يروى أنّ المأمون سُئل يوماً: كيف تُقرّب الإمام الرضا عليه السلام إليك؟! فقال: لقد أخذت هذا الأمر من أبي، فقد قَدِمنا المدينة مرّة، وتوافد وجوهها وكبارها لرؤية أبي، وذات يوم، قدم علينا رجل يميل إلى النحافة، فما كان من أبي إلاّ أن قام من مجلسه، وتقدّم إليه، واحتضنه، ثمّ أجلسه في صدر المجلس بكل احترام وأدب، وانصرف إليه يحدّثه و...
وفي الليل، سألت أبي عمّن يكون هذا الرجل الذي عامله بكلّ هذا الإجلال؟ فقال: إنّه موسى بن جعفر عليه السلام.
قلت: ومن يكون موسى بن جعفر؟
قال: فلسنا على الحقّ إذاَ!!
قال: لا، فهو صاحب الحق بالخلافة!.
يقول المأمون: تجاسرت على أبي، وسألته لماذا ينوي حبسه وإبعاده، طالما كان الأمر كذلك؟!.
فقال: يا بني، الملك عقيم، فوالله لو نازعتني فيه لأخذت الذي فيه عيناك!!.
أجل، فلو نازعه ابنه في ملكه، لقطع رأسه! أو لفقأ عينيه!!
الغرض من إيراد هذه الواقعة هو تبيان كم يكون الإنسان حقيراً، بالقدر الذي رأيناه، فهو يُعرض عن الحق، مهما كان الحقّ واضحاً كالشمس، وذلك أنّه يحبّ العلوّ، ويحبّ الفضل والامتياز، ويهوى الزعامة والرئاسة!!.
لن ننسى حين أراد إمام الأمة أن يمضي في إنفاذ حكم رئاسة الجمهورية، كي يكون بمقدور الرئيس أن يتصدّى لهذا المنصب شرعاً وقانوناً، لن ننسى قوله: "حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة".
فهذا الإعلان يحمل نذير الخطر للجميع، ذلك أنّ حبّ الدنيا يزرع في رأس الإنسان أنّ كلّ حقّ متاح له، وأنّ بمقدوره أن يسحق كلّ من يزاحمه، أو يزيله من طريقه؛ ففي هذا الغرور والتكبر والإعجاب بالنفس خطر، وأيّ خطر! ومن هنا يُعرف لماذا ينكر الكثيرون الحقّ رغم وضوحه.