السيِّد سامي خضرا
يجب العمل لإصلاح النفس وتقويمها إذا مالت إلى الشر. ومن المكروه، بل قد يصل إلى الحرمة أحياناً، ترك النفس وهواها، تأتي الذنوب دون إصلاح أو إرشاد. وإذا كان إصلاح النفس يصل إلى درجة الوجوب، كان لا بد من القيام بهذا العمل بمجرد العلم به، لأن التساهل في ذلك فيه تمكين للشجرة الخبيثة في القلب، وقد يأتي يوم يصعب فيه تقويم النفس والعودة بها إلى الصراط القويم وسبيل الرشاد، فتموت على ما هي عليه من الانحراف والشر!
فعن الصادق عليه السلام قال: "أَقْصِر نفسك عما يضرّها من أن تفارقك، واسع في فكاكها، كما تسعى في طلب معيشتك، فإنّ نفسك رهينة بعملك"(1). وروى أمير المؤمنين عليه السلام ثلاث نصائح، كان الفقهاء يتكاتبون بها، ويكتفون بها عن غيرها، وهي قوله عليه السلام: "من كانت همتُه آخرتَه، كفاه الله همّه من الدنيا، ومن أصلح سريرته، أصلح الله علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين اللَّه عزَّ وجلَّ أصلح الله تبارك وتعالى ما بينه وبين الناس"(2).
1 - ليس من الأدب أن يعترض المرء على بعض الأحكام الإلهية، ويتمنى غيرها أو استبدالها، لما هو "أصلح" في ظنه! حيث نلاحظ أنّ بعض الناس، وفيهم العديد ممن يُنسب إلى الثقافة والعلم، يعترضون على حكم الله، ويستبدلون به رأياً لهم أو لأحد الفلاسفة والمنظرين. ولا يخفى ما في ذلك من جهل وغرور وتكبر. روي عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله قوله: قال الله جل جلاله: "يا بن آدم أطعني فيما أمرتك، ولا تعلمني ما يصلحك"(3).
2 - يستحب للمسلم أن يكون حليماً، بحيث لا يغضب لأتفه الأسباب. فالشخصيات الإسلامية القدوة عبر التاريخ، اتّصفت بكظم الغيظ والحلم والعفو عن الناس والتنازل عن الحق الشخصي، مقابل الغضب وحب الانتقام، والحقد عند الآخرين ولو لأسباب شخصية أو حقيرة... من الصعب جداً أن يصل الإنسان إلى درجة من العبودية، ما لم يتّصف بصفة الحلم. عن عمر بن عبيد، قال: "سمعت الرضا عليه السلام يقول: لا يكون الرجل عابداً، حتى يكون حليماً، وأن الرجل في بني إسرائيل كان إذا تعبّد، لم يعدّ عابداً، حتى يصمت قبل ذلك عشر سنين"(4). وهذا ما أكد عليه العلماء والحكماء وأهل الرأي في وصاياهم.
3 - يستحب اصطناع التحلّم تكلّفاً، وهو توجيه من الأئمة عليهم السلام في بدايات المجاهدة والاكتساب الخلقي، ريثما تصبح الصفة ملازمة راسخة عند صاحبها. والتكلف في بداية تحصيل كل ّصفة أخلاقية مسألة تربوية عامة تنفع في الميادين كافة. رُوي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قوله: "إذا لم تكن حليماً فتحلَّم"(5). وعن مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: "إن لم تكن حليماً فتحلّم، فإنه قلّ من تشبّه بقوم إلا أوشك أن يكون منهم"(6).
4- يستحب للمؤمن التواضع، وأن لا تكون فيه نفحة أو شبهة تكبّر أو عظمة قد تكبر معه فيما بعد... روي عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "إن في السماء ملكين موكلين بالعباد، فمن تواضع لله رفعاه، ومن تكبر وضعاه"(7). والقاعدة العامة للتواضع: أن تعامل الناس بما تريد منهم أن يعاملوك، فقد روي عن أبي الحسن عليه السلام قوله: "التواضع أن تعطي الناس ما تحب أن تعطاه"(8). وهذا بذاته وجه مرموق من وجوه العدالة التي يمارسها المسلم تجاه الآخرين.
5 - ومن المستحبات المؤكدة، استحباب التواضع عند تجدد النعمة وهذا من مظاهر التواضع غير المشهورة بين الناس. وفي ذلك تعليم للعبد في أن لا يغرق في النعم دون تذكُّر خالقه عزَّ وجلَّ. وفي حديث جعفر بن أبي طالب مع النجاشي ملك الحبشة، أن النجاشي قال: إنّا نجد فيما أنزل الله على عيسى عليه السلام: "أنّ من حق الله على عباده، أن يُحدثوا لله تواضعاً، عندما يُحدث لهم من نعمة". فلما بلغ النبي صلى الله عليه وآله قال لأصحابه: "إنّ الصدقة تزيد صاحبها كثرة، فتصدّقوا يرحمْكم الله، وإنّ التواضع يزيد صاحبه رفعة، فتواضعوا يرفعْكم الله"(9).
6 - يتأكد استحباب التواضع للعالم والمتعلم.... فالمتعلم يتواضع لأستاذه، لأنه أبوه الروحي والمعنوي، وله الفضل عليه في الدنيا والآخرة، إذا أحسن تربيته وتهذيبه وهو سبب سعادته في الدارين... والعالم يتواضع لما وفّقه الله تعالى ويسّر له من علم وجهد ووقت ورزق وخدمة للناس... ولأنه يعلم أن الله منّ عليه بعلوم عظيمة جليلة يُبصر بها حقائق الأمور... ومع ذلك فهو يحتاج إلى علم أعظم، وإخلاص في العلم. عن مولانا الصادق عليه السلام يقول: "أطلبوا العلم وتزيّنوا معه بالحلم والوقار، وتواضعوا لمن تعلّمونه العلم، وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم، ولا تكونوا علماء جبارين، فيذهبَ باطلكم بحقكم"(10). وقال عيسى بن مريم عليهما السلام للحواريين: "لي إليكم حاجة اقضوها لي، فقالوا: قضيت حاجتك يا روح الله، فقام فغسّل أقدامهم، فقالوا: كنّا أحقّ بهذا منك، فقال: إنّ أحقّ الناس بالخدمة العالم، إنما تواضعت هكذا لكيما تتواضعوا بعدي في الناس، كتواضعي لكم، ثم قال عيسى عليه السلام: بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر، وكذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل"(11). وفقنا الله تعالى لإدراك حقيقة التعبد والتسليم.
(1) وسائل الشيعة، ج11، ص236، ح2.
(2) المصدر نفسه، ج11، ص236، ح3.
(3) المصدر نفسه، ص185، ح5.
(4) المصدر نفسه، ج11، ص210، ح1.
(5) المصدر نفسه، ص211، ح7.
(6) المصدر نفسه، ج11، ص212، ح14.
(7) المصدر نفسه، ج11، ص215، ح1.
(8) المصدر نفسه، ج11، ص216، ح5.
(9) المصدر نفسه، ج11، ص218، ح1.
(10) المصدر نفسه، ج11، ص219، ح1.
(11) المصدر نفسه، ح2.