الشيخ عباس فتوني
|
مُحِقَ الظَّلامُ وقَرَّتِ الأَبْصارُ |
وتَبَرَّجَتْ في أُفْقِنا الأَنْوارُ |
|
"نَيْسانُ" أَسْلَمَ مُسْدِلاً أَسْتارَهُ |
والبِشْرُ أَظْهَرَ رَسْمَهُ "أَيَّارُ" |
|
والنَّصْرُ وَعْدٌ مِنْ نَصِيرٍ قاهِرٍ |
نِعْمَ النَّصِيرُ الواحِدُ القَهَّارُ |
|
قَدْ هَلَّ فَجْرُ الانْتِصارِ مُهَلِّلاً |
وعَلَى الغُصُونِ تَهَادَتِ الأَطْيارُ |
|
واليومَ أَقدامُ الأَنامِ تَزاحمَتْ |
بلْ ضاقَ بِالحَشْدِ الغفيرِ مَطارُ |
|
وَتَقَمَّصَ الكَونُ الفسيحُ بيارِقاً |
والأَرزُ في أَكمامِها أَزْرارُ |
|
وتَحَلَّتِ الساحاتُ أَجْمَلَ حُلَّةٍ |
وجَرَتْ عَلَى جَنَباتِها الأَنهارُ |
|
طافَتْ حَوالَيْها العُيُونُ كَأَنَّها |
بَحْرٌ تَمَاوَجَ والهَوَى بَحَّارُ |
|
وافْتَرَّ وَجْهُ الصُّبْحِ يَجْتَاحُ المَدَى |
وتَفَتَّحَتْ في رَوْضِها الأَزْهارُ |
|
وتَعَانقَ الأَحْبابُ أَيَّ تَعَانقٍ |
والعَيْنُ أَفْصَحَ دَمْعُها المِدرارُ |
|
حَمْداً لِرَبِّ العَرْشِ قَدْ وَلَّى الدُّجَى |
وأَطَلَّ مِنْ وَهْجِ الأُباةِ نَهارُ |
|
"لُبْنانُ" سَطَّرَ لِلْخُلُودِ ملاحماً |
يُحْيِي المروءَةَ ذِكْرُهُ المَوَّارُ |
|
"لُبْنانُ" أَصبحَ لِلْكَرامةِ مَعْلَماً |
أَضْحَتْ ضَرائِحُه الطَّهُورُ تُزارُ |
|
"لُبْنانُ" باقٍ في العَلاءِ مُحلِّقاً |
ما انْفَكَّ فيهِ قادةٌ ثُوَّارُ |
|
سَيَظَلُّ "لُبْنانُ" الأَبِيُّ مَحَجَّةً |
تَهْفُو إِلى أَمْجادِهِ الأَقْطارُ |
|
أَعْطَى بَواسلُه العُرُوبةَ مَنْعَةً |
أَلْحانُها سُرَّتْ بِها الأَمْصارُ |
|
وتَعَزَّزَتْ غَنَّاءَ وَحْدَةُ أُمَّةٍ |
فيها "المَسِيح" و"أَحْمَدُ المختارُ" |
|
رَقَصَتْ نُجُومُ المَجْدِ في عَلْيائِها |
والعِيدُ أُكْمِلَ بَدْرُهُ النَّوَّارُ |
|
وَمَباسِمُ التَّأْرِيخِ جَلْجَلَ صَوْتُها |
أَسْرَى "الخِيامِ" أَشاوِسٌ أَحْرارُ |
|
مَرْحَى بفُرْسانِ الإِباءِ تَحَلَّقُوا |
عِنْدَ المَساءِ كَأَنَّهُمْ أَقْمارُ |
|
نَصَرُوا مَلِيكَ العَرْشِ أَيَّةَ نُصْرَةٍ |
ما خابَ قَوْمٌ لِلْهُدَى أَنْصارُ |
|
رَفَعَتْ مَناراتِ الفَخارِ أَكُفُّهمْ |
تَستَشْعِرُ التَّحرِيرَ وَهْوَ شِعارُ |
|
كَتَبتْ أَزاهِيرُ السِّنِينَ أَناتَهُمْ |
وتَناقَلَتْ أَصْداءَها الأَخْبارُ |
|
والطَّرْفُ يَقْرَأُ في صَحائِفِ صَبْرِهِمْ |
حاشا يَحُطُّ على الكِبارِ صَغَارُ |
|
يا أَيُّها الأَحْرارُ مِنْ أَحداقِنا |
تُهْدَى إِلَيْكُمْ باقةٌ مِعْطارُ |
|
ليسَ السُّجُونُ الحالِكاتُ دِيارَكُمْ |
لَكِنَّما لَكُمُ القُلُوبُ دِيارُ |
|
إنَّا عَشِقْنا الطُّهْرَ يَغْمُرُ سِرَّكُمْ |
والعِشْقُ في طَيَّاتِه أَسْرارُ |
|
باتَ التَّلاقي قُوتَنا رُغْمَ النَّوى |
ما حَالَ بَيْنَ العاشِقِينَ جِدارُ |
|
«شارُونُ» إِعْلَمْ لَنْ يَتمَّ تَبادُلٌ |
حَتَّى يُضَمَّ "سَميْرُنا القِنْطارُ" |
|
أُسَراءَنا إِنَّ القُلُوبَ بِأَسْرِها |
أُسِرَتْ بِحُبِّكُمُ فَسادَ إِسَارُ |
|
حَارَتْ يَراعةُ شاعِرٍ في وَصْفِكُمْ |
والشِّعرُ في وَصْفِ الشُّمُوسِ يَحارُ |
|
هَلاَّ يُوَفِّى الأَوْفِياءُ حُقوقَكُمْ |
حَقٌّ بِرَسْمِ الحاكمِينَ يُثارُ |
|
إنْ كانَ في وطَني قَضاءٌ عادِلٌ |
يَقْضي بِحُكْمٍ ما عَلَيْهِ غُبارُ |
|
لا بُدَّ أَنْ يُمْسِي المُحَرَّرُ ساجِناً |
عُمَلاءَ صِهْيُونٍ ويُؤْخَذَ ثَارُ |
|
كَيْما يَذوقوا في السُّجُونِ مَرارَةً |
فهُمُ الوُحوشُ نُفوسُهمْ أَمْرارُ |
|
فالعَيْنُ بالعَيْنِ اقْتَضَتْ أَنْ يَسْكُنوا |
جَوْفَ الظَّلامِ تَلُفُّهُمْ أَكْدارُ |
|
أَمَّا التَّهاونُ في العِقابِ فإِنَّهُ |
وِزْرٌ مُبِينٌ دُونَهُ الأَوْزارُ |
|
مَنْ يَذْبَحِ الأَطْفالَ عَمْداً والنِّسا |
وحُسامُهُ في أَهْلِهِ جَرَّارُ |
|
مَنْ كانَ لِلْوَطَنِ الحبيبِ مُناوئاً |
هَيْهَاتَ تُبْرِئُ جُرْمَهُ الأَعْذارُ |
|
لَمْ أَنْسَ أَلْوانَ العَذابِ وهَوْلَها |
كَيْفَ اسْتباحَ رُبُوعَنا الأَشْرارُ |
|
أَينَ الحقوقُ وأَينَ أَحكامُ السَّما |
لَمْ يَبْقَ في شَرْعِ اليَهُودِ ذِمارُ |
|
إِنْ مَسَّ راداراً لَهِيبُ رَصاصِهِمْ |
يُحْرَقْ على هاماتِهِمْ رادارُ |
|
ما دامَ في وطَنِي يُحدِّقُ غاصبٌ |
ويَضُمُّ شِبْراً جَحفَلٌ جَبَّارُ |
|
تَبْقَى مُقَاوَمتِي كَطَوْدٍ شامِخٍ |
أَنَّى يُثَبِّطُ عَزْمَها الإِعصارُ |
|
قَبَضاتُها عِندَ الوَطِيسِ صوارمٌ |
ودِماؤُها، اللَّهُ أكبَرُ، نارُ |
|
هَذي قُرانا حَدَّثتْ أَخْبارَها |
وَعَرَى فُلُولَ الاحْتِلالِ الْعارُ |
|
إذْ ما أَبانَ جهادُها هتَفَ الوَرى |
عادَ "الحسينُ" و"حَيْدَرُ الكَرَّارُ" |
|
يا دهْرُ دَوِّنْ في جَبِينِكَ آيَةً |
ما فَتَّ في عَضُدِ الجَنُوبِ حِصَارُ |
|
دامَتْ مَداميكُ المُقاومِ تَرتَقي |
وغَدتْ أَساطيرُ العِدى تَنْهارُ |
|
تَحذُو "فِلَسْطِينُ" الآَبِيَّةُ حَذْوَهُ |
وزَوالُ رِجْسِ الغاصِبِينَ قَرارُ |
|
والقُدسُ تَحرُسُها سواعدُ فِتْيَةٍ |
نَفَضَتْ غُبارَ الصَّمتِ وَهْوَ شَنارُ |
|
لِلَّه دَرُّ الانتْفِاضَةِ جَدَّدَتْ |
عُرْسَ الشَّهادةِ والدِّماءُ نِثارُ |
|
صَمَتَتْ ثُغورُ العُربِ لكنَّ الرُّبَى |
نَطَقَتْ تُرجِّعُ صَوتَها الأَحجارُ |
|
يا أَيُّها الشُّهَداءُ يا رَمْزَ الفِدا |
أَنْتُمْ نَواةُ الخَيْرِ وَالأَخيارُ |
|
كُرْمى لأَعيُنِكُمْ وبَحْرِ عَطائِكمْ |
يَشْدُو البَيانُ وتُعزَفُ الأَوتارُ |
|
لَوْلاكُمُ ما اسْتَنْشَقَتْ أَتلالُنا |
عِطْرَ السَّلامِ وَولَّتِ الأَخطارُ |
|
لَوْلاكُمُ ما أَثمَرَتْ دَوْحُ العُلَى |
كَلاَّ ولَمْ يَنْبُتْ بِأَرضِي الغارُ |
|
طُوبَى لَكُمْ يَومَ القيامةِ جَنَّةٌ |
حَيْثُ النَّبِيُّ وآلُهُ الأَطْهارُ |