الشيخ أحمد إسماعيل
مهمة شاقة وعسيرة أن يستطيع المرء خوض غمار البحث في بحر إحساسات عظمتكم أو أن يسبر أغوار معانيكم، وأنتم الذين أبقيتم المفردات التي تقال بحقكم خجولة والمصطلحات الواصفة لحالاتكم ذابلة، حيث عجزت الكلمات مهما علت في أدبياتها أن ترقى لتصل إلى محل عروجكم، وأنتم الذين أنطقتم الصخر الأصمّ وأطلقتم الألسنة الخرساء لأنّكم معجزة العصر والحجّة على أهل الدنيا بما فيها من مفكرين ومنظرين وفلاسفة... وأنّى لهؤلاء أن يصلوا إلى معرفة حقكم يا بوصلة الاتجاه يا كعبة الشرفاء والأحرار ويا دليل التائهين والحيارى في زمن التيه والضياع...
أخبرونا بربكم عن السر المستودع فيكم؟ عن عظمة ما تحملون من همم تتحدى قمم الجبال، ومن ثبات يشبه ثبات الأنبياء والأولياء، وإصرار على الشهادة يستحضر صورة الحسين عليه السلام في كربلاء، ويستنطق عزمه وثباته وتصميمه، لتتحول كربلاء من بقعة جغرافية إلى بقاع العالم كله. فإذ ببئر الضهر والديدبة والقنطرة والدبشة وزبقين كلها كربلاء المتجددة بحيوية أبطال المقاومة الذين ما زالت دماء الحسين تغلي في شرايينهم وعروقهم، وإذ باليوم العاشر من المحرم يصبغ عالمنا بنظائره لتتحول أيامنا كلها إلى عاشوراء، وكما هي مدرسة كربلاء العطاء المطلق بدروسها وعبرها، هي كذلك مدرسة عظمائكم تحذو حذوها، وكما هي دروس الفضيلة والإيثار والشجاعة والإباء والتفاني الكربلائي، تتعملقون أنتم بمفاهمها وتشمخون بمضامينها وتتحولون إلى عظماء وتدونون أسماءكم في سجل شرف الانتماء إليها، حتّى كأننا بالذين استشهدوا بين يدي الإمام الحسين عليه السلام ليسوا فقط الذين ضرجوا بدم الشهادة في الطف، فهؤلاء هم الخميرة، وليس فقط الذين استبسلوا في كربلاء هم من سمع واعية الحسين واستغاثته لأنكم أنتم معهم سمعتم النداء وتخطيتم بآذانكم الواعية حجابي الزمان والمكان فكانت بصيرتكم منفتحة وقلوبكم طاهرة وكانت جماجمكم لله خالصة لوجهه الكريم غير آبهة بكل الصعاب. وأنتم حينما كنتم تسمعون مجالس العزاء الحسينية أنما كنتم تبحثون عن أنفسكم بين أصحاب الحسين عليه السلام وتفتشون عن مواقعكم في صفوفهم، فأبناء الحسين عليه السلام ورواده أنتم، واستشهادييو المعشوق الأوحد أنتم، الذين تخطيتم وتجاوزتم مدنكم وقراكم ودساكركم وصرتم ممن لا تحجّمهم القرى في مشاكل أهلها الضيّقة.
وصارت عائلاتكم المجاهدة (ناصر، الموسوي، شمص، الجوهري، شبشول، مخ وغيرها من العائلات التي قدّمت شهداء على هذا الطريق) أسماء تشير إليكم، أما أنتم وبعد الشهادة والاستشهاد فصار الانتماء كربلائي والانتساب حسيني وصار الماضي التليد والتاريخ المشرّف جزءاً من الحاضر، ودستوراً للمستقبل يتجدّد عند كلّ مظلوم، وصار الحسين والعباس والقاسم والأكبر ليس تاريخاً يُحكى أو يُبكى، بل حاضر متجذّر متفاعل يتحسّس الأحرار فيه عمق الجراحات ونبض سلامة الرسالة وحيوية يا ليتنا كنا معكم، فسلام عليكم من شهداء أبرار ومن عظماء أخيار.
سلام عليك يا مَن لبّيت النداء (ألا من ناصر حسيني) فكان حسين ناصر ابن بلدة اركي الجنوبي، الذي طالما ردّد شعاراً له في حياته "إن كان دين محمد لم يستقم إلاّ بقتلي فيا قذائف خذيني" وأبيت أن ترحل إلاّ بعد أن تغرز علم المقاومة الاسلامية في قلوب الصهاينة قبل موقع سجد.
سلام عليك أيها السيد الهاشمي تلميذ سيد شهداء المقاومة، أحمد محمد الموسوي تطلق النار وتزرع رصاصات رشاشك في صدور الأعداء في ملحمة استشهادية على بُعد أمتار عن اليهود، وكأنّي بك عندما كنت تؤجّل زفافك رغم توافر ظروفه كنت تريد هذا النوع من العرس والزفاف ... سلام عليك أيها المنتظر للمهدي عجل الله فرجه الشريف مهدي شمص أيها العشق الإلهي الذي آلمك رحيل أخويك شهيدين فيما تبقى أنت على قيد الحياة فكانت ملحمتك مع الشهيد الموسوي وكان الانتصار الكبير في ساحة الوغى لبطلين قاتلا وجاهدا حتى استشهدا. فأبيا إلاّ الرحيل مضرجين بدم الشهادة وترحيل قتلى الصهاينة إلى جهنم الآخرة بعد جهنم الدنيا التي صنعها المجاهدون لهم في لبنان.
سلام عليك يا بن حيدر الكرّار محمد حيدر الجوهري تذب عن دين الله وأنت الذي طلبت التشرف بعملية استشهادية واعتبرتها فرصة العمر في الوقت الذي يتنافس فيه أبناء الدنيا على حطامها ويعتبرونها فرصة لأطماعهم وأغراضهم، سلام عليك أيها الطاهر المواظب على دعاء الندبة المشتاق إلى لقاء الأحبة محمد وصحبه.
سلام عليك يا من سعد بلقاء الأعداء أسعد شبشول فأحب أن يحظى بالسعادة الأبدية فانطلق على مسافة قريبة جداً يقلّد عابس بن شبيب وطريقة حبّه للحسين عليه السلام الذي أجنّه، فيتحول إلى استشهادي يثأر لكلّ المقتولين والأبرياء.
سلام عليك يا من اختصر الطريق إلى الله، أحمد بشير مخ الذي حمل معه وهو يقاتل وصية من اسمه في السماء أحمد البشير النذير، ينذر الصهاينة ويبشرهم بأن أبناء المقاومة الإسلامية سيثأرون لشهداء قانا والمنصوري والجميجمة والنبطية الفوقا وسحمر، فبشراك يا أحمد فزبقين كربلاؤك المتجدّدة تستصرخ ضمائر أحرار العالم.
آهٍ أيها العظماء، كم نقول عنكم ونقول؟ وكم نكتب عنكم ونختار الكلمات؟ وكم ننسّق الجمل والمفردات، لكن صدّقوني ان قلت لكم لا عن مجاملة اعتدناها في دنيانا، فمعكم لا نقدر على المجاملة فشفافية أرواحكم تلفظها؛ صدقوني إن قلت لكم معكم استهلكت الكلمات وبقيت المفردات في حالة خواء وباتت تراكيب الجمل في محراب طهركم هي أشبه بالكلمات المتقاطعة التي تقطع نياط قلوبكم المرهفة الإحساس، لكن شيئاً واحداً يشفع لثرثرتنا على شاطئ عظمتكم ويغفر لفضول تطفلنا على مقامكم الشامخ هو حبنا الصادق لكم، والمرء مع من أحبّ.