الشيخ نعيم قاسم
تحدثت روايات كثيرة عن خمس علامات قبل ظهور الإمام عجل الله فرجه بوقت قصير جداً، منها ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "خمسٌ قبل قيام (خروج) القائم اليماني، والسفياني، والمنادي ينادي من السماء، وخسف البيداء، وقتل النفس الزكية"(1). وعلى الرغم من النقاش في بعض هذه العلامات، وعدم التدقيق في سند الروايات لفرزها وتحديد الصحيح منها، فإننا نتناول ما ورد في هذه الروايات من باب الاستئناس بما يمكن أن يجري في المستقبل، وفيها فوائد كثيرة في تبيان الأجواء المحيطة بهذه الأحداث، وواقع العالم على مشارف نهايته البشرية التي تُنبئ بالظهور، ومن بعده بيوم القيامة.
قتلُ النفس الزكية واحدة من هذه العلامات الخمس، أمَّا الشخص المقصود فهو سيدٌ حسني ينتهي نسبه إلى الإمام الحسن عليه السلام، من أنصار الإمام المهدي عجل الله فرجه، يُقتل ظلماً وعدواناً بسبب خطِّه ومنهجه، فتفيض نفسه الزكية إلى بارئها، وإنما لُقبت بالزكية لاستقامة عمله وطهارته والتزامه بمنهج الولاية. عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنَّ النفس الزكية هو غلام من آل محمد، اسمه: محمد بن الحسن، يقتل بلا جرم، فإذا قتل، فعند ذلك يبعث الله قائم آل محمد عجل الله فرجه"(2).
يظهر من الروايات أنَّ للنفس الزكية مهمةً يكلفه بها الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ليقوم بها، وترتكز على دعوة أهل مكة لنصرة صاحب العصر، حيث سيظهر الإمام بين ظهرانيهم، عند الكعبة الشريفة، وذلك لإلقاء الحجة عليهم، ولكنهم لا يستجيبون لاختلافهم معه، ثم يقتلونه في الحرم الآمن، وعندما يصلون إلى هذه المرحلة التي لا يتحملون فيها صوت الحق فيرتكبون هذا العمل الشنيع في الحرم، يرتفع كل احتمال للإصلاح في الأمة بعد ذلك. فيظهر الإمام مع الثلة المؤمنة التي أعدَّت نفسها، ومع من ادخرهم الله تعالى لهذه اللحظة التاريخية الحاسمة. روى أبو بصير عن الإمام الكاظم عليه السلام، أن الإمام المهدي عجل الله فرجه: "يدعو رجلاً من أصحابه فيقول له: امضِ إلى أهل مكة، فقل: يا أهل مكة، أنا رسول فلان إليكم، وهو يقول لكم: إنَّا أهل بيت الرحمة، ومعدن الرسالة والخلافة، ونحن ذرية محمد وسلالة النبيين، وإنَّا قد ظُلمنا، واضطهدنا، وقُهرنا، وابتُز منا حقُنا منذ قُبض نبيُنا إلى يومنا هذا، فنحن نستنصركم فانصرونا. فإذا تكلَّم هذا الفتى بهذا الكلام، أتوا إليه، فذبحوه بين الركن والمقام، وهي النفس الزكية"(3).
تأتي مهمة النفس الزكية في زمنٍ فيه انحراف كبير، بحيث لا تبقى مفسدة محتملة على هذه الأرض إلاَّ وتحصل بأبشع صورها، ولا تبقى حرمة إلاَّ وتنتهك بسبب كثرة الظلم والعدوان، ولن تكون منطقتنا بمنأى عن الانحراف العالمي الذي يعم المعمورة، ولو تفاوت حجم ومستوى الانحراف بين منطقة وأخرى، وشعب وآخر، لكنَّ عناوين المنكرات تنتشر في كل بقاع الأرض، ويظهر في منطقتنا من يروِّج لها، كما يظهر المنتفعون بالباطل الذين يعملون بالنهي عن المعروف والأمر بالمنكر، بعكس القاعدة الإسلامية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يكتفون بالقول، وإنما يقتلون المؤمنين ويضيِّقون عليهم. روى محمد بن مسلم في جواب الإمام الباقر عليه السلام له عند سؤاله عن وقت خروج القائم قوله: "إذا تشبَّه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء،... وقُبلت شهادات الزور، ورُدَّت شهادات العدل، واستخفَّ الناس بالدماء، وارتكاب الزنى، وأكل الربا، واتُقيَ الأشرارُ مخافةَ ألسنتهم، وخرج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخُسف بالبيداء، وقُتل غلامٌ من آل محمد بين الركن والمقام اسمه محمد بن الحسن النفس الزكية، وجاءت صيحة من السماء بأنَّ الحق فيه، وفي شيعته، فعند ذلك خروج قائمنا"(4).
لكنَّ الوقت قصيرٌ جداً بين العلامات والظهور، خاصة بالنسبة للنفس الزكية، حيث يفصل بين قتلها والظهور خمسة عشر يوماً، كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "ليس بين قيام قائم آل محمد وبين قتل النفس الزكية إلاَّ خمسة عشر يوماً"(5). إلاَّ أنَّ النهاية سعيدة، فالفرج الموعود يغطي على كل الأحداث، وهو محل الأمل والطمأنينة لانتصار وسيادة العدل، فعن الإمام الباقر عليه السلام: "القائم منصور بالرعب، مؤيدٌ بالنصر، تُطوى له الأرض، وتظهر له الكنوز، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويُظهر الله عزَّ وجل به دينه ولو كره المشركون"(6). نسأل الله تعالى أن يمتعنا بظهوره.
(1) الشيخ الصدوق، الخصال، ص303.
(2) قطب الدين الراوندي، الخرائج والجرائح، ج3، ص1154.
(3) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج52، ص307.
(4) المصدر نفسه، ج52، ص192.
(5) الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص649.
(6) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج52، ص191.