لقد رأينا ورأيتم لا سيما في القرن الأخير الذي شهد توغل القوى الكبرى ناهبة العالم، ودخولها المرحلي للبلدان الإسلامية وعموم البلدان الصغيرة، رأينا ورأيتم أن أيّاً من الحكومات المتسلطة على تلك البلدان لا تفكر بحرية واستقلال ورفاهية شعوبها، بل إن غالبيتها شبه المطلقة، إما أن تكون قد بادرت بنفسها لممارسة الظلم والقمع بحق شعوبها من أجل مصالحها الشخصية والفئوية أو من أجل رفاهية فئة المترفين والأعيان، فيما كانت الفئات المظلومة محرومة من كل هبات الحياة.
وإما أن تكون تلك الحكومات قد نصبتها القوى الكبرى لتجند كل طاقاتها من أجل ربط البلدان والشعوب بها، وتحويل البلدان بمكائد شتى إلى أسواق للشرق والغرب وجعل الشعوب متخلفة استهلاكية ليؤمّنوا بذلك مصالحهم. إن الذي يتبع الدين الإسلامي يجب عليه أن يعارض القوى العظمى، ويخلّص المظلومين من مخالبها.. إن الذين يعترضون علينا ويقولون لماذا لا تصالحون القوى الفاسدة، إنما ينظرون إلى جميع الأمور بنظرة مادية، ويفسرون الأمور من خلال العين المادية. إنهم لا يعلمون ماذا كان نهج أنبياء اللّه؟ كيف كانوا يتعاملون مع الظالم؟ أو أنهم يعلمون ذلك ولكنهم يتجاهلون.. إن مصالحة الظالم تعدّ ظلماً للمظلومين، وإن مصالحة القوى العظمى تعدّ ظلماً للبشرية. إن الذين يطلبون منّا المساومة إما جهلة وإما عملاء. إن مصالحة الظالم تعني إطلاق يده لممارسة الظلم، وهذا يعارض رأي جميع الأنبياء، فلقد سعى الأنبياء العظام بجدّ قدر استطاعتهم لإزالة الظلم عن هذا الإنسان الظالم، بالموعظة وبالنصيحة وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ (الحديد: 25). وعندما لم تنفع الموعظة ولا النصيحة، لجأوا إلى آخر الدواء "الكي" آخر الدواء هو الحرق، السيف هو آخر الدواء.
أيها المسلمون في جميع أقطار العالم، بما أنكم تحت سلطة الأجانب مبتلون بالموت البطيء عليكم أن تنتصروا على الخوف من الموت، لا تفكروا في الإبقاء على الوضع القائم، بل فكروا في التخلص من الأسر، وفي التحرر من العبودية والثورة على أعداء الإسلام، لأن العزة والحياة إنما هما في ظل الكفاح، وإن أول خطوة في الكفاح هي الإرادة، وعاهدوا أنفسكم بعد ذلك على منع سيادة الكفر والشرك العالمي وبخاصة أمريكا.. وصيتي إلى شعوب البلدان الإسلامية أن لا تنتظروا أن يأتيكم أحد من الخارج ليعينكم على الوصول إلى الهدف، وهو الإسلام وتطبيق أحكامه، يجب عليكم أن تنتفضوا من أجل هذا الهدف الذي يحقق الاستقلال والحرية وليدعُ العلماء الأعلام والخطباء الموقرون الحكومات في البلدان الإسلامية إلى التحرر من التبعية للقوى الأجنبية، وإلى التفاهم مع شعوبها فبذلك سيكون النصر حليفها. وليدعُ أبناء الشعوب كذلك إلى الوحدة ونبذ القومية العنصرية، فهي خلاف المبادىء الإسلامية، وأن يمدوا يد الأخوة إلى إخوتهم في الإيمان في أي بلد أو جنس كانوا، فقد اعتبرهم الإسلام العظيم إخوة، وإذا تحققت هذه الأخوة يوماً ما بهمة الحكومات والشعوب وتأييد اللّه سبحانه وتعالى، فسترون أن المسلمين يشكّلون أكبر قوة في العالم. نأمل أن يأتي ذلك اليوم الذي تتحق فيه هذه الأخوة والمساواة بمشيئة اللهّ تعالى.
نحمد اللّه الذي أراد أن يمنّ على المستضعفين ضد المستكبرين، ويطهّر الأرض من رجس المستكبرين، وأن يرث المستضعفون حكومة الأرض.. فالإسلام جاء لهذا الهدف، والتعاليم الإسلامية تستهدف تحقيق هذا المعنى، وهو أن لا يبقى ولو مستكبر واحد على الأرض، وأن لا يتمكن المستكبرون من استعمار المستضعفين واستثمارهم. إننا نفهم من تعاليم القرآن السامية وسيرة الرسول الأكرم وأئمة المسلمين، ومن سيرة الأنبياء كما ينقلها القرآن، أنه يجب على المستضعفين أن يجتمعوا معاً ويثوروا ضد المستكبرين، ولا يدعوا أولئك يأخذون حقوقهم. إننا تحركنا من خلال هذه التعاليم، واستقبل شعبنا الشهادة لأجل هذا الهدف، ولأن الشهادة كانت هي الهدف؛ فقد انتصر بالقبضة والدم على جميع القوى الجهنمية والدبابات والبنادق والقوى العظمى.