ندى بنجك
نزوح..
.. أكثرهم كان في حقول التبغ..
عندما جاءهم الإنذار..
ارحلوا..
وبجنون وصلت النار..
فنزحوا..
هاربون..
لا..
قادمون إلى ملجأ يُفرغون فيه دمعهم
حزموا البيوت في "صُرر"
رفعوا أكفهم مناديل وداعٍ تُلوّح لمن بقي..
فالدرب مجهولة.
كلّ القرى
كانت تلملم اشتاتها عند المفارق
هناك من بقي..
أبوها..
خائف عليهم..
قال: بسرعة لملمي بعض الأغراض،
سنغادر..
بَكَتْ..
ثمّ فتحت "الخزانة"..
تجمع بعض الملابس..
أمسكت بقمصانه تطويها.
قال: اتركي ثياب "يوسف"
وللصمود.. ألوان..
.. في إحدى القرى..
والنار تمتدّ إلى كلّ حيّ، إلى كلّ بيت وجدار
بقي "ختيار"..
ينادونه "أبو علي"..
جاءه مُجاهد في يوم عدوانيّ صعب..
يقول له: إذهب يا حاج إلى بيروت، إلى حيث "العيلة"..
اختنق بدمعتين وأجابه:
أموتُ أنا "يا بني" .. إن غِبتُ عن كرمي.
مجازر..
نور..
والنور الذابل في عينيها، سرعان ما انطفأ..
بُرعم روحها ما زهّرْ..
والنفسُ الأبيض ما خفقْ..
لأيام ثلاثة..
جاءت "لفّة" ملائكية..
نسمة من الجنّة..
ثم غابت، ما أبصرت، ما سمعت، ما تبسّمت
ذابت، كأنّها دمعة..
مَنْ يقرع ضمائر الأمم..
قُلْ نيسان الطفولة المقهورة..
هنا "ملائك" مزّقتها الحِمَمْ..
آهِ نور لو أنّها حيّة..
لكان عمرها سنة..
تحبو إلى الشرفة..
تُشير إلى الزهرة وإلى النجمة..
وتغني لها "النبطية"..
أوّاه صغيرتي..
إنّكِ أجلُ طفلة
شهداء منهم "يوسف بزيع"..
عريساً كان..
وأمّه، كلّ ليلة، تقف على شرفة منزلها..
تطلّ على منزله القريب منهم..
تراه مظلماً..
في أكثر الليالي..
وتسأله في الصباح، أو عند الظهيرة
"وين هالغيبات يا إمّي"
ولا جواب..
لكن، على ثغره أجمل الإبتسامات..
وكثيرون كانوا يرونه..
راحلاً لمسافات طويلة..
وإن كانت داخل البلدة..
لكنها تُثير استغرابهم..
هو.. ماذا يعمل؟؟..
هؤلاء الكثيرون..
بعد اليوم الأول من وقف النار..
استفاقوا على زغردات رحيل في الساحة..
هرعوا..
لمعرفة الأمر..
فرأوا النسوة.. يشْممن قمصانه.
تحيّة..
"يوسف بزيع"
أنا.. لم أعرفك ..
لكنّني رأيتها، صورتك..
لم أستطع أن أقرأ الذي
في وجهك..
لأنّني لست مثلكْ
لكنني أُصلّي كي أكون..
وأُصلّي..
كي تقبل منّي
تحية
سرّ الانتصار..
إليك..
يا أشرف مقاوِمْ..
يا صدراً حمى شمس القرى..
يا دماً ألبس الأرض ثوب عزّ
ولا يزال يُقاوِمْ
أقولُ:
أنت النصرُ..
أنت الفخرُ..
وذا نيسان اليوم ربيعٌ من دمك..
أزهاره من رحيق أنفاسك..
عشبه من ألق خطاك..
طيوره..
تُغنّي مجدك..
في نيسان
إليك نداء الأرض..
أناشيد الصغار..
"تمتمات" العُجّز..
أيّها المقاومْ..
"الله مَعَكْ"
عائدون بالنصر يا بلدي..
احكي عن عائلة واحدة..
وكل الجنوبيين مثلها..
قُبيل الرابعة فجراً..
ومع أول يوم بلا دخان..
قاموا..
كلّهم..
حتّى "مروة" الطفلة الصغيرة..
صلّوا صلاة الفجر..
طُرِقَ الباب..
هو "أبو خليل" جارهم..
جاء لينطلقوا معاً..
إلى حيث كروم الزيتون..
إلى مشاتل التبغ..
إلى الجلسة "العصرونية" على
"السطيحة"..
إلى العمر الذي لا يعيشونه إلاّ
هناك..
وانطلقوا..
وبان الصبح مع وصولهم..
وعلى "سطيحة" بيتهم كانت مجموعة
من الشبان المجاهدين ممن بقوا في
الضيعة..
ينتظرون وصولهم..
أمامهم "الرويقة" البلدية..
وفي عيونهم..
أجمل الأغاني..
والتهاني..
وتحايا الانتصار