زينب فهدا (*)
عن الإمام السجّاد عليه السلام: "وأمّا حقّ وَلَدك فأن تعلم أنّه منك، ومضاف إليك، وأنّك مسؤول عمّا وليته من حسن الأدب، والدلالة على ربّه عزّ وجلّ، والمعونة على طاعته"(1). دلّت روايات أئمّة أهل البيت الأطهار عليهم السلام على أهميّة الاهتمام بتربية الأطفال وتقديم الوصايا اللازمة لهم، التي تعينهم على أداء التكاليف والامتثال لأوامر الله تعالى؛ ممّا يشير إلى أهميّة هذه المرحلة من وجهة نظر إسلاميّة.
ويُعدّ شهر رمضان من أفضل الفرص والمناسبات لترسيخ مجموعة من المفاهيم التربويّة والإيمانيّة وغرسها في الأبناء، كالصبر، ومساعدة الفقراء والأيتام، والتصدّق، والتكافل الاجتماعيّ.
سيقدّم هذا المقال عرضاً لبعض المفاهيم والقيم والعبادات التي يمكن للوالدين اغتنام فرصة الشهر الكريم لغرسها في الأبناء.
•تهيئة الطفل قبل التكليف
عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّا نأمر صبياننا بالصلاة إذا كانوا بني خمس سنين، فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا بني سبع سنين، ونحن نأمر صبياننا بالصوم إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم إن كان إلى نصف النهار أو أكثر من ذلك أو أقلّ، فإذا غلبهم العطش والغرث (الجوع) أفطروا، حتّى يتعوّدوا الصوم ويطيقوه، فمروا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين بالصوم ما استطاعوا من صيام اليوم، فإذا غلبهم العطش أفطروا"(2).
فإنّ التدريب المبكّر للأطفال على أداء الفرائض، وممارسة التكاليف الدينيّة، كإقامة الصلاة والصوم؛ يشجّعهم، ويرغّبهم في القيام والامتثال لتعاليم الدين خلال فترة التكليف؛ فيألفون القيام بها تدريجيّاً، دون تعبٍ أو ملل، وتعتاد نفوسهم عليها. وهذا ما تعنيه المقولة الشهيرة: "العلم في الصغر كالنقش في الحجر". وانطلاقاً من هذه المسألة، يجدر بالأبوين وضع برامج تهيئة للأطفال؛ للتدرّج في تطبيق العبادات بمقدار تحمّلهم ودون فرض القيود عليهم. لذلك يجب الانتباه إلى بعض العبارات التي يردّدها الأهل، وتُسهم بشكل أساس في إحباط الأطفال، وعدم مبالاتهم إزاء مسؤوليّة الصوم: "ابني ضعيف البنية"، "لا يزال صغيراً"، "يحتاج إلى الطعام لكي ينمو"، والاستعاضة عنها بعبارات التشجيع والتحفيز: "يمكنك الصيام، ولكن لفترة قصيرة"، وحتّى إذا علم الوالدان من ابنهما الضعف الصحيّ، وعدم القدرة على تحمّل ذلك، فليس أقلّ من تدريبه على الصوم بعض ساعات من النهار بقدر تحمّله، كما ذكر الإمام عليه السلام: "بما أطاقوا من صيام اليوم".
•الصيام الجزئيّ التدريجيّ
يمكن للأهل الانطلاق من القاعدة القائلة: "بالتدريج يتمّ تعويد الطفل سلوكيّاً، حتّى اكتساب القدرة". والصيام مثل أيّ قدرة يحتاج إلى التدريب السلوكيّ. مثلاً: من الممكن أن نبدأ بتدريب الطفل تدريجيّاً على الصيام مدّة ساعات محدودة وقليلة، وتتمّ زيادة المدّة الزمنيّة بحسب الفئة العمريّة للطفل، على أن تصل إلى كامل النهار، ويجب الانتباه إلى أنّ الزيادة التدريجيّة يجب أن تكون متناسبة مع قدرة الطفل وحالته الصحيّة، إلى أن ينتقل إلى صيام نهار كاملٍ ثمّ يفطر أيّاماً ليستريح.
•شرح مفهوم الصوم
من المسائل المهمّة التي تجعل الأطفالَ يتحمّسون للصيّام، شرح مفهوم الصوم لهم بشكلٍ ميسّر وبسيط: "صوموا تصحّوا"(3)، وأنّه عبادة لله، يمتنع فيه الفرد عن الأكل والشرب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فيصبح أمر تغيير موعد وجبة الغذاء، والذي كان يعتاد الطفل تناولها مع ذويه، أمراً واضحاً بالنسبة إليه، كذلك الأمر بالنسبة إلى الاستيقاظ ليلاً لتناول السحور: "السحور بركة"(4).
عندما يشرح الأهل لأطفالهم أنّ الله تعالى يحتسب نومهم وأنفاسهم في شهر رمضان عبادة، ويكافئهم عليه؛ يزداد اهتمامهم ورغبتهم في الصيام، بل يتعمّق شعورهم بقربهم من الله(5). ومن المهمّ الالتفات إلى أنّ الأهل يُعتَبرون النموذج السليم للصيام بالنسبة إلى أطفالهم، يراقبون ما يصدر عنهم من تصرّفات خلال شهر رمضان المبارك؛ كسرعة غضبهم وعصبيّتهم وصراخهم بحجّة أنّهم صائمون، أو استخدام بعض العبارات مثل: "حلْ عنّي أنا صايم"، وغيرها من التصرّفات الخاطئة التي تعطي الطفل انطباعاً سيّئاً عن معنى الصوم: "وليكن عليك وقار الصائم"(6).
•اتّباع نظام غذائيّ سليم
كي لا يكون الصيام سبباً في نقص قدرة الطفل وطاقته، وشعوره بالتعب والإرهاق، يجب اتّباع نظام غذائيّ متكامل، يحصل من خلاله على السعرات الحراريّة التي يحتاج إليها جسمه. ويمكن من خلال هذا النظام المتكامل زرع العادات الصحيّة السليمة لديه لاختيار الأطعمة، بحيث يتمّ توفير الكميّة اللازمة له من السوائل بعد ساعات الصيام؛ لمنع الجفاف أو الإمساك، وتشجيعه على تناول العصير الطبيعيّ، كعصير البرتقال والجزر، نظراً إلى كونه غنيّاً بالفيتامينات، والمعادن المختلفة، والابتعاد عن العصائر المصنّعة. كما يجب إيقاظ الطفل لتناول السحور مع ذويه؛ لأنّه يعطيه الطاقة اللازمة خلال فترة النهار. ويجب أن لا ننسى أنّ الاستيقاظ للسحور، عند معظم الأطفال، يكون سبباً للتنافس بينهم حتّى إن لم يكونوا صائمين. وهذا يُعدّ تدريباً لهم أيضاً "تعاونوا بأكل السحور على صيام النهار"(7).
وممّا يُعين الطفل على الصيام وتحمّله، قيام الأمّ قبل حلول شهر رمضان بترك فترة زمنيّة بين الوجبات، وعدم تقديم أيّ طعام بينها.
•تشجيع الطفل ومكافأته
لهذا الأسلوب أهميّته في تشجيع الطفل على الصوم؛ فعند اجتيازه للفترة المحدّدة للصوم بنجاح، يمكن زيادة مصروفه مثلاً، أو الثناء عليه أمام إخوته بأنّه "صام اليوم وسوف يصوم بقية الأيّام"، أو إحضار هديّة يرغب فيها، فذلك سيشّجعه أكثر على مواصلة الصيام في اليوم التالي، وربّما يشجّعه على إطالة المدّة الزمنيّة المحدّدة له للصوم. من هنا، يجب أيضاً الابتعاد عن تأنيب الطفل وإلقاء اللوم عليه عندما يأكل خلسةً أو ينسى أنّه صائم، فليس على الأمّ سوى غضّ النظر.
•إشراك الأبناء في العبادات
أ- الصلاة: مشاركة الأطفال الصلاة مع ذويهم خلال شهر رمضان، سواء في المنزل أو اصطحابهم للمسجد، يزرع فيهم حبّ هذه الفريضة الواجبة، ولا سيّما مع قضاء وقت إضافيّ في نهاية كلّ صلاة لقراءة الأدعيّة المخصّصة لشهر رمضان أو مقاطع منها. ويجب أن لا ننسى أهميّة إشراكهم في إحياء ليالي القدر، ولو بجزء يسير.
ب- قراءة أجزاء من القرآن أو قصار السور: "أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال: حبّ نبيّكم، وحبّ أهل البيت، وقراءة القرآن"(8). إنّ ترديد آيات من القرآن الكريم كلّ يوم، أو تحديد عدد معيّن من الصفحات يتمّ قراءتها بعد الصلاة أو في وقت معيّن من اليوم، يحثّهم على الاهتمام بتلاوة القرآن، ولا سيّما أنّ الطفل في هذه السنّ الصغيرة يرغب في تقليد الكبار: "من سعادة الرجل أن يكون الولد يُعرف بشبهه وخلقه وشمائله"(9).
•عدم الإسراف على موائد الإفطار
الإسراف في تحضير أصناف الطعام، ورمي الفائض منه في القمامة، قد يؤدّيان إلى تشوّش تفكير الطفل، وإثارة مجموعة من الأسئلة عنده، ولا سيّما عند ربط معاني الصيام بالشعور مع الفقراء والتضامن مع جوعهم وعطشهم! وعندئذٍ، يقوم الأهل بتوجيه رسائل سلبيّة ومتناقضة للطفل من دون قصد، لذلك يجب أن يُربّى الطفل على عدم التبذير والإفراط في الأكل خلال شهر رمضان المبارك. كما أنّ اجتماع أفراد الأسرة حول مائدة الإفطار من أجمل الأوقات وأكثرها متعة، فلا تجعليها غير ذلك.
•خيارات لملء وقت الطفل
وأخيراً، لكي يتسنّى للطفل قضاء جزء من الوقت ينسى فيه الجوع والعطش، يمكن اعتماد خيارات عدّة لملء وقته، منها: السماح له بالمشاركة في اختيار نوع الطعام الذي سوف يتمّ إعداده للإفطار، المساعدة في تحضير مائدة الطعام، أو ترتيب المنزل وتنظيفه.
يجدر أن نتذكّر دائماً، إنّ الشهر الكريم مرقاةٌ لنا، فطوبى لمن علّم أبناءه أسرار هذا الترقّي.
(*) أستاذة في جامعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، حوزة الزهراء عليها السلام.
1.مكارم الأخلاق، الطبرسي، ص232.
2.الكافي، الكليني، ج3، ص409.
3.بحار الأنوار، المجلسي، ج97، ص255.
4.وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج10، ص143.
5.يراجع: تعليم المفاهيم الدينية، ناصر باهنر، ص410.
6.وسائل الشيعة، (م.س)،ج 10،ص163.
7.(م.ن)، ج10، ص144.
8.ميزان الحكمة، الريشهري، ج10، ص721.
9.مكارم الأخلاق، (م.س)، ص422.