مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

اعرف عدوك‏: الصهيونية حلم يلفظ أنفاسه‏

حسن زعرور



تشكل الصهيونية ما نسبته 18% فقط من عديد يهود العالم البالغ إثني عشر مليوناً ونصف المليون، غير أنها تتحكم بالمسار الوجودي بالكامل لهذا الشعب وبالأخص بعد حرب عام 1967 مع العرب، وتفرض قرارها داخل الدولة العبرية وخارجها من دون أي منازع، نظراً للقوة والسلطة اللتين تتمتع بهما على مستوى العالم كله.

- البداية
بعد وفاة سليمان عليه السلام شهدت اليهودية إنقسامات حادة لا تزال مستمرة حتى أيامنا، إنقسامات تغلغلت في ذاتية الفرد اليهودي وتحكمت في رؤاه الدينية والسياسية. بين إصلاحي يعمل على التكيُّف مع الواقع حوله والاندماج معه، ومتزمت ينادي بالمحافظة على الأصول الجوهرية للنشى‏ء اليهودي ككل. ومن الأسر في بابل أطلق هؤلاء النداء الذي تردد مع الأجيال اليهودية المتعاقبة "العودة إلى صهيون" والذي تحول إلى دعاء يمارس في طقوس العبادة في الكنس المنتشرة في أرجاء العالم. المتجددون الاصلاحيون اعتبروه نداءاً روحياً يهدف إلى توحيد الرؤيا(1). يقابلهم جناح متشدد ثبت لاحقاً أنه أشد منهم قوة ومالاً ونفوذاً، إستغل نداء العودة اليهودي لخلق مفهوم "القومية اليهودية" لتتماشى وتلقى القبول مع الدعوات للقوميات الأخرى، وبدءاً من منتصف القرن الثامن عشر حمل هؤلاء اسم "الصهيونيون". يعد ثيودور هيرتزل الأب الفعلي للصهيونية، وتكمن أهميته في أسلوب تحركه الواسع لتسويق دعوته واستغلاله للعلاقات العامة المتشعبة لوضع أسس قيام الدولة التي راح ينادي بها تحت إشرافه. عقد أول مؤتمر صهيوني في 29 آب 1897 في بال (سويسرا) والذي نتج عنه وضع برنامج الخطوات الصهيونية لإقامة الدولة وإقامة منظمة عالمية صهيونية تتولى التنفيذ. كان أول قرار للمنظمة هو "أن هدف الصهيونية إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين عن طريق تشجيع الاستيطان الزراعي والصناعي وتنظيم اليهود على المستوى العالمي، ورفع الحسّ القومي اليهودي وتوحيده، والسعي لدى الدول الكبرى لتنفيذ المشروع"(2).

- بين الحربين العالميتين:
تبجح كثير من القادة الصهاينة "أن الحرب العالمية الأولى أعطتنا وعد بلفور أما الحرب الثانية فستعطينا فلسطين". وضعت الحرب العالمية الأولى إنكلترا على حافة الهاوية، وغدا جيشها بعد ثلاث سنوات من القتال على شفير الكارثة في ظلّ النقص الحاد للكحول المستخرج من الخشب المستخدم في صناعة البارود تلك الأيام، وسرعان ما تقدم رئيس المنظمة الصهيونية العالمية حاييم وايزمن بحل لإنقاذ بريطانيا مقدماً اختراعه الجديد لصناعة البارود إلى بريطانيا وكان الثمن فلسطين(3)، ثم سعى وايزمن وقيادته وما تملكه من نفوذ لإدخال أميركا الحرب، وفي آذار 1917 دخلت أميركا الحرب"(4) وسارع بلفور ووزير خارجيته إلى تبني بريطانيا إقامة الوطن القومي اليهودي والسعي إليه. في 17 شباط 1917 عقد اجتماع بين المندوب البريطاني مارك سايكس وكلّ من: حاييم وايزمن، الدكتور جالجتر، اللورد روتشيلد، هيربرت صموئيل، جيمس روتشيلد سكولوف، جوزف كوهن، هربرت بنتويتش، هاري ساكر، أطلع سايكس فيه قادة الصهيونية على الاتفاق السري الذي تم مع فرنسا، واتفاقه مع وزير خارجية روسيا سازانوف وإيطاليا على إقامة وطن يهودي في فلسطين، وفي 22 آذار 1917 تولى بلفور وزارة الخارجية البريطانية ومن بعدها صدر وعد بلفور الشهير. وبقدر ما نجحت المنظمة الصهيونية سياسياً بقدر ما فشلت في الأوساط الشعبية اليهودية إذ أنه وحتى عام 1929 لم يصل إلى فلسطين سوى 135 ألف يهودي. كانت روسيا قد أضحت شيوعية يحكمها قادة من اليهود الشيوعيين، غير أن من تركها من اليهود أبحروا باتجاه أميركا لا الأرض الموعودة، وفي فرنسا وبريطانيا وألمانيا استقر اليهود بعد انتصار الحلفاء، وكان لا بد من تهجير اليهود، وكان لا بد من وصول شخص كهتلر إلى السلطة بعد قيام النازية في ألمانيا. تم اتفاق بين القيادتين الألمانية والنازية يقضي بتبادل الخدمات مقابل تهجير اليهود إلى فلسطين.

- الصهيونية الدينية
على مدى ألف ومائتي عام عاش يهود المشرق الإسلامي بطمأنينة، وسمح لهم بممارسة شعائرهم الدينية والاتجار والعمل بحرّية، وتمتعوا بالحقوق وسمح لبعضهم بتسلم مراكز عليا في الدولة. على المقلب الآخر عانت اليهودية السوء في الدول الأوروبية بسبب المضاربة بالمال أو الربا من جهة والصراع الديني المسيحي اليهودي من جهة ثانية. لقد اعتبر كثيرٌ من أتباع الديانة المسيحية عند ظهورها أنها امتداد وإصلاح للديانة اليهودية وأن المسيح عليه السلام سوف يعود إلى الأرض وفلسطين تحديداً لتنفيذ هذا الإصلاح حتى أن بعض الأدعية والطقوس العبادية المسيحية هي نسق متعامل به في الطقوس العبادية اليهودية من مثال الأدعية والنذور والرؤى المستقبلية. في عام 1896م عقب ظهور كتاب "الدولة اليهودية" لهرتزل، قام قس بريطاني يدعى وليم هتشلر وعقب لقائه بهرتزل، بإصدار كتاب "إعادة اليهود إلى فلسطين طبقاً للنبوءة". كان هتشلر من الداعين لدمج اليهود بالمسيحية ومع ظهور الصهيونية إنقلب إلى أحد الدعاة المنادين بعودة اليهود إلى فلسطين مروجاً لنبوءة تقول إنه "بعد عهد عمر (637م) باثنين وعشرين شهراً نبوياً ستعود فلسطين لليهود" أي عام 1897م وحمل لواء عودة اليهود إلى صهيون. واتسعت الدائرة واستغلت الصهيونية هذا التوجه إلى أبعد مداه، ومن الإيمان بعودة المسيح روّج أنها مشروطة بقيام دولة صهيون وتجميع اليهود في أرض فلسطين، ومن المعتقدات الإيمانية المسيحية تم ابتداع القاسم المشترك "إن شريعة اللَّه هي التي يجب أن تطبق على شعب اللَّه وإن شريعة اللَّه تقول بمنح اليهود الأرض المقدسة في عهد مقطوع لإبراهيم وذريته حتى قيام الساعة، وبالتالي، فإنه حيث تتعارض القوانين الإنسانية الوضعية مع شريعة اللَّه، فإن شريعة اللَّه وحدها هي التي يجب أن تطبق"(5) والمؤمن المسيحي ملزم في عبادته الإدائية بحفظ وصيانة ما يوجه إليه والحرص على تنفيذه لأنه موضوع من قبل اللَّه. لقد تحولت إسرائيل إلى معتقد ديني إيماني عند المؤمنين المسيحيين كما يقول العالم رالف نورنبرغر وتحصل إسرائيل على تأييد سياسي ضخم من ملايين المسيحيين الأصوليين الذين تدفعهم العقيدة الدينية إلى اعتناق الأباطيل عن إسرائيل، وأنها إرث التفضيل الذي خصّ به اللَّه إسرائيليي الأزمنة، وأن بقاءها ضرورة للخطة الإلهية كما جاء في نبوءة التوراة في سفر التكوين (15 18)(12) غير أن ذلك كله لا يحجب سيل التراجعات التي أخذت تعصف بالصهيونية ومبادئها وتطلعاتها، وقد فشلت في كسب المزيد من التأييد حتى داخل الشعب العبري نفسه، والرؤيا التي قامت عليها لجمع كامل الشعب اليهودي في فلسطين تلفظ أنفاسها، وحتى الدولة المسخ التي حلمت بها وعملت عليها طويلاً تكاد تصل إلى مرحلة لفظ الأنفاس والتقوقع للنجاة فوق رقعة أرض ضيقة من فلسطين السليبة، وحلم "أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل" لم يعد يؤمن به حتى الصهيونيون أنفسهم، مبررات البقاء والاستمرارية لم تعد موجودة وبوادر النهاية تلوح في الأفق!


(1) الدكتور رشاد عبد اللَّه الشامي، كتاب الشخصية اليهودية الإسرائيلية، ص‏56، عالم المعرفة.
(2) الكس باين، حياة ثيودور هيرتزل، ص‏228.
(3) إيفان دونيف، كتاب الصهيونية بلا قناع، ص‏24، دار الفارابي.
(4) مذكرات وايزمن، بقلمه، ص‏34، المكتبة العصرية، الموصل.
(5) غريس هالسل، كتاب النبوءة والسياسة، ص‏34، دار النفائس.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع