ديما جمعة فوّاز
لم يلتفت عامر أثناء حديثه إلى القناع الذي سقط عن وجهه
حين كان يتكلّم عن تجربته السيّئة أيام شبابه. وبينما بقيت عيون الشباب تحملق
بملامح وجهه الثلاثينية، استمرّ في حديثه عن أثر المخدرات على حياته منذ أيام
المراهقة وكيف دمّرته نفسيّاً وجسديّاً وأثّرت على حياته العلميّة والشخصيّة
والعائليّة.
كان جلّ اهتمامه ينصبّ على توعية الشباب من مخاطر الإدمان ويحاول أن يعلّمهم من
كيسه الأسود، كيف يواجهون ويتصرفون حين تضيق بهم الحياة ولا يجدون ملجأً ينتمون
إليه. هو يذكر تفاصيل أيامه الصعبة بدقّة، كما إنها البارحة، ويسترجع ذاك الطفل في
عمر الثالثة عشر الذي فقد والدته بعد صراع مرير مع المرض وقرر أن يجرّب كل جديد في
الحياة فكبر قبل أوانه، بل تجاوز الطفولة وتخطّى مرحلة الشباب ليتحوّل إلى عجوز وهن
في عمر مبكر..
ها هو يسترجع وضعه النفسي في الثامنة عشر من عمره حين كان رفاقه يحتفلون بتخرّجهم
المدرسي بينما هو مشرد يحاول الاستحصال على ثمن جرعته الثمين.
"كنت في مدرسة ذات مستوى مرموق، ولطالما كنت متفوّقاً، ومحاطاً بالأصحاب، ولكنني
وبلحظة معينة فقدت كلّ امتيازات حياتي وتحوّلت إلى كائن ضعيف ومريض، فكان لا بدّ لي
أن أشتقّ من العجز قوة للتغيير".
وهنا، تغيّرت ملامحه وأخذ نفساً عميقاً قبل أن يكمل حديثه:
"هذا أنا، عامر، رسبت في تحديد الخيارات في عمر مبكر، ولكنّي نجحت في امتحان
الإرادة في الثالثة والعشرين من العمر.. وأنا اليوم فخور أنني استطعت أن أجتاز
العديد من العوائق، وفي الوقت نفسه حزين وأتمنى لو أستطيع أن أعود إلى ذاك الطفل
الذي يقدّم له رفيقه الأكبر سنّاً حبّة بيضاء ويدعوه للتجربة، لأصفعه على وجهه
وأصيح به أن يبتعد عن رفاق السوء ويركّز على مستقبله..". ورفع إصبعه مشيراً إلى
الجمهور: "لذلك أنا هنا اليوم، لأجلك ولأجلك ولأجلك، فاحذروا من مغبّة الوقوع في
أفخاخ مزيّنة، واحذروا الوجوه المقنّعة". وحينها تنبّه إلى القناع الذي وقع منه،
وأدرك فجأة أنه تحرّر من ماضيه بالإفصاح عنه، فارتسمت على شفتيه ابتسامة رضا،
وانخفض ليمسك القناع بيده ويمزّقه بينما ارتفعت أصداء التصفيق من مختلف أنحاء
القاعة.