مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مناسبة: المهدي: عالمية الإعتقاد

د. علي الحاج حسن‏

 



يحمل الحديث عن الإمام الحجة عجل الله فرجه الكثير من المفاهيم والمعاني والدلالات التي لا يمكن اختصارها في بضعة سطور، ويبقى أنه يمكن قراءتها في بعض مدلولاتها، فالقضية عالمية على مستوى الأديان والمذاهب والمعتقدات، وحاجة ملحة إذا ما أخذنا بالحسبان الحاجيات الإنسانية. وهي من جهة ثالثة عقيدة نابعة من أصول مُحكمة مدعمة بالوحي والرسالة لتشكل إحدى أهم أساسيات وأصول المذهب الشيعي الإثني عشري، ومن هنا كانت الإطلالة عليها في هذه العجالة إطلالة رؤى وأفكار كلية. في البداية يمكن مطالعة نهضة الإمام الحجة عجل الله فرجه الموعود من أول مفهوم ومبدأ توافقت عليه الأديان والمذاهب ألا وهو "المنجي" و"المنقذ"، فنلاحظ أن هذا المفهوم أجمعت عليه التيارات الدينية كافة، وجعلته من أساسيات عقيدتها، وهو مبني وقائم على أسس نابعة من مستوى عال من التعقل والغائية في الحياة البشرية، وصادر عن توجه سليم نحو ما تعمل البشرية على الوصول إليه ألا وهو الكمال والتحرك الدائم والمستمر نحو ما هو أفضل. وبالتالي لا يعني هذا المفهوم الهروب والخروج من الأزمات والمشكلات، بل يرتبط ارتباطاً وثيقاً بما تحمله المعتقدات الدينية من قدرة استدلالية وإقناعية لاتباعها، فالمتدين المؤمن حق الإيمان بتعاليم دينه يجد أن هذه المسألة من الضرورات التي يجب الوصول إليها.

من جهة أخرى لو نظرنا إلى مسألة الإمام الغائب عجل الله فرجه من جوانبها الأخرى لرأيناها واقعاً كرسته الممارسات البشرية اليومية، والتي تبين في أوائل دلالاتها أن الأنظمة الفكرية القائمة عاجزة عن إيجاد منظومة عملية متكاملة ومتناسقة تؤدي وتوصل إلى أهداف قيمة. وفي خضم الحياة البشرية هذه وما تعاني منه من اضطرابات فكرية تبرز الحاجة الماسة إلى الاستماع إلى نداء الأديان والمعتقدات الدينية التي قدمت هذا البرنامج المنظم الهادف للحياة البشرية فكانت أساسيات التكامل والرقي والنجاة والخلاص من أبرز معالمها. لقد عمل الكثيرون على إحلال النظم العلمية الجديدة مكان الاعتقادات المستمدة من الوحي، على اعتبار أن ما يحتاجه الفرد يمكن تأمينه من خلال العلم الحديث ولا ضرورة للتعاليم الدينية، وهذا ما ثبت فشله على الأقل بعد أعوام من التجربة، إذ نشاهد العلم قاصراً عن تلبية الحاجيات البشرية سوى ما يتعلق منها بالأمور المادية الآنية، ولم يتمكن من حل المشكلات الأخرى، ولم يكن بمقدرته معالجة المسائل الإعتقادية، لذلك فالتجربة أثبتت أن الأصول الإعتقادية الدينية هي الأجدر في دراسة هذه الأمور وتقديم حلول لها. ومن جملة ذلك فكرة "المنجي" فإذا كان العلم لا يقدم النجاة ولا الكمال فالدين بمعتقداته هو الوحيد المخول القيام بهذه المهمة وهو الذي أثبت كفاءة عالية في تقديم منظومة علمية وعملية للبشرية تقودها إلى المفاهيم والغايات التي تصبو البشرية إليها، وكنتيجة لهذا الأمر يمكن القول بأن فكرة نهضة الإمام الغائب عجل الله فرجه وقضية المنجي فرضت نفسها باعتبار أنها تتحلى بأكبر مقدار من الواقعية والصدق والمعقولية، وهنا لو عدنا إلى فكرة الإمام المهدي عجل الله فرجه لأمكننا تسجيل الملاحظتين التاليتين:

* أولاً: مسألة الإمام المهدي عجل الله فرجه ليست تجسيداً لعقيدة إسلامية ذات طابع ديني فحسب، بل عنوان واسع وعريض اتجهت إليه البشرية بكل أطيافها واتجاهاتها وعقائدها اتجاهاً فطرياً نابعاً من الحاجة الماسة لعقيدة متعالية بعيدة عن الادعاءات البشرية التي حكمتها المصلحة والمنفعة والأنانية. وما فطريتها ومحاكاتها للضمائر إلا لأنها صادرة بالبداية عن الوحي ولأنها تشكل الاستمرار الحقيقي للرسالة ولمسيرة المعصومين عليهم السلام.

* ثانياً: بما أن هذه العقيدة تتحلى بصفات عالمية فمن الطبيعي أن يكون الهدف الذي تنشده وتسعى لتحقيقه رفيعاً، وهنا تطالعنا الكثير من الروايات التي تحدثت عن أهمية نهضة إمام الزمان عجل الله فرجه في رفع الجور والظلم وإقامة حكومة العدل العالمية، على أساس أن ما تعاني منه البشرية منذ أن اعتمدت الأيديولوجيات البشرية ناتج عن ممارسات الجور والظلم التي أفرزتها هذه المعتقدات البشرية، وفقدانها الأمل بوجود جانب آخر لهذه المعتقدات يحمل في طياته مفاهيم بعيدة عن المصلحة الدنيوية والفئوية...

على أساس ما تقدم من كليات هذه النهضة يمكن الإشارة وباختصار إلى بعض عناصرها التي تشكل خيط أمل للمعتقدين بالإمام الغائب عليه السلام:
* أولاً: إن الإيمان والتفاؤل بمستقبل البشرية يشكل العنصر الأساس في الإيمان بهذه النهضة ويشكل العمود الفقري لهذه الحركة. وهذا خلاف ما بشرت به المدنية الحديثة والأيديولوجيات البشرية فالظلم والجور والشر من الأمور التي لا يمكن لها أن تكون قدراً للبشرية، ولا هي من الأمور التي تقبل الاستمرار والدوام. إذاً، مع الإيمان بنهضة الإمام عجل الله فرجه نمتلك الأمل والإيمان بمفاهيم العدالة والخير والصلاح، وبالتالي تتشكل العناصر الأساسية لحركة الإنسان التكاملية.

* ثانياً: يشكل مبدأ انتصار الحق على الباطل عنصراً آخر من عناصر هذه النهضة وسمة بارزة من سمات دولة الحق وهذا هو المسير الطبيعي لحركة الصراع بين الأفكار والمعتقدات والسلوكيات، التي يجب أن تنتهي مع وجود عقائد حقة إلى انتصار الحق على الباطل والسليم على الفاسد. وهذه نقطة أمل أيضاً في سبيل تشكيل دولة الحق.

* ثالثاً: يطالعنا مفهوم آخر في هذه النهضة وهو تحقيق المساواة وهي نتيجة طبيعية لتحقق سيادة العدالة.

* رابعاً: يعد البشرية بالانتقال إلى مرحلة متقدمة من النضج والتكامل في الجوانب العلمية والعملية عنصراً آخر في هذه النهضة؛ وذلك لأن توافر المقدمات الفكرية السليمة وتمهيد الطريق أمام شيوع وسيادة الصدق والحقانية والواقعية والتحرر من كل ما يبعث على اتباع الأهواء والغرائز، كل هذا يؤدي إلى شيوع منطق العلم والعقل والواقعية، ويوصل الإنسان إلى أعلى مراتب الكمال والنضج وإلى ما هنالك من عناصر أخرى كانت محوراً هاماً في طريق تقديم أنموذج ونظام أصلح للبشرية يكون به نجاتها، ومن خلاله تتحرك في سبيل الخير والصلاح. وعلى هذا فإن الاعتقادات والأيديولوجيات البشرية كافة مدعوة للنظر والتدقيق أكثر في مبانيها وأسسها لمعرفة مدى موفقيتها وصدقها واعتبارها في تقديم ما هو أفضل للبشرية.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع