مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مفهوم النَّصر في الإسلام‏

الشَّيخ حسن حمادي‏

 



النصر لفظ ذو مفهوم مشكِّك(1) وذلك تبعاً للخلفيات الثقافية والاعتقادية، فكل أتباع ثقافة ينظرون إلى مفهوم النصر وبالتبع إلى مصاديقه من خلال ما يحملون من ثقافة ومفاهيم ورؤى، وباختلاف الثقافات تختلف النظرة إلى الانتصارات وادعائها، فقد تنظر جماعة أو أمة في عصر محدد إلى حدث معين أو إلى نتيجة مواجهة ما على أنها انتصار محقق وعظيم، في حين يرى آخرون على أنها هزيمة أو إخفاق. وقد يرى أهل زمان عملهم انتصاراً وتنظر إليه الأجيال القادمة بخلاف ذلك أو على العكس.

* النصر في تحقيق الرضا الإلهي‏
نقول بنحو آخر: إن النصر إنما هو عبارة عن تحقيق الأهداف وإنجازها، فكلما اقترب حملة الأهداف من تحقيق ذلك وكانت النتائج جلية وناجزة كلما كان النصر أعز وأرفع، هذا إن كانت تلك الأهداف صحيحة ومشروعة وكانت مقدمات الوصول إليها كذلك تبعاً للخلفية الثقافية والاعتقادية للأمم والأفراد كما أسلفنا. أما مفهوم النصر من وجهة نظر الإسلام، فيتضح من مجموع الآيات والروايات والسيرة النبوية وكذلك سيرة أهل بيت النبي عليه وعليهم السلام وأصحابهم الخلص رضوان اللَّه تعالى عليهم أن النصر في المفهوم الإسلامي هو ليس إلا نفس تحقق وتحصيل الرضا الإلهي ونيل رضوان اللَّه تعالى لأنه: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ولأنه: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ فكيف يتحقق النصر بمعناه الإسلامي والذي هو ليس إلا نصر اللَّه، من غير رضا اللَّه تعالى؟!... والرضا الإلهي وبالتبع الرضوان لا ينال إلا من خلال لزوم الأمر والنهي الإلهيين ودوام الطاعة كما يريد اللَّه ويحب أن يطاع، فالنصر بناء على هذا الفهم لا يتحقق بغير ذلك وإن ظن الكثيرون ظاهر أعمالهم فوزاً ونصراً، حيث ينطبق عليهم قول اللَّه تعالى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (الكهف: 103 - 104). فالسعي والعمل أو الجهاد والصراع الذي يختتم بالفوز والنصر فقط وفقط هو ما كان للَّه وفي سبيله، خالصاً لوجهه.

* لا وجود للهزيمة في الإسلام‏
بهذا المقياس للنصر لا تكون القيمة لنوع العمل ولا لحجمه أو لعظم القتال وحجم التضحيات في ساحات الوغى بل تكون القيمة كل القيمة تبعاً للنية وخلوصها وسلامة المنطلق وإصابة كل ذلك لمواطن الرضا الإلهي، ومع هذه الفلسفة لمفهوم النصر والتي تشكل جوهر القضية هنا، فإن كل عمل يصدر عن الإنسان صغيراً كان أم كبيراً حقيراً أم خطيراً فإنما تكون نتيجته نصراً وفوزاً وربحاً لا خسارة معه ما دام ذلك كله للَّه وموافقاً لرضاه، وحتى لو كانت نتيجة ذلك العمل بحسب الظاهر الخسارة أو الهزيمة المادية. وفي المقابل فإن كل عمل مهما كان كبيراً وعظيماً بحسب الظاهر وحتى لو صُنِّف في خانة الفوز والانتصارات الكبرى فإنه بنظر الإسلام لا يعد كذلك ما لم يكن المنطلق والنية وجه اللَّه وحده، وعليه وطبقاً لهذه الفلسفة الإسلامية للنصر لا وجود ولا معنى للهزيمة في حياة المؤمنين فهم منتصرون في كل الأحوال، سواء غلبوا عدوهم أم غلبهم العدو، ﴿وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (النساء: 74) وهذا هو معنى فوز المجاهدين بإحدى الحسنيين النصر أو الشهادة، فالمجاهد إذا هزم عدوه في ميدان الحرب يكون قد حقق الانتصار والفوز في الدنيا على مستوى الغَلَبَة، وفي نفس الوقت يكون قد حصّل الأجر في الآخرة بسبب القضاء على عدو اللَّه والإنسانية وبسبب تحصيل رضا اللَّه من خلال تلبية نداء الجهاد والنصرة الإلهية، وأما إذا استشهد المجاهد فإنه يكون قد حصل على منتهى الآمال وغاية الغايات وفاز برضوان من اللَّه أكبر من خلال ما أُعدَّ للشهيد من منزلة ودرجة رفيعة في الآخرة، فالانتصار في الإسلام يتحقق بمجرد الثبات على الحق والتمسك بالأهداف الإلهية بقطع النظر عن النتيجة والتي إذا ما تحققت بدورها فإنها تضيف سبباً لمزيد من الفرحة بنصر اللَّه ورضاه وإعزازه للمؤمنين في الدنيا قبل الآخرة.

* إذا حلّ‏َ الإيمان حلّ‏َ النصر
إن المسلمين المؤمنين حقاً باللَّه يعتقدون بل يؤمنون بأنهم منتصرون على كل حال لذا فهم لا ينظرون إلى كثرتهم أو قلتهم ولا إلى نوع عتادهم وإمكاناتهم التي حصلوا عليها بأقصى جهدهم وهي لا تقاس بإمكانيات الأعداء وذلك لأنهم يؤمنون بقول اللَّه تعالى ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ (آل عمران: 123) وقوله تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (الروم: 47) وقوله تعالى: ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ (آل عمران: 16) وبعبارة أخرى فإن انتصار المؤمنين إنما يتحقق بمحض القيام بالتكليف الشرعي والواجب الجهادي حتى وإن قاتلوا وهم قلة وعاشوا الوحدة والغربة واستشهدوا بعد ذلك. والمؤمنون يتوكلون على اللَّه ويعتقدون بأنه القادر على نصرهم في ميادين الحرب والجهاد فهو الذي يهدي عقولهم ليتدبروا أمورهم بشجاعة العاقل الحكيم، ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (العنكبوت: 69) وهو الذي يؤيدهم بعناياته الخاصة فيبتكرون وسائل للجهاد تحير العدو ﴿وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ(إبراهيم: 11)، وهو الذي يمدهم بسبب من السماء حينما يعز الناصر والمعين فيرتفع الدعاء بالنصر والمدد: ﴿فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (الأنفال: 9)، وهو الذي يقذف الرعب في قلوب الأعداء فيهزمهم من قبل أن تلقوهم: ﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًاً (الأحزاب: 26). إن المؤمنين يعتقدون أن النصر مخبوء في عمق الإيمان، فأينما حل الإيمان يحل النصر، النصر الذي لا هزيمة معه، والنصر الذي يلازمه الاطمئنان إلى الفعل وإلى النتيجة والمصير، ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (البقرة: 250)، وأي نصر أعظم للإنسان من أن يحيا بقلب مطمئن هادي‏ء وفي كل الظروف، إنه نصر الثقافة الإسلامية المجيدة التي كتبها عظماء الإسلام بمداد دمهم القاني والطاهر.

إنها ثقافة رسول اللَّه ا الذي أوذي في اللَّه ليرسم لنا طريق النصر وثقافة علي عليه السلام الذي قال حين سقط مضرجاً بدمه في محراب الصلاة "فزت ورب الكعبة"، إنها ثقافة الحسين وأبنائه وصحبه في كربلاء الثقافة التي علَّمت الأجيال كيف يمكن للدم أن ينتصر على السيف. إنها ثقافة انتصار من كان مع الحق وكان الحق معه فلا يخشى الإنسان معه شيئاً كما أجاب علي الأكبر أباه الحسين د عندما سأله رأيه بالموت في كربلاء فأجاب بشجاعة المنتصر على الدوام: "ألسنا على الحق يا أبتاه فإذن واللَّه لا نخشى أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا".


(1) يحمل أكثر من معنى.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع