مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مجتمع العفّة: دور المرأة في البناء

هناء نور الدين‏

 



تمثل العفّة عنواناً للقيم والمبادئ الدينية والإنسانية والإجتماعية، وإن الحفاظ عليها والمناداة بتطبيقها في المجتمع بات فرضاً واجباً لأن هذا يندرج ضمن باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... وإذا افتقدت من حياة الشعوب سادت شريعة الغاب، وذهبت النخوة والغيرة والحمية والشرف والفضيلة لتحل مكانها المساوي الأخلاقية والمفاسد الإجتماعية. ونظرة إلى واقعنا اليوم الذي انحدرت فيه القيم، وتهاوت الأخلاق في الحضيض وانعدم الحياء، والخوف من الله تعالى...تجعلنا نسأل: أين أصبح الدين في حياتنا في عصر العولمة المتسارع؟...أين طريق العفّة والصلاح التي تعب من أجلها الأنبياء ومصلحو البشرية؟ أين دور المرأة الأساسي والريادي في بناء مجتمع العفّة والحفاظ عليه من الإنزلاق؟

تعريف العفّة:
العفّة في المعنى اللغوي "الكف عما لا يحل ولا يجمل"(1). ومن خلال المعنى اللغوي نستنتج رؤية الشارع المقدس إلى العفّة أنها تعني الامتناع عن أنواع المحرمات والشهوات كافة التي نهانا الله تعالى عنها. كذلك الإقلاع عن التصرفات والكلام الذي يعتبر غير لائق وغير مناسب من الناحية الاجتماعية والعمل على تطهير الروح من أدران المعاصي بالسلوك الذي يرضي الله عزّ وجلّ، وهذا يحتاج إلى توبة، وعمل، وصدق نية، وجهاد نفس، وعلى إثر هذه المجاهدات تحصل عند الإنسان ملكة العفّة التي تجعله نزيهاً صالحاً وتمكنه من التغلب على شهواته ونزواته، وتردعه عن الكثير من المحرمات والموبقات الآثمة.

* مجتمع العفّة في القرآن الكريم:
لقد تحدث القرآن الكريم عن مجتمع العفّة بقوله تعالى في سورة البقرة آية 273: ﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ إذ العفاف في هذه الآية نوع من السلوك الراقي ينم عن السمو والرفعة، ويشير إلى كفّ النفس والامتناع عن مدّ يد الحاجة إلى الآخرين. ويقول الله تعالى في سورة النساء الآية 6: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ والتي تشير إلى عدم التعرض لأموال اليتامى وكف اليد والنفس عن أخذ شي‏ء منها. ويقول الله تعالى في سورة النور الآية 33: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فأطلق لفظ الاستعفاف بمعنى كبح جماح القوة الجنسية والسيطرة عليها. كذلك في سورة النور الآية 60، يقول تعالى: ﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ حيث تصف الآية النساء بالعفاف وعدم التبرج. وقد صوّر لنا القرآن الكريم مجتمع العفّة، مجتمعا ًمسلماً، مؤمناً، قانتاً، صادقاً ، صابراً، خاشعاً، متصدقاً، صائماً، عفيفاً، ذاكراً لله تعالى في كل أعماله، اجتمعت فيه صفات الخير والفضيلة وحلّقت في سمائه رياحين العفّة والطهارة لتكون النتيجة في الدنيا الإستقامة تسودها العدالة والمثل والقيم وفي الآخرة الثواب العظيم ورضوان من الله بقوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (الأحزاب: 35). ذكرت الآية ﴿وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ إشارة إلى أن من قطع وطوى جميع المراحل العبادية والخلقية المتقدمة في أول الآية أصبح قادراً على التحكم بشهوته والسيطرة عليها، ومنها قوة الشهوة الجنسية المحرمة وبهذا الإطار تصبح العفة ملكة تسيطر على صاحبها وتسمو به في آفاق الطهارة الروحية والقلبية.

* المرأة والعفّة:
بما أن المرأة تشكل العنصر الأساسي في الحياة وتقع على عاتقها مهمة تربية الأجيال وتعليمهم وتزويدهم بالقيم والمعارف الإنسانية توجّه الإسلام إليها، وهذّبها أولاً، وارتقى بها، وحملها مسؤولية الحفاظ على المجتمع الذي شيّدته، وبالتالي، ألزمها بمجموعة من الأوامر والنواهي والتشريعات اختصت بها دون الرجل، وقد اعتبر الإسلام تنفيذ هذه الأوامر الإلهية عبادة واجتهاداً منها بالعمل إن تحققت من خلالها الطاعة والإخلاص ومن أولى هذه الأمور:

* وقاية المجتمع من الإثارة:
الحجاب هو علامة واضحة على العفاف، لأن المرأة إذا كبحت شهوتها من أن ينظر إلى مفاتنها وارتدعت عن ذلك قد عفت نفسها ووصلت إلى درجة العفاف، وقد فرضه الله تعالى عليها وألزمها به يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْن (الأحزاب آية 59). حيث نستنتج من هذه الآية أن على المرأة المسلمة أن تلتزم بالحجاب وأن تتحرك في المجتمع من خلال إنسانيتها وعفافها، هذا إضافة إلى مراعاة الآداب الإنسانية الأخرى كالحشمة والوقار والالتزام بالآداب وحسن الخلق واحترام الآخرين في القول والعمل. تتابع الآيات القرآنية بحث الأجواء التي تبني مجتمع العفة، وتصون كرامة المرأة وتحفظ الرجل... يقول الله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ... (النور: 30 31).

إن القرآن يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف، وبدء الإثارة ينطلق من النظر الذي يجسم المفاتن، وقد خاطب الله تعالى المؤمنين في هذه الآية خوفاً من تلوث صورتهم الباطنية، لأن غض البصر من جانب الرجال يعتبر أدباً نفسياً راقياً، واستعلاءاً في عدم الإطلاع على المحاسن والمفاتن، وعفة تكبح رغبات النفس وميولها... وكذلك النساء المؤمنات أوصاهنّ الله تعالى وأمرهنّ بغض البصر حياءً وعفةً واستقامة، وأن لا يبحن أعراضهنَّ إلا من خلال ما أباحه الله تعالى. من هنا أوجب الإسلام على المرأة مجموعة من الآداب تحدد كيفية خروجها من منزلها الذي يجب أن ترافقه الحشمة والحياء والهدوء والأدب والخلق الإنساني الرفيع إلى طريقة حديثها مع الرجال، وهذا يتنافى مع ما نشاهده في أيامنا هذه. كما نهى المرأة وحذّرها من إثارة الحركات التي تثير الانتباه. يقول الله تعالى: ﴿... وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (النور: 31).

وبما أن الزينة شأن فطري في المرأة، فكل أنثى ترغب وتحب أن تحصد الجمال وتبديه للجنس الآخر، لذلك نظّم الإسلام هذه الرغبة وضبطها ووجّهها إلى نوعين من الرجال:
أ - الزوج حيث سمح الإسلام للزوجة بالظهور بكامل زينتها أمامه.
ب - المحارم الآخرين حيث سمح لها أن تظهر أمامهم بصورة محتشمة مهذبة مع إبداء بعض مواضع الزينة. يقول الله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِن (النور: 31).

* العلم والثقافة:
إن العلم والتعلم والانتهال من عذب الثقافة الإسلامية القرآنية يساعد المرأة على سلوك طريق العفة والأدب لأن ذلك من شأنه أن يقوي إيمانها وأدبها مع الله تعالى... فالجمال الحقيقي الذي يشجع عليه القرآن هو جمال الروح والقيم والمبادى السامية التي تترك بصماتها جلية واضحة على جبين الرقي ولنا في الزهراء عليها السلام أسوة وقدوة، فقد ورد في الحديث أنها سميت بالزهراء لأنها كانت تزهر لأهل السماء كما تزهر النجوم لأهل الأرض. نستنتج من خلال هذا الحديث أن الزهراء عليها السلام كانت مزهرة الوجه والقلب، ومع هذا لم تتباهَ مولاتنا فاطمة عليها السلام وأرشدت المرأة وعلمتها بمواقفها كيف تكون العفّة جمالاً، وكيف تبني مجتمع العفّة بناءاً محكماً متيناً.

* الاجتهاد في العبادة:
إن الاجتهاد في العبادة وبذل الجهد في ذلك، يساهم في بناء مجتمع العفّة والحفاظ عليه، وكل عمل يوصلنا إلى الله ويقربنا منه هو عبادة وأولى هذه العبادات "الصلاة": أن تؤديها في أوقاتها وتدرك معانيها وهذا ما عناه الإسلام بقوله: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ. وأن تتعهد قراءة القرآن والتدبر في آياته ومحاولة فهم معانيه كي تهذب نفسها أولاً، حتى تستطيع أن تهذب أولادها والمجتمع الذي تعيش فيه وتربيه تربية قرآنية. إذاً يقع على المرأة دور كبير في تشييد مجتمع العفّة وبنائه وتحصينه إن فهمت دورها، وأدركت المبادئ الإنسانية والدينية وحصّنت ذاتها. والعكس صحيح إن لم تفهم دورها واستسلمت لرغباتها ونزواتها والأبواق الإعلامية الفاسدة.

وأخيراً ... حبذا لنسائنا وفتياتنا أن يرتدين جلباب العفّة والوقار ويتزينّ بالأدب والاحتشام، لأنه طريق الوصول إلى الكمال والدنو من معدن العظمة.
 


(1) ابن منظور؛ لسان العرب؛ ج‏9، ص: 253.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع