د. علي الحاج حسن
يدعونا الحديث عن الإمام الخامنئي كما جاء على لسان الإمام الخميني قدس سره الشريف وقبل كل شيء إلى الوقوف ملياً أمام المقام والموقع الذي يجمعهما إلى بعضهما، قبل أن نعرج على العبارات الوصفية للإمام قدس سره بحق القائد. وللوقوف على هذه النقطة بالتحديد يجدر بنا أن نعلم أن الإمام الراحل قدس سره لم يكن مجرد شخص فقيه عالم أتى إلى هذا العالم وعبر كغيره، بل أقل ما يقال فيه إنه وضع النقاط على الحروف في أمهات الفكر الإسلامي وأرسى القواعد العملية والحقيقية لإنفاذ الشرع عبر إحيائه، وتثبيته أهم ركن من أركان الإسلام الذي لا يقوم الإسلام إلا به، ألا وهو الحكومة الإسلامية سواء من الناحية النظرية أو العملية.
ولهذا عندما نقارب شخصية الإمام القائد الخامنئي من وجهة نظر الإمام يفترض أن نلتفت إلى أن الإمام الخامنئي من حيث القاعدة والأساس هو خليفة الإمام والرجل المؤتمن على كل الإرث العقائدي والفكري والعملي الذي أوجده الإمام الراحل. ويتطلب الأمر أيضاً أن نقف على المواصفات الحقيقية لشخصية القائد باعتبار أنه المعني الأول والمباشر بإدارة المجتمع من جوانبه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية... والمعني بتحديد الأولويات والتدخل في الشؤون الأساسية والمصيرية للأمة والمجتمع. عند ذلك نقول إن الشخصية التي أسس لها الإمام الخميني قدس سره في أبحاثه العقائدية والعلمية والتي بيّنت ووضحت المواصفات الضرورية والحقيقية للولي، هي التي تحكم العلاقة بين فكر وبيان الإمام والشخص الذي سيتولى منصب الولاية فعلاً. وهنا لو عدنا إلى مؤلفات الإمام وأبحاثه وما تقتضيه طبيعة الحكومة الإسلامية لوجدنا أن البحث يتركز على صفات: الفقاهة والعدالة والكفاءة باعتبارها أهم الصفات التي يجب أن تتوفر في القائد الولي، يقول الإمام قدس سره: "الشروط اللازمة للحاكم ناشئة من طبيعة نمط الحكومة الإسلامية بشكل مباشر، فبعد الشروط العامة مثل: العقل والتدبير هناك شرطان أساسيان هما: العلم بالقانون والعدالة"(1) هذا بالإضافة إلى ما جاء في دستور الجمهورية الإسلامية الذي حدد في إحدى فقراته(2) الشروط التي يجب توافرها في الولي.
فإذا كان الشخص المؤهل لقيادة الأمة والذي سيكون خليفة الإمام هو الذي يجب أن تكون فيه الصفات المذكورة، فهل توافرت كل هذه الأمور في شخصية الإمام القائد؟ وليتمحور الكلام حول الموضوع الأساس أي شخصية الإمام الخامنئي بلسان الإمام الخميني، يمكننا العودة إلى كلماته قدس سره وفي مناسبات متعددة لنستخلص منها حديثه عن الإمام القائد موضحاً أنه: ملتزم بالإسلام، عالم، حسن التدبير، مفكر، مؤيد للطبقة المستضعفة، حسن السابقة، جدير بالعلم والعمل، سليل الرسول، معلم المحراب، شريف، صادق، ثقة... وإلى غيرها من العبارات التي خاطب الإمام الخميني قدس سره بها الإمام القائد والتي لا تترك مجالاً للشك بأن الإمام قدس سره كان لا ينظر إلى الإمام الخامنئي من منظار عاطفي أو ما شابه ذلك، بل كان ينظر إليه على أنه الشخصية الإسلامية الحقيقية والجديرة بكل ما للكلمة من معنى، وأن الشروط العلمية والضرورية موجودة على نحو الفعلية والتحقق فيه. وهنا نعود إلى بعض كلمات الإمام (قده) حيث يقول في الإمام الخامنئي:
لقد مَنَّ اللَّه علينا أن هدى الرأي العام لانتخاب رئيس للجمهورية ملتزم ومجاهد في خط الإسلام المستقيم، وعالم في الدين والسياسة، حيث الأمل مبني على حسن تدبيره، إنني وباتباع الشعب العظيم، وبالاطلاع على مقام ومرتبة المفكر والعالم المحترم جناب حجة الإسلام السيد علي الخامنئي أيده اللَّه تعالى، أنفذ رأي الشعب وأنصبه رئيساً للجمهورية الإسلامية في إيران. واستمرار رأي الشعب المسلم الملتزم وتنفيذه، مقرون ببقائه كما كان خادماً للإسلام والشعب ومؤيداً للطبقة المستضعفة وملتزماً بحكم القرآن الكريم(3)...
ويقول أيضاً: إنني وبحمد اللَّه أنصب جنابك الموصوف بحسن السابقة والجدير بالعلم والعمل لإمامة جمعة طهران(4). ويقول الإمام أيضاً: لقد ثَبَّتَ أعداء الثورة بمحاولة اغتيالك، أنت سليل الرسول الأكرم وآل الحسين بن علي ولا لجرم سوى أنك خدمت الإسلام والدولة الإسلامية وأنك جندي مضحٍّ في جبهة الحرب ومعلم في المحراب وخطيب قدير في الجمعة والجماعة ومرشد شفيق في ساحة الثورة. ثبَّتوا ميزان فكرك السياسي وحمايتك للشعب ومخالفتك للظالمين(5). ويقول في مناسبة أخرى: إنني أعتبرك أحد الأركان القوية للجمهورية الإسلامية وأخاً عالماً بالمسائل الفقهية وملتزماً بها وحامياً للمباني الفقهية المرتبطة بالولاية المطلقة للفقيه، ومن الأفراد النادرين من بين الأصدقاء الملتزمين بالإسلام والمباني الإسلامية، وكالشمس تسطع بالنور(6)... وفي رسالة وجّهها السيد أحمد الخميني قدس سره إلى الإمام الخامنئي دام ظله بعد انتخابه ولياً، قال: إن سماحة الإمام قال باجتهادكم المطلق عدة مرات(7).
ما قدمناه هو القليل من العبارات التي تحدث بها الإمام قدس سره في حق الإمام الخامنئي حيث من غير المقدور في هذه الوريقات القليلة الإتيان بكل ما ذكره. ومن خلال ما تقدم يمكن أن نصل إلى النتيجة التالية: أن الشخص الذي اختاره كبار علماء الأمة لمهمة القيادة هو الامتداد الحقيقي للإمام الراحل قدس سره، امتداد لشخصية الإمام وفكره ولخطه الإسلامي، وأن العبارات التي تحدث بها الإمام قدس سره بحق هذا الرجل العظيم لا تدع مجالاً للشك بأنه كان يرى فيه كل الصفات المطلوبة ليكون في المقام الشامخ الذي هو فيه.
(1) الحكومة الإسلامية، الإمام الخميني، ص86 87.
(2) دستور الجمهورية الإسلامية، المادة الخامسة.
(3) بيان الإمام بتاريخ: 17 7 1360ه.ش.
(4) بيان الإمام بتاريخ: 24 10 1358ه.س.
(5) بيان الإمام بتاريخ: 7 4 1360ه.ش.
(6) بيان الإمام بتاريخ: 21 10 1366ه.ش.
(7) رسالة السيد أحمد الخميني إلى الإمام القائد بتاريخ: 6 6 1989م.