الشيخ موسى خشّاب
بعد معرفة النقطة الأساسيّة التي يركّز عليها العدوّ في حربه علينا من أجل استقطاب الشباب وتدمير الأسرة، حيث تحدّثنا عن ذلك في العدد السابق، علينا أن نواجهه ونتصدّى له، ويجب أن نركّز في المواجهة على النقطة نفسها، وهو ما سنتناوله في هذا المقال.
•إخماد نيران العدوّ من مصادرها
على العاقل أن يواجه عدوّه من حيث يأتي. وإنّه من غير المنطقيّ أن يأتي العدوّ من جهة ونواجهه في جهةٍ أخرى، تماماً كما يجري في الحروب؛ فحين يطلق العدوّ النار من نقطة معيّنة، ينبغي توجيه الردّ نحو النقطة نفسها لإسكات مصادر النيران. وعلى هذا الأساس، بما أنّ العدوّ يسعى لإظهار الحياة الغربيّة بصورة جاذبة تخدع عوامّ الناس، فعلى المتبصّرين أن يكشفوا الوجه الحقيقيّ للحياة الغربيّة، ويزيلوا ذلك القناع "الجميل" المزيّف عن وجه الغرب القبيح الحقيقيّ، الذي يئنّ من قيمه الفاسدة، وذلك ضمن خطوات مدروسة ومحكمة انطلاقاً من صعيدين أساسيّين:
أوّلاً: المواجهة الفكريّة
إنّ الفكرة التي روّج لها الغرب حول وصول الإنسان إلى السعادة من خلال الحريّة ينبغي أن تواجَه من خلال:
1- إسقاط قناع هذه الفكرة: وبيان المقصود الحقيقيّ منها، وهو أن يصبح الشاب غير مبالٍ، وبيان أنّ المقصود من التحرّر هو التحرّر من المسؤوليّة.
2- ترويج فكرة صحيحة عن سعادة الإنسان: مفادها أنّ سعادة الإنسان مرتبطة بمراعاة الضوابط وليس بالتحرّر منها، وإنّ نجاح أيّ خطوة في هذا العالم لا يمكن أن يتحقّق من دون رعاية الشروط الخاصّة بها؛ فلو أردنا الحصول على وردة جميلة لا بدّ من زراعتها وسقايتها ورعايتها بطريقة مناسبة تراعي الشروط والقوانين التي تضمن لنا تحقّق النتيجة، ومن دون رعاية تلك الشروط لا يمكن الوصول إلى ما نريد. وهذه الشروط والقيود والضوابط ينبغي أن تكون نابعة من الحقائق لا من الأوهام. وبعبارة أخرى، إنّ الكون تحكمه قوانين هي بمثابة الميزان لصلاحه، وعدم مراعاة هذه القوانين يؤدّي إلى الفشل. وينبغي أن تكون الضوابط نابعة من هذه الحقيقة لا من مجرّد آراء استنسابيّة. فمثلاً: إنّ الزواج متناسب مع القانون الطبيعيّ، والشذوذ لا يتناسب معه، وقد وضع الله تعالى أحكاماً شرعيّة مبنيّة على هذا القانون، فحرّم الشذوذ وأحلّ الزواج. وكذلك فإنّ طبيعة المرأة تميل إلى الأمومة والاستقرار، فوضع الله تعالى الضوابط التي تراعي هذا الشعور الطبيعيّ. وهكذا في الأحكام الشرعيّة كلّها، فهي تدور مدار القوانين الطبيعيّة التكوينيّة، في حين تعمد الثقافة الغربيّة إلى التفلّت من تلك الضوابط والتحرّر منها.
ثانياً: المواجهة العمليّة
مضافاً إلى الخطوات على المستوى النظريّ، فإنّ هناك العديد من الخطوات على المستوى العمليّ. وهذه الخطوات العمليّة ينبغي أن تتّسم بالحكمة وبالإيجابيّة والرفق بعيداً عن التشدّد والانفعال والقسوة والنظرة السلبيّة. ومن هذه الخطوات:
1- التفهّم: من خلال حسن الاستماع إلى الشباب ومحاورتهم وإقناعهم ومجادلتهم بالتي هي أحسن، والابتعاد عن القمع الفكريّ والتقريع والإحباط والكلام الجارح الذي يهدم الثقة بالنفس لديهم.
كذلك، فإنّ كثرة المواعظ والأوامر، والإكثار من الملاحظات والانتقادات، تؤدّي من دون شكّ إلى إيجاد حالة من النفور لدى الشباب تجاه الأهل.
2- التربية: من خلال تنمية القابليّات التي أودعها الله تعالى فيهم على مختلف المستويات، من قابليّات فكريّة وقدرات ومواهب وهوايات، ليتمكّن هذا الجيل من إثبات ذاته وأخذ دوره المتناسب مع قدراته، ويحوّله إلى إنسان منتج ومفيد ومؤثّر.
3- الارتواء العاطفيّ: من خلال ضخّ العاطفة القلبيّة من الأهل تجاه أبنائهم. وتتمثّل بالاهتمام بهم وبحاجاتهم وهواجسهم ومخاوفهم، وإعطائهم القدر الكافي من الاحترام ومجالستهم باستمرار، وتفعيل الأجواء العائليّة على المائدة وفي السهرات، وصولاً إلى تقبيلهم واحتضانهم، والتودّد إليهم بمختلف الطرق. ومن المفيد جدّاً تخصيص ولو ساعة يوميّاً لجلسة أنس عائليّة بعيداً عن الهاتف والتلفاز.
4- منع تسلّل العدوّ إلى بيوتنا: وذلك من خلال الالتفات إلى السموم التي تُبثّ من خلال التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعيّ، ومنع وصول تلك السموم إلى عقول الشباب، من خلال ضبط هذه الأدوات أوّلاً، وإيجاد البدائل الجاذبة ثانياً.
•سموم العدوّ في عسلنا
1- خطر البرامج التلفزيونيّة: البرامج التلفزيونيّة إحدى أهمّ الأدوات التي تُستخدم لترويج نمط الحياة الغربيّة وإظهارها بصورة جاذبة بطرق مختلفة. وقد يظنّ الأهل أنّ ضبط هذه الوسائل يقتصر فقط على منع مشاهدة الأفلام المخلّة بالآداب. وهذه الفكرة خاطئة جدّاً، فالخطر لا يكمن فيها فقط، وإنّما في الكثير من المسلسلات والأفلام التي تروّج لنمط الحياة الغربيّ، كالبرامج التي تُظهر شبّاناً وشابّات يعيشون بحريّة تامّة، فيقيمون العلاقات والصداقات والحفلات بكامل الحريّة، وغيرها من البرامج التي لا يتّسع المجال لذكرها.
2- خطر وسائل التواصل الاجتماعيّ: وفي هذا العصر، تشكّل وسائل التواصل الاجتماعيّ رأس الحربة في استهداف الجيل الشاب وتنميطه بنمط الحياة الغربيّة، من خلال مواقع التواصل وتطبيقات الدردشة والألعاب. وتكمن خطورة هذه الوسائل في صعوبة مراقبتها وضبطها بخلاف التلفاز، وفي سهولة الوصول إلى كلّ ما يؤدّي إلى الفساد الأخلاقيّ والفكريّ، وكذلك في إمكانيّة تسلّط بعض الأشخاص الفاسدين على عقول الشباب ونفوسهم، وخداعهم. وقد ذكر المختصّون العديد من الطرق التي تساهم في ضبط هذه الأجهزة.
3- خطر الاختلاط: كذلك فإنّ أحد أهمّ أساليب الجذب عند العدوّ، والتي يقع الشباب في شباكه من خلالها، هي الأنشطة المختلطة؛ من قبيل الرحلات والحفلات والسهرات وغيرها. ويمكن القول إنّ الاختلاط يُعدّ السلاح الفعّال الذي يحرف الشباب عن توجّهاته الأصليّة، ويضعّف قدرته الإنتاجيّة على المستوى العلميّ والفكريّ.
•لنستيقظ قبل فوات الأوان
إنّه خطر حقيقيّ يتهدّد أولادنا وشبابنا، خطر يفترس قيمنا وثقافتنا وهويّتنا بأنيابه الحادّة، ويلتهم أجساد عائلاتنا ومجتمعاتنا. فلنبقَ يقظين وواعين، ولنحسن المواجهة والتصدّي بكلّ الطرق والوسائل التي من شأنها أن تحفظ أبناءنا وأُسرنا.