتم الذين جعل الإمام من جهادكم حجة على العلماء.
فأنتم عماد الدين تعانقون الصخور وتحتضنون التراب الذي سريعاً ما يحتضنكم وأنتم الشهداء.

أيها الناس، لا تدعوا الناس تشغلكم عن عبادة الله الواحد، عليكم بكثرة ذكر هادم اللذات، ألا وهو الموت، وأكثروا من ذكر هذه الكلمات في أوقات الصلاة، إلهي لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً، لأنّ النفس أمارة بالسوء، حقيرة ميالة إلى الهوى، متعلقة بهذه الدنيا، والدنيا جيفة وطلابها كلاب، كما عبر عنها أمير المؤمنين عليه السلام. وفي الآية الكريمة ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيل﴾.

أيها الأخوة المؤمنون، اتقوا الله حقّ تقاته ولا تموتن إلاّ وأنتم مسلمون. اسمعوا قول أمير المؤمنين عليه السلام "أوصيكم بتقوى الله ونظم أمركم"، كلكم تعرفون أنّ في هذه الأيام القابض على دينه كالقابض على الجمر، وتعرفون أيضاً من هم أعداء الله والإسلام والإنسانية، إنّها الدول المستكبرة خصوصاً أميركا الشيطان الأكبر، والغدة السرطانية "إسرائيل". واعلموا أن هذه المؤامرات والمفاوضات هي فاشلة لا محال.

أخواني الأعزاء يا رجال المقاومة، تابعوا الطريق طريق ذات الشوكة، طريق حزب الله، وتعاونوا على البر والتقوى، وتذكروا قول الإمام: "إنّ شباب حزب الله في لبنان هم فخر الأمة ومصباحها"، وقال أيضاً "الشعب الذي يرى الشهادة سعادة منتصر لا محالة، والأمة التي تقدم نفسها وكل ما تملك من أجل الإسلام منتصرة".

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع