نهى عبد الله
توقّفت به سيّارة الأجرة دقيقةً بانتظار أن تضيء إشارة السير بالّلون الأخضر، لكنّ فؤاداً يمقت الانتظار حيث سيُطرق زجاج السيارة، وفعلاً ظهر صبيٌّ صغير ملوّحاً بكيس من المحارم الورقيّة، وبحركة لا مبالاة أشار إليه بالانصراف وتمتم منزعجاً: "فليساعدك غيري". بينما فتح الراكب الآخر نافذته ونادى الصبي: "أعطني كيساً"، ودسّ في يدّ الصبي مبلغاً صغيراً من المال.
كان فؤاد يراقب الراكب الآخر بخفّة، ونبّهه: "كلّهم كاذبون". فابتسم الراكب بهدوء: "لم يكن يتسوّل". عندها انتهز السائق فرصةً للتدخّل: "بتنا لا نعلم الصادق من الكاذب، الوضع بات صعباً، وكثرُ المحتاجون. لديّ جار توقف عمله وهو مريض بحاجة إلى مجموعة أدوية مكلفة، ناهيك عن الطعام والشراب، ولا طاقة لي على مساعدته". قفز فؤاد بجملته الرنّانة: "سيساعده غيرك، لا عليك.."، كان الراكب الآخر مشغولاً بتدوين شيء على ورقة صغيرة، ناولها إلى السائق موضحاً: "إن عجزت عن مساعدته، يمكنك أن تكون شريكاً في إيصال الخير إليه. هذه أرقام جهات مختصّة يمكنها المساعدة بعد التقصّي"، وأومأ إلى فؤاد مبتسماً، تهرّب فؤاد الذي وصل إلى مقصوده؛ المستشفى، ليترجّل فوراً، لاحظ أنّ الراكب الآخر قد ترجّل أيضاً، لم يبالِ، فهو سيقابل الطبيب الوحيد الذي رضي أن يجري له الجراحة دون أن يتقاضى أجرته، عندما أخبره أصدقاء مشتركون بضيق حالة فؤاد الماليّة. طرق الباب ودخل، وإذ بالطبيب هو الراكب الآخر، رحّب به، وبعد أن تفاهما على التفاصيل، سأله فؤاد: "لماذا؟"، ابتسم الطبيب: "تقصد لماذا لم أترك مساعدتك لغيري؟ لأنّها فرصة لي، لروحي لكي تسمو في زحمة الحياة. إن تركتها لغيرك دائماً، فمتى ستُنقذ روحَك؟".