مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مناسبة: حفل التخرّج من شهر الله

الشيخ د. أكرم بركات


ينتهي شهر الله تعالى ليتوّج بعيد الفطر، الذي هو شبيه بحفل التخرُّج للناجحين في جامعة شهر رمضان. وبرنامج هذا الحفل يتألّف من الأمور الآتية:
1- تحديد الناجحين.
2- توزيع الجوائز عليهم.
3- كلمة شكر من الخرّيجين.
4- تلاوة التوصيات الناتجة عن تقييم المشاركة.
في هذه المقالة، سنتناول فقرات هذا البرنامج الإلهيّ.

•أوّلاً: من هم الناجحون؟
هم الذين ورد ذكرهم في ما ورد عن الإمام عليّ عليه السلام: "إِنَّمَا هُوَ عِيدٌ لِمَنْ قَبِلَ اللَّه صِيَامَه وشَكَرَ قِيَامَه، وكُلُّ يَوْمٍ لا يُعْصَى اللَّه فِيه فَهُوَ عِيدٌ"(1).

•ثانياً: الجوائز
هي التي أشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى قيمتها بقوله الوارد عنه: "إذا كان أوّل يوم من شوّال نادى منادٍ: أيُّها المؤمنون، اغدوا إلى جوائزكم... جوائز الله ليست كجوائز هؤلاء الملوك... هو يوم الجوائز"(2).

•ثالثاً: شكر الخرّيجين
هو شكرهم لله تعالى على توفيقه إيّاهم لصيام شهر رمضان المبارك وقيامه، وإن كانوا لا يستطيعون أداء الشكر الحقيقيّ؛ لأنّه كما ورد عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "فكيف لي بتحصيل الشكر، وشكري إيّاك يفتقر إلى شكر"(3). ولكن مع ذلك فلا بُدَّ من محاولة سلوك سبيل الشكر، وهذا ما حدَّدته الشريعة في عيد الفطر من خلال عناوين، هي:

1- ذكر الله تعالى بالتكبير والتهليل والحمد والشكر: بأن نقول: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلّا لله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الحمد لله على ما هدانا، وله الشكر على ما أولانا"(4).

2- إدخال فرحة العيد على فقراء المسلمين: بإعطائهم زكاة الفطرة، التي هي شرط لقبول صوم شهر رمضان.

3- المشاركة في صلاة العيد: التي يجتمع فيها المسلمون معاً، الكتف إلى جانب الكتف، صفوفاً متراصّة كما يحبّ الله تعالى، ففي الحديث: "إنّما جُعل يوم الفطر العيد؛ ليكون للمسلمين مجتمعاً يجتمعون فيه، فيحمدون الله على ما منَّ عليهم"(5).

4- تقديم شكر صاحب الرسالة: وهو الرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، الذي عانى ما عانى لتبليغها حتّى قال صلى الله عليه وآله وسلم: "ما أوذي نبيّ مثل ما أوذيت"(6)، وذلك بدعائنا لله تعالى في قنوت العيد الذي نكررّه قائلين: "أسألك بحقّ هذا اليوم، الذي جعلته للمسلمين عيداً، ولمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم ذخراً وشرفاً ومزيداً أن تصلّي على محمّد وآل محمّد"(7).

5- شكر من أولد الإسلام ولادة ثانية: ولولاه لما بقي للإسلام من أثر، وهو الإمام أبو عبد الله الحسين عليه السلام، الذي ورد استحباب زيارته في عيد الفطر: "السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبيَّ الله، السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله، السلام عليك يا وارث موسى كليم الله، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله، السلام عليك يا وارث محمّد صلّى الله عليه وآله حبيب الله..."(8).

6- استحضار صاحب العيد: هو إمامه الحقيقيّ صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، فقد ورد استحباب قراءة دعاء الندبة في مثل هذا اليوم، المعبِّر عن التطلّع إلى الأمل القادم بإزالة العدوان، واتّحاد الأمّة وفتح باب الكمال الإنسانيّ نحو الله تعالى، فنقول فيه: "أين بقيّة الله...؟ أين المرتجى لإزالة الجَور والعدوان؟... أين قاصم شوكة المعتدين؟... أين جامع الكلمة على التقوى؟"(9).

•رابعاً: التوصيات:
وهي ناتجة عن تقييم المشاركة في شهر رمضان، ويمكن تلخيصها في ثلاثة عناوين:

1- اكتشاف يحتاج إلى تثبيت: فقد اكتشفنا في شهر رمضان أنّ إرادتنا يمكن أن تتغلّب على شهواتنا من أكل وشرب وتدخين وغيرها، فصمنا عنها، وكرَّرنا الصيام شهراً كاملاً تغلّب فيه سلطان العقل على الشهوات. وهذا أمر يجب أن نستثمره في إبقاء غلبة العقل والإرادة، لنقف عند حدود الله تعالى، ولننطلق فيما أحبَّ الله عزّ وجلّ.

2- عادات بحاجة إلى مداومة: فقد اعتدنا في شهر رمضان على عبادات يحبّها الله تعالى، وعلينا أن نداوم عليها بعد شهر رمضان:

أ- اعتدنا على صلاة الصبح في أوّل وقتها أداءً لا قضاءً، لعلّنا نداوم على ذلك بعده.

ب- واعتدنا أن نستيقظ في وقت السحر المبارك، لعلّنا نكمل الاستيقاظ في هذا الوقت للتقرّب إلى الله تعالى بالنوافل، ولو في ليلة الجمعة من كلّ أسبوع.

ج- واعتدنا أن نقرأ القرآن الكريم، لعلّنا نستكمل ذلك بقراءته كلّ يوم، فالمؤمن ينبغي أن يقرأ كلّ يوم خمسين آية، فعن الإمام أبي عبد الله عليه السلام: "القرآن عهد الله إلى خلقه، فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده، وأن يقرأ منه في كلّ يوم خمسين آية"(10).

د- اعتدنا أن نداوم على الحضور في المساجد، التي ورد فيها عن الله عزّ وجلّ: "إنّ بيوتي في الأرض المساجد، فطوبى لعبد تطهَّر في بيته، ثمّ زارني في بيتي، ألا إنّ على المزور كرامة الزائر"(11).

هـ- اعتدنا أن نجلس كأسرة على مائدة الإفطار، جلسة كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يفضّلها على الاعتكاف في المسجد النبويّ المبارك(12).

كم نحن بحاجة إلى أن نحافظ على تماسك الأسرة وتطوّرها، ونحن في هذه الأيّام نواجه حرباً ناعمة تُمارس على مجتمعنا مستهدفةً الأسرة بهدف القضاء على المنعة الاجتماعيّة.

و- اعتدنا على التواصل الاجتماعيّ مع الأرحام والجيران والأصدقاء، من خلال إفطارات وسهرات وجلسات يُذكر فيها الله تعالى، وهذا ما يُحصِّن المجتمع، ويزيد في منعته ويرقّيه في كماله. مضافاً إلى الاستفادة الكبيرة من ثواب زيارة المؤمن التي ورد فيها: "من زار مؤمناً فكأنّما زار الله تعالى"(13).

ز- اعتدنا أن نلتفت أكثر إلى المحتاجين من فقراء ومساكين وأيتام، بما يحقّق ما يحبُّ الله تعالى من التكافل الاجتماعيّ.

3- مكتسبات بحاجة إلى محافظة: في شهر رمضان، كَسْبٌ كثير وربحٌ وفير، كانت الآية فيه بقرآن، وصلاة الفريضة بسبعين، والنافلة ببراءة من النار، ووصل الرحم وصلاً لرحمة الله تعالى عند اللقاء، والصلاة على محمّد وآل محمّد تثقيلاً لميزان العبد يوم القيامة، وغير ذلك كثير، وهذا ما يجب المحافظة عليه، من خلال عدم إحراقه بفعل الحرام، كما فعل ذلك الجاهل الذي احترم شهر الله، فامتنع فيه عن شرب الخمر، ولكن ما أن ولّى الشهر الفضيل حتّى ذهب إلى المخمرة ونادى:

رمضان ولّى هاتها يا ساقي

مشتاقة تهفو إلى مشتاقِ

لقد زرعنا في شهر رمضان، وعلينا أن نحافظ على زرعنا الكثير، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "من قال: سبحان الله، غرس الله له بها شجرة في الجنّة، ومن قال: الحمد لله، غرس الله له بها شجرة في الجنّة، ومن قال: لا إله إلّا الله، غرس الله له بها شجرة في الجنّة، ومن قال: الله أكبر، غرس الله له بها شجرة في الجنّة، فقال رجل من قريش: يا رسول الله، إنّ شجرنا في الجنّة لكثير. قال صلى الله عليه وآله وسلم: نعم، ولكن إيّاكم أن ترسلوا إليها نيراناً فتحرقوها؛ وذاك أنّ الله عزّ وجلّ يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم﴾ (محمد: 33)"(14).


1.نهج البلاغة، خطب الإمام عليّ عليه السلام، ج4، ص100.
2.إقبال الأعمال، ابن طاووس، ج1، ص481.
3.بحار الأنوار، المجلسي، ج91، ص146.
4.(م.ن)، ج88، ص118.
5.مجمع البحرين، الطريحي، ج3، ص274.
6.بحار الأنوار، (م.س)، ج39، ص56.
7.(م.ن)، ج87، ص379.
8.(م.ن)، ج98، 353.
9.إقبال الأعمال، (م.س)، ج1، ص508.
10.الكافي، الكليني، ج2، ص609.
11.من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج1، ص239.
12.ميزان الحكمة، الريشهريّ، ج2، ص1186.
13.العقد الحسيني، البهائي العاملي، ص6.
14.الأمالي، الصدوق، ص705.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع