مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

اعرف عدوك‏: أعمدة إسرائيل السبعة /3 : الإعلام‏

حسن زعرور

 



في حديثٍ لصحيفة "باري ماتش" في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، تبجّح موشيه دايان بأن "العرب لا يقرأون... وإذا قرأوا لا يستوعبون... وإذا استوعبوا فإنهم ينسون"... دايان هذا وقف أيام هزيمة بلاده في حرب الغفران عام 1973 باكياً "لم أعتقد أن الحرب ستقع وأن العرب سيهاجمون"(1). إن هالة دايان وسواه "والجيش الإسرائيلي السوبر" اختلقها إعلام موجّه خاضع بكليته للمال والقرار الإسرائيلي بحيث تحول إلى أشد أسلحة إسرائيل فتكاً بالعقول ليس على مستوى العالم العربي فحسب وإنما على مستوى العالم كله.

* التلاعب بالعقول‏
بين الإعلاميين مفهوم غير مدون "ليس من الضرورة أن تكون مؤيداً مكشوفاً لإسرائيل، غير أنه من الضروري أن لا تكون معادياً لها في أي قطر من الأقطار كنت". إن أي وسيلة إعلامية يحتاج نجاحها إلى جملة مقومات منها "التمويل الاعلاني" و"الدعم المالي" و"الصلات العملانية الوثيقة مع الوكالات الدولية". وكل وسيلة والمقروء منها على الأخص يفوق سعر تكلفتها أربعة أو خمسة أضعاف سعر مبيعها في السوق، وعليه فإن خضوعها لمن يموِّلها لسد العجز حتمي، ويشكل الارتهان والتبعية الأدائية فارقاً بين موت تلك الوسيلة الإعلامية أو حياتها، وهي حياة تحتّم تنفيذ ما تؤمر به من المموّل واختلاق المكونات اللازمة للتنفيذ من أرضية سياسية واجتماعية وفكرية تؤطر عقل القارئ وتوجهه في المنحى الذي تعمل عليه وحثّه على الإيمان به والدفاع عنه. "إن بنية الثقافة الشعبية التي تربط عناصر الوجود بعضها ببعض وتشكل الوعي العام بما هو كائن، بما هو هام، وما هو حق، وما هو مرتبط بأي شي‏ء آخر، هذه البنية أصبحت في الوقت الحاضر منتجاً يتم تصنيعه"(2).

لقد بات لتضليل العقول في الدول الاستعمارية مدارس خاصة، ومناهج يعمل عليها البحاثة والدارسون من ذوي الاختصاص يعملون على تعليب الوعي وصنع الأفكار والتوجيه العام للمجتمعات ودفعها للتفاعل مع الحدث الموجّه الذي يراد منها الإيمان به. ويقول هنري لويس مؤسس "تايم" و"لايف" و"فورشيون" و"سبورتس" و"الوستراتيد" بهذا الخصوص "إن الموضوعية الصحفية المزعومة أي الزعم بأن الكاتب الصحفي يقدّم الحقائق كما هي هي شي‏ء زائف تماماً، وبالتالي فعندما نقول لتذهب الموضوعية إلى الجحيم فإننا نعني ذلك"(3).

وبما أن إسرائيل تمتلك بصورة منظورة وغير منظورة أسهماً في معظم الوكالات العالمية فإن سيطرتها على الرأي العام وصلت إلى مرحلة من التطور السلطوي لم يسبق له مثيل، بما في ذلك وكالات إعلام عربية ذات وزن وسمعة محترمين. كما أن شراء الممولين الإسرائيليين لمؤسسات إعلامية مرئية ومسموعة ودور نشر وأجهزة الإعلام السمعي والبصري قائم وبوتيرة عالية على مستوى العالم كله بما في ذلك العالم العربي. ونلحظ إنحسار ردود الفعل العربية على العدوانية الإسرائيلية كمؤشر على تدجين العقل العربي اتجاه إسرائيل بسبب دور بعض الإعلاميات العربية الخاضعة ولو بصورة غير مكشوفة لقرار التمويل الإسرائيلي.

* تضليل العقول:
أوائل القرن الماضي اجتاحت أوروبا في ظلِّ التكثيف الإعلامي الموجّه موجة غير مسبوقة من التعاطف مع اليهود استغلتها الصهيونية لاحقاً بالدعوة إلى "بناء وطن قومي يهودي في فلسطين" من دون أن تلقى أي ممانعة في العقل الأوروبي الواقع. على مثل ذلك النمط تم وضع الخطط لاحقاً لتضليل العقول في عملية خداع يصعب حصرها في أسطر قليلة، إبتدعت مفاهيم ثقافية جديدة "الحرية والمساواة والعدالة وحقوق الإنسان العالمية" مفاهيم براقة ومثل عليا استغلت لخدمة الإسرائيليين ولمصلحتهم(4) بحيث لم يقم إنسان ما في أي جزء من العالم بالدعوة للحرية والمساواة والعدالة وحقوق الشعب الفلسطيني. معاداة السامية استغلت من دون أن يسأل أحد ما في العالم "ولكن العرب هم الساميون"؟ كل شي‏ء في خدمة إسرائيل "وإن أراد فلسطيني أن يبني بيتاً عليه أن ينتظر سيده (الإسرائيلي) ليبت في الأمر"(5)، ومع ذلك تظلّ إسرائيل معقل الحرية والديمقراطية في الشرق. وما يحزن فعلاً ترويج كثير من إعلامياتنا لهذه المقولات، وما يبكي إقتناع مثقفينا بها.

* صناعة القرار:
يروي الصحافي الأميركي الصهيوني فريدمان (النيويورك تايمز) في أكثر من مكان ومقال كيف أقنع القادة العرب "بتعرية" إسرائيل أمام المجتمع الدولي عن طريق قيام هؤلاء القادة في مؤتمر القمة العربية بإظهار "حسن النوايا" و"السياسة الواقعية" بطرح مبادرة عربية للسلام تقبل فيها الدول العربية بوجود الدولة العبرية ضمن حدود عام 1967. يومها وصف بنيامين بن اليعازر وزير الدفاع الإسرائيلي الطرح العربي وكان على حق في ما يقوله بأنه "أهم خطوة لمصلحة إسرائيل منذ قيامها بل منذ نشوء الحركة الصهيونية". بعد ساعة واحدة من القرار وسط طنطنة الإعلام العربي للخطوة "الحضارية" اجتاح الجيش الإسرائيلي بقيادة شارون مناطق السلطة الفلسطينية في غزة والقطاع. يومها احتلت المبادرة العربية معظم الصفحات الأولى في الجرائد العربية، أما الاجتياح الإسرائيلي فقد أوردته تلك الصحف "الوطنية" في خبر صغير في الصفحات الداخلية. إن شراء الأثرياء الإسرائيليين لأكثرية الصحف العالمية يجري بإشراف الحكومة الإسرائيلية وتدار المعلومات المصنّعة فيها من قبل جهاز الموساد الإسرائيلي الذي يشرف مباشرة على صناعة الأخبار وفبركتها ونشرها وتوزيعها على وسائل إعلامية معينة تدور في الفلك الإسرائيلي. في عام 1982 اشترى مورتيمر زكرمان مجلة أتلانتك الأميركية الرفيعة المستوى ثم أدلى بتصريح واضح أنه "لن يسمح بنشر أي مقال يمس حق إسرائيل بالوجود".

ولاحقاً عندما لمّحت مجلة نيشن إلى روابط بين إسرائيل وجنوب أفريقيا قطع زكرمان دعمه عنها، مما أجبر المجلة على إلغاء صفحة الشرق الأوسط كلياً من أعدادها. وزكرمان هذا وبناء على نصيحة الموساد، وبهدف التغطية على فضيحة الجاسوس الإسرائيلي في أميركا جوناثان بولارد قام بشراء عدد من المجلات والمنشورات الكبرى في الولايات المتحدة بينها "يو. إس. نيوز أند وورلد ريبورت" بهدف مساعدة إسرائيل في ميدان العلاقات العامة. وتولت صياغة أخبار الشرق الأوسط في الوكالة المذكورة هيئة أبحاث مركزها في القدس تدعى "دبت نيوز" ويديرها جيورا شاميش و"جنرال من المخابرات العسكرية الإسرائيلية"(6).

عندما ننظر إلى أذرع نيوز اند وورلد ريبورت وامتداداتها في إعلامياتنا العربية، هل يصعب علينا بعدها ملاحظة الأثر الإسرائيلي في الخلافات العربية العربية، وفي إثارة النعرات الطائفية والمذهبية، وفي اختلاف العداوات بين البلدان العربية، لأسباب يتم تضخيمها وتجذيرها وتكرير المصطلحات الإسرائيلية الأساس لتثبيتها وترسيخها في الذات العربية، باستعمال يومي متكرر خدمة للدولة العبرية ووجودها الذي يقوم على مبدأ الخلافات العربية بعضها البعض وشعوبها ومجتمعاتها؟ "إذا استطاعت الدول العربية أن تتغلب على خلافاتها فيما بينها فستكون إسرائيل في محنة وخطر كبيرين لذا يجب علينا أن نحرص على أن تبقى النزاعات العربية الداخلية مستمرة ونار الخلافات مشتعلة"(7). والأسلوب الأفضل لذلك هو الإعلام والذي هو أحد أخطر الأسلحة الإسرائيلية في عالمنا العربي والإسلامي اليوم!


(1) يشعيا بن فورات وآخرون، المحدال، ص‏73، مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
(2) هربرت شيللر نقلاً عن جورج جيبرنر، كتاب المتلاعبون بالعقول، ص‏103.
(3) سوانبرغ، امبراطورية لوس، ص‏331.
(4) جاك تني، الأخوة الزائفة، ص‏138 139، مؤسسة الرسالة.
(5) يوسي ميلمان، كتاب الإسرائيليون الجدد، ص‏207، الأهلية للنشر والتوزيع.
(6) ستيفن غرين، مساومات مع الشيطان، ص‏37، شركة المطبوعات.
(7) جاك تيلور، أوراق الموساد المفقودة، ص‏132، دار نادر للنشر

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع