لعلاج الاضطرابات النفسيّة والإدمان
تقرير: فاطمة خشّاب درويش
على مدى أكثر من خمس سنوات، ظلّ رجلٌ في العقد الرابع من العمر، يعاني من اضطراب نفسيّ. في البداية، كان يرفض أن يعترف بوجود هذه المشكلة إلى أن تطوّرت حالته، وترك عمله، وأصبح ملازماً للمنزل، وتقوقع في غرفته، ولم يعد يتواصل مع أحد خوفاً من "الفضيحة". عندما كان يسأل عنه أحد، كان أفراد أسرته يجيبون: "إنّه مسافر"! وقد دفعهم الحرج الاجتماعيّ إلى عدم إخضاعه للعلاج النفسيّ، ممّا تسبّب في تدهور حالته، فبدأ يضرب ويكسّر كلّ ما حوله، وقد وصلت به الحال مؤخّراً إلى أذيّة نفسه ومحاولة إيذاء إخوته.
يقول أحد إخوة المريض: "بحثنا كثيراً عن مستشفى يقدّم علاجاً للاضطراب النفسيّ الذي يعاني منه أخي، ولكنّ المستشفيات قليلة ولا تستقبل إلّا حالات محدّدة.. إلى أن أخبرني صديق بافتتاح مستشفى "الشفاء" لعلاج الأمراض النفسيّة في منطقة عرمون، فلم أتردّد في المجيء إلى هناك. تابعتُ الأمور كافّة التي لها علاقة بدخول أخي للمستشفى وبدء العلاج. وما يهمني أنّ حالته تتحسّن يوماً بعد يوم، وسوف يتماثل للشفاء في القريب العاجل، إن شاء الله".
•من رحم الحاجة
أمام تزايد أعداد الذين يعانون من الضغوط أو الاضطرابات النفسيّة، أو المدمنين على المخدّرات، وفي ظلّ النقص الكبير في المؤسّسات الاستشفائيّة التي تُعنى بالصحّة النفسيّة، نهضت الهيئة الصحيّة الإسلاميّة من موقع مسؤوليّتها المجتمعيّة، وشيّدت صرحاً جديداً من صروح الاستشفاء للعناية النفسيّة وعلاج المدمنين، في منطقة عرمون المطلّة على البحر، في شهر آب من العام 2018م.
من رَحِم الحاجة، ولد مستشفى "الشفاء التخصّصيّ" بعد سنوات من العمل الجادّ والمتقن وفق المعايير الدوليّة الاستشفائيّة، ليقدّم يد العون لكلّ الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسيّة وعقليّة، باختلاف جنسيّاتهم وطوائفهم وحتّى انتماءاتهم المذهبيّة.
مجلّة "بقيّة الله"، زارت مستشفى "الشفاء التخصّصيّ" في منطقة عرمون، بغية التعرّف عن كثب إلى ما يقوم به المستشفى من دور في علاج الاضطرابات النفسيّة والإدمان.
•خدمات بجودة عالميّة
يقدّم هذا الصرح الطبيّ مروحة من الخدمات الصحيّة، والطبيّة وخدمات الرعاية، ويتميّز بقدرته على استيعاب 116 سريراً، موزّعة بين الذكور والإناث، ويحرص القيّمون على توفير العوامل كلّها التي تساعد في علاج المريض النفسيّ، وفقاً لمعايير وشروط عالميّة تراعي سلامة المرضى النفسيّين. لذا، جُهّز المستشفى بأحدث التجهيزات، وهو مؤلّف من مبنى يضمّ أربعة طوابق على مساحة 2000 متر مربّع من أصل مساحة إجماليّة 10000 متر مربّع. يضمّ المستشفى أقساماً متعدّدة: طوارئ وعناية مشدّدة، عيادات خاصّة، أقساماً للتأهيل، نادياً رياضيّاً للأنشطة وحديقة واسعة تُقام فيها العديد من الأنشطة التي تصبّ في خدمة البرنامج العلاجيّ للمريض ومساعدته على تعزيز ثقته في نفسه.
ويهدف المستشفى إلى تقديم الخدمات للناس والمواطنين جميعاً دون استثناء، ويستقطب مرضى ليس فقط من لبنان، بل من الدول الأجنبيّة أيضاً، نظراً إلى نوعيّة خدماته التي تعتمد معايير الجودة الدوليّة.
•وعدت أمّي أن أعود للحياة
كثيرة هي الحالات التي عالجها مستشفى "الشفاء التخصّصيّ"، ولكن لا يسعنا هنا ذكرها كلّها، ومن بينها حالة محمّد ابن الواحد والعشرين عاماً، الذي يتلقّى العلاج من الإدمان على المخدّرات بعد ثلاث سنوات أمضاها في "كابوس" دفعه إلى خسارة كلّ شيء في الحياة. يتحدّث محمّد عن تجربته المريرة التي قرّر أن يضع حدّاً لها، بعد أن سلبته أصدقاءه وأحبّاءه، لدرجة أنّه أصبح "سارقاً" من أجل الحصول على المخدّرات، ولكنّه قرّر أن يعود إلى الحياة مجدّداً، كما وعد والدته. وبدأ يترجم وعده وهو يخطو خطوات واثقة إلى باب المستشفى، لكي يتخلّص من الإدمان على المخدّرات التي كادت أن تودي بحياته أكثر من مرّة.
•"لا صحّة دون الصحّة النفسيّة"
يؤكّد المدير العام للمستشفى د. حسين نحلة لمجلّة "بقيّة الله" على أهميّة العناية النفسيّة؛ إذ لا صحّة جسديّة دون الصحّة النفسيّة، مشيراً إلى أنّ المستشفى يهدف من خلال ما يقدّمه من خدمات إلى تعزيز الصحّة النفسيّة، وتعويض النقص الحاصل في هذا المجال على مستوى لبنان، حيث يخضع المرضى للعلاج وفق أعلى معايير الجودة والبرامج العلميّة الحديثة تحت إشراف نخبة من الأطباء النفسيّين المتخصّصين.
ويضيف: "إنّنا ننظر إلى المريض النفسيّ بعكس النظرة السائدة في مجتمعاتنا، والتي تعتبر الاضطرابات النفسيّة اضطرابات مزمنة لا يمكن الشفاء منها، بل نحن نؤكّد أنّ ذلك الشخص المريض يستطيع أن يعود إلى حياته الطبيعيّة ويتحقّق الشفاء، إذا تدخّلنا بشكل صحيح، وجرت المعالجة بدقّة، وفي الوقت المناسب".
•العلاج النفسيّ ضرورة
تشدّد الأخصّائيّة النفسيّة في المستشفى الأستاذة ناديا هاشم عطيّة على أهميّة العلاج النفسيّ كجزء أساسيّ من العلاج الطبيّ من أجل صحّة الإنسان، وتقول: "عندما يؤثر الاضطراب النفسيّ أو العقليّ على حياة الإنسان وحركته وعلاقاته بعائلته ومن حوله، يصبح هناك حاجة فعليّة للعلاج، خاصّة مع عدم قدرة الأهل على التعامل معه. هناك علاجات تحصل خارج المستشفى، أمّا في حالات النوبات العصبيّة أو محاولات الانتحار، فالعلاج يفترض أن يحصل داخل المستشفى".
•علاج دقيق
تشرح عطيّة الخطوات التي ترافق وصول المريض إلى المستشفى: "يستقبل المريض فريق من الأطبّاء المتخصّصين، ويتمّ التعرّف إلى تاريخه الصحيّ والطبيّ، وكافّة العلاجات التي خضع لها سابقاً، فضلاً عن الصدمات التي تعرّض لها منذ الطفولة. ويخضع المريض إلى تشخيص طبيّ وآخر نفسيّ، ودورنا كمتخصّصين نفسيّين هو تسجيل الملاحظات اليوميّة حول تطوّر الحالة النفسيّة للمريض".
وتضيف: "يخضع المريض لدعم نفسيّ خلال إقامته في المستشفى، وهو يحتاج إلى المتابعة النفسيّة بعد خروجه منها مع المعالجين النفسيّين المتوفّرين في مراكز الهيئة الصحيّة الموجودة في مختلف المناطق اللبنانيّة. إنّ دور الأهل أساسيّ في هذه المرحلة، ونحن نسعى لتقديم الإجابات لهم عن مختلف الاستفسارات والإرشادات الخاصّة بالتعامل مع المريض بعد خروجه من المستشفى".
وتؤكّد عطيّة أنّ "الاضطراب النفسيّ يمكن علاجه في حال جرى اكتشافه في وقت مبكّر، وإذا تمَّ تشخيصه بشكلٍ دقيق من قِبل المختصّين"، محذّرة من نكران وجود اضطرابات نفسيّة عند الشخص، سواء من المريض نفسه أو من الأهل، لأنّ ذلك يقلّل من فرص العلاج والشفاء.
•التواصل مع المرضى
يولي مدير قسم التمريض الأستاذ عبّاس حيدر أهميّة خاصّة لتواصل الممرّضين مع المرضى؛ لأنّ الممرّض هو الذي يتواصل مع المريض بشكلٍ مباشر ودائم. لذا، "هناك مواصفات محدّدة للممرّض الذي يعمل في مستشفى الشفاء التخصّصيّ، فيراعى عند اختياره أن لا تكون لديه مشاكل نفسيّة، كما يتمّ التدقيق في ملفّه الشخصيّ، ويخضع لبعض الاختبارات".
ويضيف: "يخضع فريق التمريض من ممرّضين وممرّضات للتدريب على الصحّة النفسيّة بشكل مركّز؛ لأنّ الممرّض الذي يقدّم العناية الطبيّة للمرضى يفترض أن يكون مطّلعاً على طبيعة الأمراض النفسيّة وكيفيّة التعاطي معها"، مشيراً إلى أنّ المستشفى يعتمد "بروتوكولاً موحّداً في التعامل مع المرضى من الإناث والذكور، وهناك فريق يتعامل مع المرضى الإناث وآخر يتعامل مع الذكور. كما يخضع المريض خلال إقامته في المستشفى لعلاج دوائيّ تُراعى فيه الجوانب الشرعيّة جميعها".
•بارقة أمل
وفي الختام، أعزّائي القرّاء، يمكن القول، إنّ ولادة مستشفى "الشفاء التخصّصيّ" في هذا التوقيت بالذات، تشكّل بارقة أمل لجميع الغارقين في اضطراباتهم النفسيّة أو في إدمانهم على المخدّرات، علّهم يستعيدون عافيتهم النفسيّة ويعودون إلى الحياة من جديد.